الثلاثاء  04 آذار 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

اليوم التالي للقضية الفلسطينية| بقلم: هاني المصري

2025-03-04 10:43:06 AM
اليوم التالي للقضية الفلسطينية| بقلم: هاني المصري
هاني المصري

 مستقبل القضية الفلسطينية على المحك، وليس مستقبل قطاع غزة فقط.


فالمطروح هو محاولة جديدة لتصفية القضية الفلسطينية من مختلف جوانبها، كما يظهر في حرب الإبادة والتهجير والفصل العنصري والعقوبات الجماعية في قطاع غزة، ومحاولة القضاء على المقاومة ، ونزع سلاحها، وتهجير قيادتها أو على الأقل إخراجها من الحكم وإضعافها إلى حد كبير.

وكما يظهر في الضفة الغربية من خلال مخططات الفصل العنصري والضم والتهجير ومصادرة الأراضي واستيطانها، وتغيير مكانة الأقصى تمهيدًا لهدمه في الوقت المناسب، فضلًا عن العمل من أجل حل السلطة أو اخضاعها أكثر وأكثر وتفريغها من دورها السياسي وإقامة سلطات محلية بدلًا منها في الضفة والقطاع، أو "تجديدها" لإعادة تأهيلها لتفقد أي صفة تمثيلية وطنية، وأي قدرة على التحول إلى دولة فلسطينية. وكذلك ما يظهر في مخططات تصفية قضية اللاجئين، من خلال الدعوة إلى حل وكالة غوث اللاجئين، وتدمير المخيمات وتهجير سكانها في الضفة والقطاع، نظرًا إلى ما تمثله من تجسيد لحق العودة والهوية الوطنية وما تشكله من قواعد للمقاومة الوطنية.

ويضاف إلى ما تقدم مواصلة العمل لطمس الهوية الفلسطينية لأصحاب البلاد الأصليين داخل إسرائيل، من خلال الإمعان في تهميشهم عبر إقرار قوانين وتنفيذ سياسات عنصرية، وتفريقهم وشرذمتهم عبر تغذية العنف والجريمة والدعارة والمخدرات، وتشجيع الهجرة لمنع أي تأطير مشترك، وأي دور يمكنهم من انتزاع حقوقهم الفردية والقومية، وتجسيد هويتهم الوطنية، كما يتواصل السعي إلى استكمال الاتفاقات الإبراهيمية بتطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية، على أمل أن تتبعها بقية الدول العربية والإسلامية التي لم تطبع علاقاتها مع إسرائيل لاستكمال تغيير الشرق الأوسط، وتنصيب دولة الاحتلال بوصفها مركزًا مهيمنًا على الإقليم برمته حتى يتاح للولايات المتحدة الانسحاب من المنطقة للتفرغ لمنافسة الصين، وغيرها من الدول التي تتقدم على مختلف المستويات، خصوصًا على الصعيد الاقتصادي، وتحقيقًا لشعار ترامب أميركا أولًا، أحد أركان فلسفته السياسية.

وتتجلى السياسة الإسرائيلية في ظل حكومة اليمين واليمين المتطرف الديني والسياسي المدعومة بشكل كامل من إدارة ترامب، من خلال التركيز في هذه المرحلة على حسم الصراع من خلال التركيز على حسم مصير الضفة الغربية وقطاع غزة. ولم يعد صحيحًا، على الأقل بعد طوفان الأقصى، أن تركيز العدوان الإسرائيلي ينحصر في الضفة الغربية، بل أُدخل قطاع غزة إلى دائرة المخططات المطروحة للتنفيذ، بدليل إعادة طرح مسائل إعادة احتلال القطاع واستيطانه، وإبقاء السيطرة الأمنية عليه، وطرح التهجير من قبل حكومة نتنياهو، وهو الهدف الأعلى من حيث الأهمية لحرب الإبادة الذي أخذ زخمًا كبيرًا بعد أفكار ترامب عن تهجير أهل القطاع وبناء ريفيرا الشرق الأوسط.

الأولوية لتوفير مقومات الصمود والبقاء
 في هذا السياق يكتسب توفير مقومات الصمود والبقاء البشري الفلسطيني على أرض فلسطين أهمية كبرى، بل هو الأولوية المركزية التي يجب أن يخضع لها كل شيء، بما في ذلك المقاومة، لأن الصمود وإبقاء القضية حية وإحباط مخططات التهجير والضم والحفاظ على الهوية الوطنية والكيان الوطني الواحد هي أعلى وأهم وأفعل أشكال المقاومة، وقد يستدعي ذلك هدنة طوية الأمد، والتركيز على أشكال المقاومة والمقاطعة الشعبية السياسية والقانونية والإعلامية الشعبية السلمية، والعمل على عزل إسرائيل ومحاسبتها وفرض العقوبات عليها، والدعوة إلى طردها من الأمم المتحدة أو تجميد عضويتها على الأقل، وإعادة القرار الدولي باعتبار الصهيونية أعلى أشكال العنصرية التي أقرته الأمم المتحدة عام 1975، وتراجعت عنه بموافقة عربية جريًا وراء أوهام السلام عشية مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، بحجة توفير الظروف لإنجاح عملية السلام.

