خاص الحدث
أثار قرار الرئيس محمود عباس تحويل صرف رواتب الأسرى والمحررين من هيئة شؤون الأسرى والمحررين إلى المؤسسة الفلسطينية للتمكين الاقتصادي، إلى جانب إلغاء قانون الصرف الذي ينظم العملية، موجة من الانتقادات في الشارع الفلسطيني، توجت بعقد رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين قدورة فارس مؤتمرا صحفيا طالب فيه بإلغاء المرسوم الصادر بهذا الشأن، متهما من أطلق عليهم وصف "المستشارين المضللين" بالوقوف وراء هذه الخطوة. لكن في المقابل، اعتبرت جهات محسوبة على السلطة، أن الهدف هو تجاوز الذرائع التي تتخذها حكومة الاحتلال الإسرائيلي في قرصنتها لأموال المقاصة، والتي أرهقت الخزينة الفلسطينية، وكذلك لضمان عودة بعض الدعم الأمريكي والأوروبي الذي توقف بسبب هذه القضية.
مرّت قضية رواتب الأسرى والمحررين بمنعطفات عدة؛ وفي كل مرة كانت السلطة تحاول تصوير الأمر للجهات الغربية بأن الأمر ليس تكريمًا على الفعل الذي قام به الأسير، وإنما مساعدة لعائلات فقدت معيلها الاجتماعي، وبالتالي فإن هذه الرواتب جزء من الحماية الاجتماعية للفئات المتضررة. لكن ذلك لم يكن مقنعا للإسرائيليين والأمريكيين والأوروبيين الذين كانوا يشددون على أن فكرة وجود قانون ينظم الصرف وفق عدد سنوات السجن؛ هو بحدّ ذاته تكريم على فعل الأسير.
ورغم التغييرات التي اتخذتها السلطة في طبيعة المؤسسة التي ترعى هذه القضية إلا أن ذلك لم يجد نفعًا، وظلّت المطالبات الأمريكية والأوروبية حاضرة والاقتطاع الإسرائيلي من المقاصة سيدّ الموقف، حتى كان المرسوم الأخير في 10 شباط 2025 والذي يقضي بإلغاء المواد الواردة بالقوانين والنظم المتعلقة بنظام دفع المخصصات المالية لعائلات الأسرى والشهداء والجرحى، في قانون الأسرى واللوائح الصادرة عن مجلس الوزراء ومنظمة التحرير، على أن تخضع جميع الأسر التي كانت تستفيد من القوانين والتشريعات والنظم السابقة لنفس المعايير المطبقة دون تمييز على جميع الأسر المستفيدة من برامج الحماية والرعاية الاجتماعية.
رواتب الأسرى.. القوانين الناظمة
في 22 ديسمبر 2004 أقرّ المجلس التشريعي قانون الأسرى والمحررين رقم 19 لسنة 2004م. يتضمن القانون بندا يشير إلى أن كل أسير محرر أمضى في سجون الاحتلال مدة لا تقل عن خمس سنوات وكل أسيرة أمضت مدة لا تقل عن ثلاث سنوات يتم إعفاؤهم مما يلي: رسوم التعليم المدرسي والجامعي الحكومي، رسوم التأمين الصحي ورسوم أي دورة تأهيلية في نطاق البرامج التي تنظمها الجهات الرسمية المختصة. وتمنح السلطة الوطنية كل أسير ودون تمييز مصروفا شهريا داخل السجن وتصرف له بدل ملابس بمعدل مرتين في العام. ويرتب القانون على السلطة الوطنية أن تصرف لكل أسير راتبا شهريا يحدده النظام، ويكون مربوطا بجدول غلاء المعيشة.
قرار مجلس الوزراء رقم 23 لسنة 2010م حدد النظام الجديد لصرف راتب شهري للأسير وأسرته وذلك استناداً إلى القانون الأساسي المعدل لسنة 2003م وتعديلاته، ولا سيما المادة (70) منه، وإلى قانون الأسرى والمحررين رقم (19) لسنة 2004م، ولا سيما المادتين (3،7) منه. وفقا للقرار يتم الصرف استنادا إلى السنوات التي أمضاها في الأسر إضافة إلى علاوة للزوجة (300 شيقل) وللأبناء (50 شيقل لكل واحد منهما)، ويكون على النحو التالي بشكل أساسي: من بدء الأسر وأقل من 3 سنوات يصرف للأسير مبلغ 1400 شيقل. من 3 سنوات وأقل من 5 سنوات 2000 شيقل.
