منذ اللحظة الأولى للاتفاق، تنفّس الناس الصعداء، ظنًّا منهم أن ليل الحرب سينجلي، وأن المعابر ستُفتح لتنهي فصلًا طويلًا من الحصار والجوع والوجع، لكن سرعان ما تبددت الأحلام، وعادت المفاوضات إلى نقطة التعثر، وعادت الطائرات والمدافع لتُذكّر أهل غزة أن الهدوء بالنسبة لهم مجرد سراب.
إسرائيل لا تريد إنهاء الحرب، ولا ترغب في الرحيل عن أرضٍ اغتصبتها بالنار والحديد، بل تتلاعب بالمفاوضات كما يتلاعب الجلاد بضحيته، تَعِدُ ولا تفي، تعطي باليمنى وتأخذ باليسرى، أصواتٌ من حكومتها تطالب بتثبيت الاحتلال، وإحياء خططٍ خبيثة تزيد الخناق على الفلسطيني الذي لا يملك سوى صبره ودعائه.
كيف يمكن أن يعبّر أحدٌ عن وجع الفلسطيني؟ هل تكفي الكلمات لوصف أمٍّ فقدت أبناءها؟ أو أبٍ عاد إلى بيته ليجده كومة رماد؟ هل تواسي العبارات طفلًا يبحث في الركام عن لعبته، أو شيخًا يتكئ على ذكريات وطنٍ بات حلمًا بعيد المنال؟
غزة تُقاوم وحدها، تُواجه الظلم وحدها، تسير بين الركام، رغم أن الكل من حولها قد خذلها.
غزة لا تعوّل على اتفاقاتٍ تُكتب بمداد المكر، ولا تنتظر رحمةً من قاتلٍ اعتاد أن يلتهم الأرض ويحرق الأمل.
في زمنٍ تمزّقت فيه المواقف، وضاعت فيه الكلمة الواحدة، يبقى الفلسطيني وحيدًا في مواجهة المصير، يبحث عن سندٍ فلا يجده، وعن صوتٍ يجمع شتات الوطن فلا يسمعه، في الوقت الذي يحتاج فيه الناس إلى استراحةٍ من الألم، إلى لحظةٍ من الطمأنينة تليق بصبرهم، يجدون أنفسهم بين مطرقة الاحتلال وسندان الفرقة.
أليس من حق هذا الشعب المنهك أن يجد قيادةً تحمل همومه، وترعى شؤونه، وتحفظ له كرامته؟ أليس من حقه أن يرى وحدةً تُعيد إليه الأمل، بدل أن تتسع الفجوة وتزداد المعاناة؟
غزة تنزف، والضفة تصرخ، والمخيمات تُحاصر، والقدس تستغيث... فمن يُلبي النداء؟ متى يستفيق الجميع ليدركوا أن قوتنا في وحدتنا، وأن التاريخ لن يرحم من خذلوا شعبهم وتركوه يواجه العاصفة وحده؟