في جلسة عقدها أمان لنقاش تقرير حول تحديات جباية ضريبة الأملاك ومستوى الحوكمة فيها
إجماع على أهمية تمكين الهيئات المحلية لتتولى زمام إدارة الأزمات في كل منطقة
الحدث الفلسطيني
بحضور ممثلين عن وزارة المالية الفلسطينية، وآخرين عن مؤسسات رسمية، وعدد من البلديات والهيئات المحلية، واتحاد الهيئات المحلية ومؤسسات المجتمع المدني؛ عقد الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان) جلسة نقاش تقرير (تحديات جباية ضريبة الأملاك ومستوى الحوكمة فيها).
استهلت الجلسة بكلمة من عصام حج حسين، المدير التنفيذي لائتلاف أمان، والذي وضح الهدف من التقرير الذي يرمي إلى دراسة واستقصاء واقع جباية ضريبة الأملاك في الضفة الغربية، والتحديات التي تواجه كل من وزارة المالية والهيئات المحلية في جبايتها ومستوى الحوكمة في إدارتها، مع الخروج بتوصيات عملية من أجل تعزيز مستوى الحوكمة في إدارتها، ومعالجة التحديات القائمة، وتعزيز إيرادات الهيئات المحلية. وقد نوّه حج حسين إلى أنه ومن خلال التجارب المحلية والدولية، فإن تبني النهج اللامركزي في إدارة الأزمات والكوارث نتيجة اعتداءات الاحتلال الاسرائيلي هو النهج الأكثر فاعلية في الاستجابة العاجلة لاحتياجات المواطنين، بعد أن أثبت نهج المركزية فشله في العديد من الحالات التي واجهت فلسطين خلال الأعوام السابقة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الهيئات المحلية هي الأقدر على إدارة الأزمات وإدارة العمليات الإغاثية بالتعاون مع المجتمعات المحلية في كل منطقة تتعرض لاعتداءات الاحتلال الاسرائيلي.
واستعرض التقرير الباحث مؤيد عفانة، والذي بيّن أهمية ضريبة الأملاك، حيث تعتبر من الضرائب المباشرة، المرتبطة بالثروة، والتي تتميز بشكل خاص كونها تعتبر أكثر عدالة من الضرائب غير المباشرة، إذ تتمتع بعدم إمكانية نقل عبئها الضريبي من المكلف إلى أي شخص آخر، علاوة على أنها تستهدف "رأس المال"، من خلال أصحاب العقارات وليس الطبقات الفقيرة والمهمشة. وأكمل عفانة أن تطبيق جباية ضريبة الأملاك يفيد من الناحية التقنية، كونها تسمح بالحصول على بيانات وإحصائيات عن ثروات الأشخاص وممتلكاتهم لمراجعة قرارات المكلفين المقدمة بالنسبة لضرائب الدخل والضرائب الأخرى، فهي تعمل كأداة للرقابة تساعد الإدارة الضريبية في عملية مكافحة التهرب الضريبي، كما أنها تعتبر مورداً هاماً للهيئات المحلية لاستخدامه في تحقيق الأهداف التنموية.
قِدَم التشريع الناظم لضريبة الأملاك وعدم تحقيقه للعدالة الضريبية والاجتماعية
لخص التقرير إلى مجموعة من النتائج أهمها، قِدَم الإطار التشريعي الناظم لضريبة الأملاك (منذ العام 1954) كونه غير متناغم والعصر الحالي، كما أن سياقات القانون والمواد ذات الصلة المرتبطة به لا تتلاءم والواقع الحالي. وقد أشار التقرير أن أحكام قانون ضريبة الأملاك النافذ لا يتضمن جباية الضريبة في المجالس القروية، وإنما في مناطق نفوذ البلديات، ما يعد مخالفاً للحوكمة كونه لا يحقق العدالة الضريبية والاجتماعية، كما أن مستوى الحوكمة في آليات التخمين يشوبها خلل، بسبب عدم وجود معايير موحدة وواضحة تحتكم لها عملية التخمين برمّتها، سواء وجود مرجعية قانونية أو دليل إرشادي له. والجدير ذكره أن آليات التخمين تعتمد على القيمة الإيجارية، وتقادم عمليات التخمين، وضعف الأحكام القانونية ذات الصلة، إضافة إلى ضرورة تأهيل فرق التخمين معرفياً ومهاراتياً، وضرورة توظيف مخرجات التكنولوجيا في عمليات التخمين.