أما الذي يتجاوز 5 سنوات وأقل من 10 سنوات فيصرف له 4000 شيقل. أما الذين تجاوزا 10 سنوات وأقل من 15 سنة فيحصلون على راتب 6000 شيقل. والأسير الذي يقضي من 15 وأقل من 20 سنة فيتقاضى 7000 شيقل. ومن تجاوز 20 سنة وأقل من 25 سنة يحصل على راتب بقيمة 8000 شيقل. ومن 25 سنة وأقل من 30 سنة 10000 شيقل. أما الأسير الذي تجاوز 30 سنة فيحصل على راتب 12000 شيقل.
في 8 يناير 2013 أصدر الرئيس محمود عباس قرار بقانون رقم 1 لسنة 2013م بشأن تعديل قانون الأسرى والمحررين رقم (19) لسنة 2004م. تضمن التعديل الجديد إضافة مادة جديدة تشير إلى مهمة السلطة بتأمين الوظائف للأسرى المحررين وفقاً لمعايير تأخذ بعين الاعتبار السنوات التي أمضاها الأسير في الأسر، وتحصيله العلمي، والمقدرة على استيعابهم في التوظيف، ويمنح الأسير المحرر أولوية في التعيينات السنوية في كافة مؤسسات السلطة وفقاً للتشريعات النافذة، وفي حال لم تستطع تأمين الوظائف للأسرى طبقاً للفقرة السابقة، فإنها تلتزم بصرف مبلغ مالي شهري لكل أسير محرر أمضى في الأسر خمس سنوات حتى عشر سنوات، والأسيرة المحررة من سنتين حتى خمس سنوات.
ووفقا لقرار بقانون رقم 1 لسنة 2013م، في حال وفاة الأسير المحرر أو الأسيرة المحررة تلتزم السلطة برعاية أسرهم، وكل أسير معاق لديه عجز دائم بنسبة (%50) أو أكثر في حال أمضى سنتين ونصف في الأسر والأسيرة التي أمضت سنة في الأسر. أما الأسير الذي أمضى عشر سنوات فأكثر والأسيرة التي أمضت خمس سنوات فأكثر يتم توظيفهم مالياً في مؤسسات السلطة دون إغفال الحقوق المكتسبة للأسرى المحررين الموظفين. والأسير الذي أمضى من سنة وحتى خمس سنوات يتم منحه بدل بطالة لمدة تساوي المدة التي قضاها في الأسر. فيما يمنح كل أسير أمضى في الأسر مدة سنة فأكثر عند تحرره منحة إفراج لمرة واحدة (500 دولار عن كل سنة).
يشار إلى أن الجهة المسؤولة عن شؤون الأسرى كانت وزارة تأسست عام 1998 تحت اسم "وزارة شؤون الأسرى"، وكان أول وزير لها هو هشام عبد الرازق ضمن الحكومة الفلسطينية الثالثة، لكن نتيجة للضغوط الأمريكية والأوروبية وحتى تعفى الحكومة من هذه المهمة التي يُنظر لها من قبل هذه الجهات كمهمة "لا تتناسب والتزامات الحكومة الفلسطينية في محاربة الإرهاب" وفي محاولة لمنع تأثير وجود الوزارة على التمويل الدولي للحكومة، تقرر في عام 2014، تحويل وزارة شؤون الأسرى والمحررين إلى هيئة شؤون الأسرى والمحررين، وبهذا تتبع مباشرة إلى منظمة التحرير الفلسطينية، ووفقًا لهذا تصبح الهيئة إحدى مكونات منظمة التحرير، وعين الوزير عيسى قراقع كأول رئيس للهيئة، ثم الراحل قدري أبو بكر، وأخيرا قدورة فارس الذي جرى تحويله للتقاعد المبكر خلال شهر شباط الجاري من قبل الرئيس عباس نتيجة احتجاجه على المرسوم القاضي بتحويل الصرف لمؤسسة تمكين، وجرى تعيين رائد أبو الحمص بدلا منه.