مستلزمات إحباط تصفية القضية الفلسطينية 

إحباط المخططات الأميركية والإسرائيلية ممكن جدًا شرط تحقيق المستلزمات الآتية:
أولا: بلورة رؤية فلسطينية جديدة تأخذ الدروس والعبر من التجارب السابقة ومن السياسات التي أوصلتنا إلى الحضيض الذي نعيش فيه، تنبثق منها إستراتيجيات جديدة وقيادة جديدة تدرك أهمية الوحدة بوصفها قانون الانتصار لأي حركة تحرر وطني، وأن المعركة واحدة في الضفة والقطاع والداخل وفي جميع التجمعات الفلسطينية، وتستوجب عنوانًا واحدًا سياسيا باعتبارها قضية تحرر وطني؛ قضية حق تقرير المصير لكل الشعب الفلسطيني وليست قضية إنسانية، حيث تقتصر المفاوضات الجارية منذ طوفان الأقصى على قضايا إنسانية مثل إدخال كيس طحين هنا وإزالة حاجز هناك، بينما لا بد أن تركز وتتمحور على إنهاء الاحتلال للضفة والقطاع، وإنجاز الاستقلال التام لدولة فلسطين، التي تعترف بها 150 دولة، باعتبار ذلك الهدف المركزي في هذه المرحلة، بالترابط مع الحفاظ على الحقوق الطبيعية والتاريخية والقانونية والسياسية.

وإذا كانت الوحدة الكاملة متعذرة على المدى المباشر لأسباب لا مجال الخوض فيها في هذا المقال، فيمكن الشروع في أشكال من الوحدة الميدانية وتوسيع القائم منها، وتنسيق الكفاح والجهود والأعمال لإحباط المخططات المعادية، التي تستهدف الجميع، القضية والشعب والأرض ومختلف القوى من دون تمييز بين فلسطيني وآخر، بين معتدل ومتطرف، كما تستهدف وحدانية التمثيل التي تجسدها منظمة التحرير وسلطة حماس وسلطة عباس.

وحتى تؤثر الخطوات التنسيقية والتوافقية الجديدة المطلوب تنفيذها مهما كانت حدة الخلافات، يجب أن تشمل تحديد الأهداف والتصدي للمخاطر المشتركة، والاتفاق على سلطة واحدة وسلاح واحد وقرار واحد بما يخص السياسة والحرب إستنادا إلى برنامج وطني كفاحي، وتشمل التوافق الوطني معيارا لاتخاذ القرارات إلى حين الاحتكام إلى الشعب بالانتخابات على كل المستويات والقطاعات عندما يتوفر الوقت المناسب بسقف زمني محدد.

قمة  تحفظ الأمن العربي أم تطيح بما تبقى منه
ثانيا : العمل لكي تأخذ القمة العربية موقفًا يمثل الحد الأدنى من الدفاع عن الحقوق والأهداف والمصالح العربية، وإذا كان توقع أن تكون القمة العربية بمستوى اللحظة التاريخية الراهنة مبالغًا به كثيرًا بعدما أن عجزت طوال حرب الإبادة عن وقفها، أو حتى عن تدفيع إسرائيل وشركائها أثمانًا غالية. فالقمة لن تجابه الولايات المتحدة والثور الهائج ترامب كما هو مطلوب، ولكن، يمكن على الأقل عدم الاستسلام له، لأن الاستسلام سيساعد على تصفية القضية الفلسطينية وسينهي ما تبقى من مصالح وحقوق وأمن عربي، ويقضي على أي إمكانية لنهوض مشروع عربي، وهذا يقتضي في الحد الأدنى اتخاذ موقف ممانع، غير مجابه ولا مستسلم، يربط بين وقف حرب الإبادة والانسحاب التام من قطاع غزة، وضرورة الالتزام بتطبيق اتفاق وقف إطلاق النار بكل مراحله وبنوده؛ وبين إعادة الإعمار، ودعم تشكيل حكومة وفاق وطني ، والإلتزام بإطلاق عملية سياسية تبدأ بالاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس، والتركيز على إنهاء الاحتلال، وليس الحديث عن مسار سياسي يؤدي إلى دولة فلسطينية، فضلًا عن رفض التطبيع خصوصًا من دون انسحاب إسرائيلي كامل من الأراضي العربية الفلسطينية واللبنانية والسورية المحتلة.

ما دون ذلك، فإنَّ الاقتصار على التركيز على تغيير الفلسطينيين وتهجيرهم قسرًا أو طوعًا، وسحب سلاح المقاومة ونفي قيادتها وتجديد السلطة وخلق أشكال جديدة للحكم في قطاع غزة تُعمّق الانقسام وتزيده انقسامًا؛ سيشكل استسلامًا ومحاولةً للاسترضاء لن يقبلها على الأغلب حكام واشنطن وتل أبيب، الأمر الذي سيفتح شهيتهم نحو طلب تقديم مزيد من التنازلات العربية، وصولًا إلى الاستسلام.

جبهة عالمية لإنقاذ العالم من أخطار اليمين المتطرف الأمريكي والإسرائيلي 
ثالثا: إقامة جبهة فلسطينية عربية إسلامية إنسانية على امتداد العالم كله لإنقاذ العالم من أخطار اليمين المتطرف الأمريكي والإسرائيلي، لا تستند فقط على مخاطر السياسة الاستعمارية الأميركية الإسرائيلية على الفلسطينيين، وإنما على كونها تلحق الضرر حتى بحلفاء الولايات المتحدة وبصورتها وتاريخها ومستقبلها، وتهدد الأمن والاستقرار والسلام والحرية والعدالة والمساواة والديمقراطية في العالم كله. فالقضية الفلسطينية قضية تحرر وطني، وهي عادلة ومتفوقة أخلاقيًا وتحررية إنسانية. ويمكن أن تجمع أفراد وتجمعات وقوى ودول على امتداد العالم، وتكون محورًا لكل قوى التحرر والتقدم والعدالة والديمقراطية والمساواة، وستكون قادرة بعد السقوط الأخلاقي والسياسي الأمريكي والإسرائيلي على تغيير العالم .