ما إن ينتهي المواطنون من تناول طعام الإفطار، حتى تتناهى إلى مسامعهم أصوات المفرقعات والألعاب النارية، ويسمع صراخ الأطفال في كل مخيم وحي وشارع.
فالأطفال في قطاع غزة عموماً، وجنوبه على وجه التحديد، باتوا أكثر توجهاً لممارسة أنواع عنيفة وغير تقليدية من الألعاب، إما بإشعال أنواع خاصة من السلك الخفيف المستخدم في جلي الأطباق، وإحداث ما يشبه نافورة لهب عبر التلويح به، أو إلقاء ألعاب نارية على بعضهم، بينما يمارس آخرون أنواع أكثر قسوة من الألعاب، قد تصيب زملائهم بالأذى، ليس اقلها استخدام مسدسات "الخرز"، وهي مؤذية لدرجة التسبب بالعمى الجزئي.
تقليد ومحاكاة
وبدا الطفلان فارس وعلي، منهمكان في تجميع الألعاب النارية ووضعها في كتلة واحدة، لإحداث صوت انفجار قوي، وبعد دقائق معدودة، أشعلها أحدهما وألقاها بعيداً، وانتظرا ورفاقهما الصوت المرتقب.
وارتسمت السعادة على وجوه الحاضرين من الأطفال، حين سمعوا صوت انفجار كبير، وراح بعضهم يشبهه بصوت القصف، الذي كان يسمع على الدوام خلال العدوان الإسرائيلي الأخير.
وليس بعيداً كان مجموعة من الأطفال يحلمون دمى مصنوعة من الخشب والبلاستيك، تشبه البنادق، ويلاحقون بعضهم البعض، وحين تمكنوا من الإمساك بأحد الفارين "من الخصم"، انهالوا عليه بالضرب بصورة عنيفة، أدت إلى صراخه واستغاثته بالمارة، حتى أغاثه أحدهم، وخلصه من بين أيديهم.
المواطن محمود عاشور، أكد أنه بات يستغرب لجوء الأطفال للعب العنيف والقاسي، وتعمدهم استخدام المفرقعات، موضحاً أن نجليه يصرفان كل ما يحصلان عليه من مال لشراء المفرقعات، حتى تدخل ومنعهما من ذلك.
وأوضح عاشور لـ"الحدث"، أن الأمر بات بحاجة إلى تدخل من قبل الأهل، لوضح حد فوري لتلك الظاهر الآخذة في التفاقم، ومنع لجوء الأطفال للألعاب الخطرة.
أصوات تشبه القصف
أما المواطنة "أم خليل"، فأكدت أنها تشعر بالخوف أحياناً وهي في منزلها، حين تسمع المفرقعات، وتستعيد ذاكرتها بصورة تلقائية أصوات القصف، فتشعر بالعصبية، وتطلب من زوجها أو أحد أبنائها الكبار، الخروج وإبعاد الأطفال عن بوابة المنزل، والطلب منهم اللعب بعيداً.
وأشارت إلى أن المشكلة الأكبر أن أحد أطفالها لاحظ خوفها، ففاجئها بينما كانت منهمكة بغسل الأطباق، بإلقاء مفرقعات بجانبها، وحين انفجرت فجأة وأحدثت دوي صوت قوي، شعرت بخوف وهلع، فانهالت عليه بالضرب.
ظاهرة مقلقلة
من جانبه علق الاختصاصي والمعالج النفسي دكتور يوسف عوض الله، مدير عيادة رفح النفسية على تلك الظاهرة قائلاً: " من المؤكد أن ما يحدث أمر غير طبيعي مطلقاً، ولا يوجد مكان في العالم أطفاله يمارسون العنف ويميلون للعب بالمفرقعات مثل قطاع غزة، فالأمر بات ملفت للنظر خاصة في شهر رمضان.
وبين عوض الله أن هذه الأفعال من ناحية علمية ونفسية تنم عن سلوكيات مضطربة، وعدوانية ومشاكل نفسية يعاني منها الأطفال، وهي انعكاس للظروف التي عاشوها خلال الحرب، مذكراً بالتقرير الخطير الذي أصدرته منظمة الأمم المتحدة للأمومة والطفولة "يونيسيف" مؤخراً، وقالت في جزئية منه: بأن نحو 400 ألف طفل في قطاع غزة يعانون اضطرابات ومشاكل سلوكية بسبب الحرب وظروف الصراع.
ودعا عوض الله في حوار مع "الحدث"، أولياء الأمور لمتابعة أبنائهم، ومنعهم من اللعب بالمفرقعات، ومراقبة سلوكهم، والمسارعة لعرض بعضهم على أطباء ومعالجين نفسيين، إذا ما لاحظوا إفراط في استخدام العدوانية ضد الآخرين.