القوانين الإسرائيلية.. والقرصنة المالية
وفقًا للاتفاقات الموقعة بين السلطة الفلسطينية وحكومة الاحتلال، تقوم الأخيرة بتحصيل الضرائب لصالح السلطة. في يوليو 2018، وافق الكنيست الإسرائيلي على قانون لتجميد الأموال التي تدفعها السلطة للأسرى الفلسطينيين من الأموال التي تحوّلها إليها حكومة الاحتلال. قانون سنة 2018 الذي يسمح بخصم الأموال التي تدفعها السلطة الفلسطينية للأسرى من أموال المقاصة، الهدف منه وفق مادته الأولى: "يهدف هذا القانون إلى تقليل النشاط المقاوم وإلغاء الحافز الاقتصادي للنشاط المقاوم، من خلال وضع أحكام بشأن تجميد الأموال التي دفعتها السلطة الفلسطينية للأسرى من الأموال التي تحوّلها الحكومة الإسرائيلية للسلطة الفلسطينية". بموجب هذا القانون، قرر المجلس الوزاري الأمني والسياسي الإسرائيلي "الكابينيت" في فبراير 2019 خصم نحو 502 مليون شيقل من أموال المقاصة، واستمرت القرصنة من المقاصة حتى يومنا هذا بقيمة تصل نصف مليار شيقل سنويا.
في فبراير 2023، تم إضافة مادة إلى قانون الجنسية الإسرائيلية، تسمح لوزير الداخلية في حكومة الاحتلال بطلب من المحكمة سحب الجنسية من أي شخص اتهمه الاحتلال بعمل مقاوم وإذا كان هو أو من ينوب عنه وبعلمه قد تلقى رواتب من السلطة الفلسطينية، بشكل مباشر أو غير مباشر. وبالمثل، تم إضافة مادة إلى قانون دخول "إسرائيل" تسمح لوزير داخلية الاحتلال بطلب من المحكمة سحب الإقامة الدائمة في "إسرائيل" من أي شخص اتهمه الاحتلال بالقيام بعمل مقاوم وإذا كان هو أو من ينوب عنه وبعلمه قد تلقى رواتب من السلطة الفلسطينية، بشكل مباشر أو غير مباشر، على أن يتم بعد انتهاء فترة اعتقاله، إبعاده إلى الضفة الغربية.
في شباط 2020، أصدر جيش الاحتلال الإسرائيلي الأمر العسكري المعدّل رقم 67 للقرار العسكري رقم 1827. تضمن التعديل مواداً جديدة تتعلق بالعقوبات التي ستُفرض على من يقوم بتقديم "مكافأة" لشخص قام بعمل مقاوم، حتى لو لم يكن مقدّم "المكافأة" مشاركا في الفعل نفسه أو مؤيدا له. عقوبة من يقوم بذلك حسب التعديل على الأمر العسكري؛ السجن عشر سنوات وفرض غرامة مالية. كما تمت إضافة عقوبة السجن خمس سنوات لمن يقوم بالتحضير لتسهيل تنفيذ مخالفة عقوبتها السجن عشر سنوات.
أثار الأمر العسكري مخاوف البنوك الفلسطينية فيما يتعلق بحسابات المعتقلين والأسرى والشهداء، على اعتبار أن هناك صلاحية بمصادرة الأموال المتوفرة في هذه الحسابات تحت بند أنها تُمنح "كمكافأة" على ارتكاب "مخالفة". دفع ذلك البنوك إلى إغلاق حسابات الأسرى والمحررين خشية اقتحامها واعتقال موظفيها. وفي ذات السياق، شكلت السلطة، لجنة بتاريخ 7 أيار 2020، برئاسة محافظ سلطة النقد السابق عزام الشوا، ورئيس هيئة شؤون الأسرى السابق قدري أبو بكر، وجمعية البنوك، وممثل عن وزارة المالية، لدراسة التهديدات الإسرائيلية ضد البنوك. وخلصت اللجنة في 19 أيار إلى ضرورة تحويل رواتب الأسرى إلى البريد الفلسطيني واستيعاب المحررين منهم في وظائف حكومية أو إحالتهم إلى التقاعد المبكر.
