الأحد  24 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

بيان الحيوية

حديث الثلاثاء

2014-02-04 00:00:00
بيان الحيوية
صورة ارشيفية

 د. محمود صبح- أستاذ الدراسات العربية والإسلامية في جامعة مدريد

هذا هو أول بيان أنشره أو أبثه هنا - في صحيفة الحدث للقارئ الفلسطيني العزيز- عن الحيوية في الشعر، التي بدأتها في اللغة الإسبانية وهأنذا أنقلها إلى العرب.

إن أول ما يتبادر إلى الذهن حين يقال الحيوية هي فلسفة الفيلسوف الفرنسي المعروف (برغسون) التي تدعى بالدفق الحيوي، وقد جاءت هذه الفلسفة رداً على الفلسفة الوضعية الإنجليزية التي اعتمدت الواقع المادي وحده ودعت إلى أن يتلاءم الإنسان ويتكيف مع الوضع في معناه الشيئي الموضوعي، ورداً، كذلك، على الفلسفة المثالية الألمانية التي قالت بإن الإنسان يستطيع أن يسمو على واقعه بأن يعيش أفكاره ومثله، ومن هنا فإن هذه الفلسفة هي اتجاه ما ورائي يؤدي إلى عزل الإنسان عن واقعه، ولذلك فقد رفضته الفلسفة الحيوية كما رفضت الاتجاه الوضعي الذي هو في التحليل النهائي مذهب نفعي رجعي وقالت بإن إرادة الإنسان في تدفقها الحيوي وتفاعلها الإيجابي مع واقع الحياة تستطيع أن تبدل هذا الواقع وتطوره.

ولقد طور الفيلسوف الإسباني (اورتيغا أي غاسيت) هذا المذهب ودعا إلى ما أسماه بالعقل الحيوي وقال بأن الحياة ليست هي الأشياء كما يقول المذهب الوضعي وليست هي الأفكار كما يقول المذهب المثالي بل ما يفعله الأنا العاقل في هذه الأشياء.

ولقد تبنيت هذا المذهب وطبقته على الشعر وعرفت الشعر بأنه التعبير الفني الجميل بالكلمة عن العلاقة الجدلية بين الواقع والذات أي بين العالم الخارجي والعالم الداخلي، أقول بالكلمة لأن هذا التعريف ينطبق على الفنون الأخرى فالرسم باللون والخطوط، والموسيقى بالنغمة، إلى غير ذلك، وقد عرفت الفن بأنه احتيال الانسان على الموت حبا بالخلود لكي يمكث الانسان إلى الأبد، فالإنسانية تخلد بالتناسل وبالفن بمعناه الشامل ومن هنا قدرة الانسان على التغلب على الفناء وانتصار الحياة على الموت،  وهذا هو مضمون المذهب الحيوي في الشعر إذ على الشاعر أن يتمثل التيارات الإيجابية البناءة في مسيرة الزمان في المكان ويدفع هذه الحركة في الصيرورة ويرهص لما هو آت ويعبر عن طاقات الطبيعة الانسانية المسيرة، لها في تفاعل جدلي متواصل، لذلك فإن الشعر يتخذ لولبين، ولا أقول محورين، يمضي عليهما وهما الديالكتيك الذي هو الصيرورة، والروحانية التي أدعوها بالصوفية بمعنى وحدة الوجود ووحدة الذات الانسانية المستمرة عبر قرون. أما المواضيع الشعرية فهي مواضيع الأنا الاجتماعية لا الأنا الأنانية المنغلقة على نفسها فللشعر وظيفة اجتماعية عليه أن يؤديها، ومن هنا الالتزام فليس هناك فن للفن ذاته بل هو التعبير عن صراع الانسان الاجتماعي ضد قوى الفناء لكي تنتصر القوى الحيوية في الطبيعة والانسان