الثلاثاء  04 آذار 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

استقالة محمد جواد ظريف: بين القوّة والمفاوضات/ بقلم: باسم جوني

2025-03-04 09:52:08 AM
استقالة محمد جواد ظريف: بين القوّة والمفاوضات/ بقلم: باسم جوني
استقالة محمد جواد ظريف من منصب نائب الرئيس الإيراني

لم تكن هذه المرة الأولى التي يعلن فيها محمد جواد ظريف استقالته من منصب سياسي. فقد أعلن ظريف استقالته لأول مرة في عام 2019 من منصبه كوزير للخارجية الإيرانية، لكن استقالته قوبلت بالرفض من جانب رئيس الجمهورية آنذاك، حسن روحاني. وقد أثيرت تكهنات حول سبب استقالته، إذ أُفيد بأن سببها كان رفضه حضور الرئيس السوري السابق بشار الأسد إلى إيران دون استشارته. وأشار ظريف إلى أن هناك جهات تحاول تقليص دوره كوزير للخارجية. أما المرة الثانية، فكانت استقالته من منصبه كنائب رئيس الجمهورية للشؤون الاستراتيجية، وذلك بعد شهر وستة أيام من انتخاب مسعود بزشكيان رئيسًا لإيران، والذي كان ظريف قد قاد حملته الانتخابية. قبل أن يعود عنها بعد تدخل الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان. وتداولت الأنباء حول أن سبب استقالته ارتبطت بالاختلافات حول التعيينات الحكومية الجديدة، بين التيار الإصلاحي والتيار المحافظ. في الوقت الذي تم فيه تقدير أن سبب الاستقالة يعود أيضًا إلى الضغوط التي مارستها بعض الشخصيات التي تخاصم ظريف في الداخل الإيراني، في محاولة لتطبيق مادة قانونية تنص على عدم تسليم المناصب الحساسة لمن يحمل هو وأفراد عائلته جنسية أجنبية، حيث أن أبناء ظريف يحملون الجنسية الأمريكية.

لا شك أن الحساسية السياسية لدى ظريف تؤثر على قراراته وسرعة إعلانها. فقد عاد ليعلن استقالته مجددًا بعد أن أعلن البرلمان الإيراني إقالة وزير الاقتصاد، عبد الناصر همتي، من منصبه. جاء ذلك بعد تصويت 182 نائبًا إيرانيًا لصالح إقالة "همتي"، في ظل استمرار انخفاض العملة الوطنية وتدهور الوضع الاقتصادي. إلا أن حجب الثقة يحمل أيضًا رسائل سياسية، مما يعكس الرفض الواضح من مجلس الشورى الإيراني لأي محاولة خضوع لضغوطات الولايات المتحدة. ويُذكر أن "همتي" وفريقه، الذي يقوده ظريف، يمثلان التيار الإصلاحي الذي عمل على تشكيل فريق حكومي يعزز المفاوضات مع الولايات المتحدة بعد التأكد من قدوم دونالد ترامب إلى الرئاسة الأمريكية، قبل إعلان نتائج الانتخابات. وشهدت الفترة الأخيرة تغيّرات في الأجواء السياسية، قد لا تتماشى مع الرؤية التي كان يتبناها ظريف وفريقه. في هذا السياق، لا بد من الإشارة إلى أن هذه الاستقالة جاءت أيضًا بعد إعلان المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية، السيد علي خامنئي، رفضه التفاوض مع الولايات المتحدة تحت الضغط الأمريكي، معتبرًا أن التفاوض في هذه الظروف لا يجدي نفعًا وأنه بعيد عن المنطق. ويبدو أن هذا الموقف قد أثر أيضًا على الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، الذي كان يسعى في البداية نحو التفاوض مع الولايات المتحدة قبل أن يتبنى موقف المرشد الأعلى. وهذا يوضح أن الظروف الحالية في إيران لا تتناسب مع طموحات محمد جواد ظريف، الذي كان قد شغل منصب ممثل إيران في الأمم المتحدة وأمضى دراسته في الولايات المتحدة قبل عودته إلى إيران. وقد تولى منصبه الأخير في الأساس لإدارة المفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية.

كما أن المشهد الذي أظهره ترامب مع الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، أضاف مزيدًا من التأكيد على استحالة التفاوض مع دونالد ترامب في ظل طريقة تعامله الاستفزازية. هذا السلوك الأمريكي، الذي يتمثل في إهانة حلفائه في المنطقة، يعكس مواقف غير قابلة للتحقق مع إيران، التي تعلم جيدًا أنها يجب أن تستخدم لغة القوة مع الولايات المتحدة عندما يتطلب الأمر. وعلى الرغم من أن الوضع السياسي في إيران يشهد حالة من التخبط، بالإضافة إلى الحصار الاقتصادي المفروض على الشعب الإيراني، وهو ما يؤثر سلبًا على حياة المواطنين الإيرانيين. مع ذلك،  ترفض إيران حتى الآن العودة إلى المفاوضات، مستدركةً ما حدث عام 2018، عندما أعلن ترامب انسحابه من الاتفاق النووي. ويستمر النظام الإيراني في رفض أسلوب التعامل الاستكباري الذي تمارسه الولايات المتحدة، رغم ما تظنه واشنطن من القضاء على ما تسميه "أذرع إيران في المنطقة". هذا الموقف يشير إلى أن إيران لا تزال تحتفظ بقوّة ما، ربما خفية، تجعل مرشدها الأعلى يصرّ على عدم تغيير الشعارات التي يرفعها النظام الإيراني، والتي تتمثل في مقاومة الهيمنة الأمريكية والتوسع الصهيوني، وعلى عدم إظهار أي شكل من أشكال التنازلات، لرغبة ترامب ودولته.