خطوات لم ترض الاحتلال ولا الأمريكيين والأوربيين
رغم التغييرات التي أجرتها السلطة على طبيعة الجهة المسؤولة عن قضية رواتب الأسرى المحررين، وتحويل الوزارة إلى هيئة في 2014، وتحويل الصرف من البنوك إلى البريد في 2020. إلا أن الموقف الإسرائيلي ظل ثابتا في هذه القضية واستمرت الاقتطاعات من أموال المقاصة التي تحوّل لخزينة السلطة. أما الموقف الغربي فلم يختلف كثيرا، في نيسان 2017 أعلنت ألمانيا نيتها مراجعة مدفوعات المساعدات الخارجية للسلطة في ضوء استخدام بعض هذه الأموال لدفع رواتب الأسرى والمحررين.
وفي تشرين الثاني 2019، خفضت هولندا مبلغ 1.5 مليون دولار سنويا كانت تدفعها مباشرة للسلطة الفلسطينية بسبب استمرار الأخيرة في صرف رواتب الأسرى والمحررين. وفي 23 آذار 2018، وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على قانون تايلور فورس، والذي يخفض نحو ثلث مدفوعات المساعدات الخارجية الأمريكية للسلطة الفلسطينية، وكان شرط وقف العمل بالقانون هو توقف السلطة عن دفع رواتب الأسرى. وكانت لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الأمريكي قد صادقت على القانون بالإجماع في تشرين الثاني 2017 رغم تحويل السلطة وزارة الأسرى إلى هيئة وهي خطوة كانت ترى أنها قد تقنع الأمريكيين.
وقال رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الأمريكي آنذاك "إيد رويس" إنه "منذ عام 2003، يكافئ القانون الفلسطيني الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية بأجور شهرية، والقيادة الفلسطينية تدفع أيضا لعائلات الأسرى ومنفذي العمليات، وهذه السياسات تحفز العنف، ومع هذا التشريع، نحن نجبر السلطة الفلسطينية الاختيار بين المساعدات الامريكية وبين هذه السياسات غير الاخلاقية".
المرسوم الأخير.. ردود الأفعال الفلسطينية والأمريكية والإسرائيلية
في 10 شباط 2025 أصدر الرئيس محمود عباس، مرسومًا رئاسيًا يقضي بإلغاء القوانين المتعلقة بنظام دفع المساعدات المالية لعائلات الأسرى والشهداء والجرحى، بالإضافة إلى نقل إدارة البرنامج وقاعدة بياناته من وزارة التنمية الاجتماعية إلى المؤسسة الوطنية للتمكين الاقتصادي. وفقًا للمرسوم، ستخضع جميع الأسر المستفيدة من هذه المساعدات لمعايير الرعاية الاجتماعية المعمول بها في فلسطين، دون أي تمييز، حيث سيتم تحويل جميع برامج الحماية والرعاية إلى مؤسسة التمكين الاقتصادي، التي ستتولى توزيع المساعدات عبر آليات رقابة شفافة تحت إشراف محلي ودولي.
ووفقًا للإعلان الرسمي عن المرسوم، فإنه يهدف إلى تعزيز مكانة فلسطين على الساحة الدولية، واستعادة برامج المساعدات الدولية، وفك الحصار المالي المفروض من قبل إسرائيل، بالإضافة إلى مواجهة التحديات الاقتصادية المتزايدة. وقد تضمن نص المرسوم إلغاء المواد المتعلقة بنظام دفع المساعدات لعائلات الأسرى والشهداء والجرحى في القوانين المعمول بها، سواء في قانون الأسرى أو اللوائح الصادرة عن مجلس الوزراء ومنظمة التحرير الفلسطينية. كما نص على نقل برنامج المساعدات وقاعدة بياناته من وزارة التنمية الاجتماعية إلى المؤسسة الوطنية للتمكين الاقتصادي.
وتنص التعديلات الجديدة على تطبيق معايير الشمولية والعدالة على جميع الأسر المستفيدة من برامج الحماية الاجتماعية، مما يضمن توزيع المساعدات بشكل عادل لجميع الأسر الفلسطينية المحتاجة، دون أي تمييز. كما ينص المرسوم على أن المؤسسة الوطنية للتمكين الاقتصادي هي الجهة المعنية بتنفيذ برامج الحماية والرعاية الاجتماعية في فلسطين، وأن هذه المؤسسة ستعمل وفق آليات رقابة مالية وإدارية مشددة، حيث ستحظى بالرقابة المحلية والدولية لضمان الشفافية في الإجراءات وعدالة التوزيع.