وعرّج التقرير أيضا على إشكاليات وتحديات تتعلق بتحديد نسب لوزارة المالية والهيئات المحلية دون تعديل قانوني حسب الأصول لقانون ضريبة الأملاك والأراضي القائم، خاصة مع عدم وجود نص قانوني ناظم ومحدد لتلك النسبة، ذاكراً تعديل مجلس الوزراء للنسبة دون تفسير أو تبرير، الأمر الذي يؤثر سلباً على مستوى الحوكمة والالتزام بالتشريعات. وقد تبيّن من خلال تحليل بيانات جباية ضريبة الأملاك خلال السنوات 2019-2024، أن مستويات الجباية منخفضة، وهناك تراكم لمديونية المكلفين.
والحريّ ذكره أن هناك إشكالية في تحويل مستحقات الهيئات المحلية من ضريبة الأملاك المجباة مركزياً، فمن جهة يتم خصم تلك الإيرادات ضمن التقاص مع الهيئات المحلية التي عليها ديون لصالح الحكومة، ومن جهة أخرى تتراكم ديون للهيئات المحلية في ذمة وزارة المالية ممن لا توجد عليها ديون لصالح الحكومة، ما يؤثر على قدرة الهيئات المحلية في تنفيذ مشاريعها التنموية والخدماتية للمواطنين.
إقرار تشريع جديد يعد بنهج تشاركي لتنظيم ضريبة الأملاك
وقد خرج التقرير بمجموعة من التوصيات على رأسها، ضرورة إقرار تشريع جديج يَنظُم ضريبة الأملاك، يعد بنهج تشاركي ما بين الحكومة واتحاد الهيئات المحلية، والهيئات المحلية على اختلاف تصنيفاتها، ومؤسسات المجتمع المدني ذات الصلة، والخبراء والأكاديميين، بحيث يتم العمل على إحالة صلاحية جباية ضريبة الأملاك الى كافة الهيئات المحلية بعد إجراء تسويات معها، وتعزيز نظم الحوكمة فيها. كذلك اعتماد مبدأ التدرجية "التصاعدية" في ضريبة الأملاك، بحيث تتصاعد نسبة ضريبة الأملاك كلما تصاعد الدخل المخمن(المقدر)، وتخفيض نسبتها على ذوي الدخل المحدود من خلال شرائح، من أجل انفاذ العدالة الاجتماعية في ضريبة الأملاك.
كما أوصى التقرير على ضرورة شمول ضريبة الأملاك لكافة الهيئات المحلية على اختلاف تصنيفاتها، إنفاذا للعدالة الاجتماعية والضريبية، مع تمييز إيجابي للمناطق المهمشة، ومراجعة آليات التخمين القائمة، من خلال دراسة متخصصة بمشاركة وزارة المالية والهيئات المحلية والجهات ذات الصلة.
إعداد نظام من مجلس الوزراء لآليات التخمين بمعايير واضحة
كما طالب التقرير بضرورة إعداد نظام من مجلس الوزراء لآليات التخمين، يشمل على معايير واضحة ومحددة، ولحين إقرار قانون خاص بضريبة الأملاك أو تعديل القانون الحالي، توجد ضرورة لتعزيز الحوكمة في جباية ضريبة الأملاك، من خلال تفعيل لجان التخمين، وتعزيز طرق الجباية، مع ضرورة معالجة وزارة المالية للديون المتراكمة لصالح الهيئات المحلية بدل جباية ضريبة الأملاك، كون الهيئات المحلية تعتمد على الإيرادات المذكورة في برامجها ومشاريعها التنموية، وخدماتها المقدمة للمواطنين. إضافة لذلك، أوصى التقرير أيضا بضرورة تخفيض النسبة المقتطعة لصالح الحكومة من إيرادات الهيئات المحلية التي تمت إحالة جباية ضريبة الأملاك لها، من أجل تعزيز موازنات الهيئات المحلية لتنفيذ برنامجها التنموية، وضرورة تعزيز الحوكمة في الهيئات المحلية، وتحقيق الاستثمار الأمثل لإيرادات ضريبة الأملاك في برامج ومشاريع تنموية، وتفعيل آليات الرقابة عليها.
