الخميس  06 آذار 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

نقد "مغامرة" حماس| بقلم: ناجح شاهين

2025-03-05 01:35:17 PM
نقد
ناجح شاهين

يضج الإعلام الجمعي المكون من فضائيات غربية وعربية مشهورة، والاجتماعي من فيس واكس هذه الأيام بالكلام "الحكيم" حول كارثة "مغامرة" المقاومة في 7 تشرين، وما جرته على الشعب الفلسطيني من ويلات إنسانية وسياسية واقتصادية، بينما كان طريق الحكمة والموعظة الحسنة كفيلاً بالحصول على حقوقنا.

هل يعقل أن هؤلاء "العلماء" و"الخبراء" لا يدركون أن المشروع الصهيوني قد دخل منذ عقد أو أكثر في مرحلة تطبيق التطهير التام؟! لقد ردد أركان الحركة الصهيونية دائماً أن بن غوريون لم يكمل المهمة كما ينبغي. كما ردد أشخاص كثيرون من النخبة الحاكمة في خطها الرئيس أمثال داني دانون وبنيامين نتانياهو على امتداد العقدين الأخيرين أن الفلسطينيين قد خسروا الحرب، وأن عليهم أن يستسلموا دون قيد أو شرط، وأن يرضوا من الغنيمة بالسلامة الشخصية لا غير، وأن يتركوا أرض "الميعاد" لأصحابها الحقيقيين، ويبحثوا لأنفسهم عن وطن بديل في الأردن أو العراق أو مصر أو السعودية أو جهنم الحمراء، لا يهم، لأن المطلوب هو اختفاء الفلسطينيين من إيرتس يسرائيل التي تعد وطناً حصرياً لليهود.

فكيف كان على المقاومة أن تواجه ذلك؟

أولاً: كان بإمكان المقاومة بيسر وسهولة أن تعيش ومعها جماهير غزة في بحبوحة ورغد شريطة أن تترك إسرائيل تبتلع ما تبقى من الضفة. ذلك أن إسرائيل لم تطمع يوماً في قطاع غزة، بل إنها على امتداد العقدين الأخيرين بذلت جهوداً لا يستهان بها لإقناع الرئيس المصري ببيع جزء من سيناء ليتم ضمه إلى دولة غزة بما يسمح بتشكيل دولة فلسطينية مستقلة ترضي تطلعات الشعب الفلسطيني لأن يكون له كيان سياسي معترف به. ولكن مقاومة غزة رفضت العرض السخي، ونفذت مغامرتها الشجاعة الأسطورية من أجل حماية الضفة والقدس. وقد كان بإمكانها دون شك بناء "دولتها" الفلسطينية المزدهرة في قطاع غزة، وإراحة نفسها من القهر والدمار والمعاناة والاعتقال والاستشهاد الذي جرته على أهل غزة ومقاتليها وقياداتها.

ثانياً: كان الرجل الذي قاد "الهجوم" السياسي الفلسطيني بغرض الحصول على الضفة وغزة هو الراحل ياسر عرفات، فوقع اتفاقية "أوسلو" سيئة الصيت حالماً أن تنتهي بإقامة الدولة الفلسطينية على حدود العام 67 . ولكن الرجل أدرك بعد سنوات ست لا أكثر أن إسرائيل تلاعبت به بغرض تصفية النضال الفلسطيني، ثم الاستيلاء على الأرض كلها، فقاد بنفسه الانتفاضة الثانية التي أدت إلى تسميمه. وفي ذلك السياق روج الإعلام الغربي وبعض العربي أن عرفات كان مسؤولاً عن إعاقة التسوية السلمية.

ثالثاً: جاء تيار "السلام" الفلسطيني بعد رحيل عرفات، وقدم كل ما يمكن وما لا يمكن تقديمه لإرضاء إسرائيل على امتداد عشرين سنة أو يزيد. ونذكر من رموز هذه الحقبة رئيس الوزراء سلام فياض الذي ظن أن بناء مؤسسات الدولة سيقود حتماً إلى وجودها في العام 2011. وقد اتضح بعد 14 عاماً من ذلك الحلم/الوهم أن إسرائيل وسعت الاستيطان، وزادت زخم الحركة باتجاه ضم الضفة، وربما أراض عربية أخرى.

رابعاً: نصل إلى السؤال الجوهري: هل يقود ميل العرب والفلسطينيين إلى مسالمة إسرائيل والتطبيع معها إلى استقلال الضفة أو الجولان أو جبل الشيخ ...الخ أم أن إشارات الضعف ستفتح شهية الحركة الصهيونية إلى التفكير في ضم بعض الأراضي الأردنية والمزيد من الأراضي السورية وربما العراقية واللبنانية؟ إن من يعرف بدهيات السياسة المقارنة يدرك بدون لبس أن أية قيادة "عاقلة ووطنية" في إسرائيل ستستغل حالة التردي العربي من أجل التوسع الجغرافي والسياسي والاقتصادي، ولا لوم عليها ولا تثريب إن فعلت ذلك لانسجامه مع "طبائع العمران" بحسب ابن خلدون، أو قوانين السياسة المقارنة بحسب مورغنذاو أو الاقتصاد السياسي بحسب ماركس.

خلاصة: من يرددون أن مغامرة حماس كانت خاطئة يجهلون قواعد السياسة في أحسن أحوالهم، وقد يكون لهم فيما يهرفون مآرب أخرى. وإذا كانت عملية السابع من تشرين قد فشلت، فهذا يعني أنها لم تنجح في تحقيق الردع الذي هدفت إليه من أجل لجم الأطماع الصهيونية في الاستيلاء على ما تبقى من فلسطين. ولكن البديل عن المقاومة لن يحقق ما فشلت المقاومة في تحقيقه، وإنما سيقود إلى كارثة انتقال القيادة الصهيونية إلى مشروع إسرائيل الكبرى الذي يتجاوز فلسطين إلى المحيط العربي، ويبدو أن انهيار الدولة السورية وتحجيم المقاومة اللبنانية يوفران الفرصة التاريخية النموذجية لتسريع السير في اتجاه حلم "من النيل إلى الفرات".