وفي سياق آخر، ربط المرسوم هذا القرار بالسعي لتعزيز مركز فلسطين القانوني دوليًا، والحصول على اعترافات جديدة من دول العالم في الأمم المتحدة والمجالس الدولية. وأشار المرسوم أيضًا إلى أن المؤسسة ستعمل على جمع الموارد المالية لمساعدة الأسر الفقيرة، خصوصًا في ظل الوضع الصعب الناتج عن الصراع في غزة والضفة الغربية.
تقارير إسرائيلية وأمريكية اعتبرت أن هذه الخطوة في وقت تعمل فيه السلطة الفلسطينية على فتح قنوات الحوار مع إدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، بهدف مناقشة "إصلاحات في آلية دفع رواتب الأسرى"، في محاولة لتقليل الضغوط الإسرائيلية والأميركية التي تصف هذه المخصصات بأنها تمويل للمقاومة، على أمل استعادة برامج المساعدات الدولية التي توقفت في السنوات الأخيرة، بالإضافة إلى التوقف عن خصم الأموال الفلسطينية من الضرائب، وهو ما يقدر بمليارات الشواقل.
لكن الرد الأمريكي على المرسوم لم يكن متوقعا. في 19 شباط 2025 (بعد 9 أيام من صدور المرسوم) كشفت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أوقفَت تمويل الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية، وذلك في إطار الإجراءات التي تتخذها لتعليق المساعدات الدولية التي تقدمها الولايات المتحدة. ووفقا للصحيفة الأمريكية، يأتي تجميد التمويل في فترة صعبة ومعقدة بالنسبة للسلطة الفلسطينية، التي تسعى للحفاظ على سيطرتها في الضفة الغربية، بينما تؤكد قدرتها على إدارة قطاع غزة بعد انتهاء الحرب. أما الموقف الإسرائيلي فكان مشككا في جدية الخطوة التي اتخذتها السلطة، وقال وزير مالية الاحتلال بتسلئيل سموتريتش إن حكومة الاحتلال ستراجع مدفوعات السلطة بداية 2026 وبناء على ذلك ستقرر التوقف عن اقتطاع أموال المقاصة أم لا، على أن يستمر الاقتطاع إلى ذلك الحين.
أما الفصائل الفلسطينية فقد عبرت عن رفضها للمرسوم الرئاسي الخاص برواتب الأسرى والمحررين. استنكرت حركة "حماس" المرسوم، معتبرةً إياه "تخليًا عن قضية الأسرى والشهداء"، واصفة إياه بـ"التصرف غير الوطني"، ودعت إلى التراجع عنه فورًا. وأكدت الحركة في بيان صحفي أن هذا القرار يمثل تراجعًا عن أحد الثوابت الوطنية الفلسطينية، مشددة على ضرورة عدم الرضوخ لضغوط الاحتلال والإدارة الأمريكية. وأوضحت الحركة أن "تحويل هذه الفئة الوطنية المجاهدة، التي قدمت أغلى ما تملك من أجل شعبنا وقضيته العادلة، إلى حالات اجتماعية يعد أمرًا شائنًا". وأكدت أن "المطلوب هو تقدير تضحيات الأسرى والجرحى وعائلات الشهداء العظيمة، والاعتراف بالثمن الذي دفعوه من أرواحهم والسنوات التي قضوها في سجون الاحتلال، والحفاظ على حقوقهم بدلاً من التخلي عنهم في هذا الظرف المصيري من تاريخ قضيتنا الفلسطينية".
من جهتها، أدانت "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" المرسوم، واعتبرت الخطوة بمثابة "خضوع فاضح لشروط الاحتلال وضغوط الإدارة الأمريكية، وانتهاك سافر للحقوق الوطنية". وأشارت إلى أن "القرار يندرج ضمن محاولات إعادة هندسة القضايا الوطنية عبر تحويل ملف الأسرى والشهداء من قضية وطنية مقدسة إلى شأن إداري يخضع لمعايير الجهات المانحة المرتبطة بالعدو. كما أن تحويله إلى 'مؤسسة التمكين الاقتصادي' والتعديلات التي طالت قانون رعاية الأسرى تمثل تلاعبًا خطيرًا يهدف إلى تجريد هذه الفئة من مكانتها الوطنية وحقوقها المشروعة".