تعقيبات متعددة
وفي تعقيبه، أشار عبد المؤمن عفانة، مدير الدعم الفني في اتحاد الهيئات المحلية، أن تجربة كورونا، وما يحصل الآن من تصعيد للعمليات العسكرية الاسرائيلية في المحافظات الشمالية، كذلك ما حصل ويحصل في المحافظات الجنوبية في قطاع غزة، أثبت نجاح النماذج اللامركزية في الاستجابة لمعاناة المواطنين في المناطق المختلفة، مطالبا بتبني النهج اللامركزي في إدارة العمليات ما بين الحكومة والهيئات المحلية/ البلديات. كما تطرق عفانة إلى ضرورة تفعيل التحويلات المالية بين الحكومة والبلديات بموجب العقد الاجتماعي المبرم بينهما، كون الأخيرة تقوم بالجباية لصالح الأولى، وعليه، فهي تقوم بتقديم خدمات للوزارة، منوهاً أن الاستمرار بذات النهج يهدد مستقبل الحكم المحلي في فلسطين. كما طالب عفانة بدوره الجهات الرقابية المنووط بها مراقبة العملية تغليظ العقوبات على البلديات إذا ما أخلّت في ذلك، وذلك لضمان ضبط الأدوار للمصلحة العامة الفضلى.
إضافة لذلك، تطرق عفانة ممتعضاً إلى النسبة التي تقتطعها الحكومة من ضريبة الأملاك باعتبارها حقاً كاملاً للهيئات المحلية، وأن عملية التخمين لا يجب أن تبقى بيد الحكومة، وإنما يجب أن تكون صلاحية خالصة للهيئات المحلية، كونها الأكثر معرفة بشأن المنطقة المزمع فيها عملية التخمين.
وقد أفاد منتصر رجب من بلدية كفر اللبد/ طولكرم أن المركزية تشكل عقبة أمام البلديات، والتي أثبتت عدم نجاعتها في المحافظات الشمالية، مؤكداً أن تبني النهج اللامركزي هو مطلب ضروري للبلديات، لكي تعطى الصلاحيات، وتقوم بواجبها حسب الأصول. إضافة لذلك، دعا رجب إلى ضرورة تمكين طواقم البلديات، وأتمتة المعلومات الخاصة بضريبة الأملاك، وأهمية تحديثها على الدوام، مؤكداً على أن صلاحية التخمين هي صلاحية الهيئة المحلية.
فيما أفاد محمد خليفة، مدير دراسات وتقييم مخاطر الفساد في هيئة مكافحة الفساد، أن قدم القانون يعتبر جزءاً من المشكلة وليس جلّها، مشيراً بدوره لمعضلة عملية التخمين (والذي يعتبر علم بحد ذاته)، والتي تتطلب تشكيل لجنة من ثلاثة أشخاص، مؤكداً أن عملية التخمين لها خبراؤها ومعاييرها المحلية والدولية، كما دعا بدوره إلى تعميم تجربة بلدية رام الله، حيث أشارت بيانات البلدية أن قيمة ضريبة الأملاك التي تمت جبايتها- بالرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة في العام 2024- تبلغ ما نسبه (96%) من المقدّر.
وختم د. عزمي الشعيبي، مستشار مجلس إدارة ائتلاف أمان لشؤون مكافحة الفساد، أن الواقع الفلسطيني الحالي، والسياسة الاسرائيلية التي تستهدف تدمير مقومات صمود السلطة الفلسطينية، يتطلب منا العمل بنهج جديد بعد عدم نجاحة النهج المركزي الذي أثبت فشله في التجارب الماضية، ما يتطلب تكاثف الجهود وتبني اللامركزية مع إعطاء دور أكبر للهيئات المحلية في إدارة حالات الطوارئ، مع ضرورة بناء قدرات الطواقم في البلديات والهيئات المحلية وضمان جاهزيتها لتسريع عملية الاستجابة للمواطنين.