من جانبها، اتهمت حركة "الجهاد الإسلامي" السلطة الفلسطينية بـ"محاولة معاقبة الشعب الفلسطيني على تمسكه بحقه المشروع في المقاومة"، مشيرة إلى أن "القرار يأتي في وقت تسجل فيه قوى المقاومة انتصارًا على الاحتلال من خلال فرض عملية تبادل أسرى مشرفة". وأضافت الحركة أن "القرار يهدف إلى إضعاف معنويات الشعب الفلسطيني، ويعد خذلانًا للأسرى الذين قدموا سنوات من الصمود خلف القضبان".
وأدانت "الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين" المرسوم، واعتبرت أنه "يأتي استجابة للضغوط الإسرائيلية والأمريكية التي كانت تطالب السلطة بوقف دفع رواتب ومخصصات وتعويضات الأسرى والشهداء باعتبارهم إرهابيين". وفي تصريح صحفي مكتوب اليوم الثلاثاء، قال عضو مكتب الجبهة، معتصم حمادة، إن "القرار يفتح الباب للتمييز بين أسير وآخر، وبين شهيد وآخر، مما يسهل على السلطة إرضاء من ترغب، ويتركها غير مكترثة بآراء أي شريحة تحتج على ذلك". وأوضح حمادة أن "هذا القرار سيؤدي إلى تحويل الأسرى من أبطال يشرفون القضية الفلسطينية إلى حالات اجتماعية بحاجة إلى رعاية، كما هو الحال مع المساعدات التي تقدمها وكالة الغوث".
وفي مؤتمر صحفي عقد بعد يوم من إصدار مرسوم عباس، أكد قدورة فارس أنه كان من الأجدر أن يتم مناقشة موضوع حساس مثل رواتب الأسرى في كافة الأطر الحزبية، داعيًا أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح والمجلس الثوري والأقاليم إلى الوقوف عند مسؤولياتهم. وأوضح أن مخصصات الأسرى كانت مسألة تتفق عليها جميع الأطراف. وأشار فارس إلى أن نحو 35 إلى 40 ألف أسرة فلسطينية، داخل الأراضي الفلسطينية وخارجها، ستتأثر بهذا المرسوم. واتهم بعض المستشارين الذين وصفهم بـ"المضللين" بمحاولة تبرير القرار بأساليب مشكوك فيها.
وخاطب فارس رئيس السلطة قائلاً: "أنت من الرعيل الأول الذي أطلق الرصاصة الأولى، هؤلاء أبناؤك وأسرهم هم أبناؤك، وهذه مسؤولية سنسأل عنها يوم الحساب. أناشدك أن تتراجع عن المرسوم، وإذا كان هنالك قرار ينبغي اتخاذه، فليكن عبر المؤسسات المعنية التي تمثل الشعب الفلسطيني." وأضاف أن الوضع السياسي الحالي، في ظل حكومة يمينية، يتطلب التفكير المشترك في كيفية التصدي لها. وأكد فارس أن قانون الأسرى والمحررين، والأنظمة التي تنظم دعم عائلات الشهداء والجرحى، تمثل "اللوحة الأجمل في البيت الفلسطيني"، ولا يوجد خلاف حولها بين الفصائل. وأوضح أنه قد تم استشارته حول هذا الأمر في مراحل سابقة، وكان دائمًا يؤكد أنه لا يمكن مناقشة مثل هذه الأمور إلا في سياق عرض سياسي مهم.
وكشف فارس أنه قبل 11 شهرًا، وفي ظل الضغوط من "المنافقين وأعداء الحرية"، قبل ببعض التعديلات بناءً على توجيهات من عباس، شريطة ألا تؤثر على الحقوق المادية والمعنوية للأسرى وعائلات الشهداء والجرحى. وأضاف أنه تم اقتراح تقسيم الرواتب العالية للأسرى وعائلات الشهداء بين أكثر من وكيل، مع إعداد كشوف من هيئة شؤون الأسرى لتسليمها لمؤسسة "تمكين" دون المساس بحقوق الأسرى، بحيث تتولى المؤسسة صرفها. لكن فارس أشار إلى أن المرسوم يضع مؤسسة "تمكين"، وهي مؤسسة أهلية وليست رسمية، في موقع المسؤولية عن هذه المهمة. كما أن المؤسسة ستكون مطالبة بزيارة منازل الأسرى للتحقق من أوضاعهم الاجتماعية، وهو ما رفضه فارس تمامًا.