السبت  23 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

العدد 42| رام الله هي المدينة الوحيدة التي لا يوجد فيها "تكية"

نسبة الفقر فيها تتجاوز الـ12%

2015-06-30 01:01:29 AM
العدد 42| رام الله هي المدينة الوحيدة التي لا يوجد فيها
صورة ارشيفية
 
را م الله - عبير إسماعيل
 
في شهر رمضان المبارك من كل عام، تنشغل المدن الفلسطينية الرئيسية في الضفة الغربية على تهيئة التكايا لتقدم وجبات فطور ساخنة للفقراء ولغير القادرين على توفير الطعام لعائلاتهم، بعض هذه التكايا دائمة على طوال السنة، وبعضها يعمل فقط في هذا الشهر الفضيل.
ومن أشهر هذه التكايا الموجودة في مدينة الخليل، ومن ثم نابلس، كذلك القدس وحتى بيت لحم، لكن بالنسبة لمدينة رام الله فهي لم تؤسس لنفسها ملجأ غذائياً لفقرائها، رغم ازدياد عدد أحيائها الفقيرة، وارتفاع الدعوات من قبل المواطنين بضرورة وجود تكية لها، الأمر الذي دفع بالعديد منهم لتشكيل مبادرات فردية لإيصال المساعدات لتلك العائلات.
 
نسبة فقر 29%
وبشكل عام، فإن فكرة إنشاء "تكية" لإطعام المحتاجين بدأت منذ مئات السنين في المناطق التي انتشر فيها الفقر، فكانت أولاها تكية الخليل ونابلس.
لكن الفقر لم ينتشر في هاتين المدينتين فحسب، بل امتد إلى كافة المناطق الفلسطينية، والتي مرت بظروف سياسية واقتصادية صعبة أدت إلى تفاقم نسبة الفقر والحاجة بين صفوف مواطنيها.
فحسب "أطلس الفقر"، والذي أصدره جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني في العام 2013، فإن نسبة الفقر في فلسطين كافة بلغت حوالي الـ27%، وتتركز هذه النسبة في كل من جنوب الضفة الغربية وقطاع غزة.
وفيما يتعلق بمدينة رام الله، فإن نسبة الفقر فيها هي حوالي 12%، ويشكل هؤلاء ما نسبته 29% من الفقر في فلسطين بشكل عام، وهي نسبة ليست بقليلة، رغم أن بعض الخبراء يقولون إنها الأقل فلسطينياً بسبب تركز المؤسسات الحكومية والدولية في هذه المدينة.
إلا أن ذلك لا يعنى أن لا فقراء فيها، فهي تضم أفقر الأحياء على الإطلاق، مثل حي كفر عقب المتاخم للقدس، كذلك حي أم الشرايط الذي يعج بأصحاب الدخل المحدود جداً، وبلدة بيتونيا المكتظة، إضافة للمخيمات مثل مخيم قلنديا والجلزون والأمعري.
 
هل نحن بحاجة لتكية؟
وخلال إعدادنا لهذا التقرير، جبنا عدداً من المناطق في المدينة مع بداية شهر الصوم، وسألنا عدداً من المواطنين في الشارع حول ضرورة وجود "تكية" خاصة بمدينة رام الله، وكانت معظم الإجابات تؤيد ذلك، بل وتستغرب في الوقت نفسه عدم وجودها في المدينة.
فالمواطن محمد الخطيب، وهو موظف بإحدى الوزارات، يقول إنه لم يخطر بباله يوماً أن تنطلق الدعوات لتأسيس التكية، والتي، حسب وصفه، ضرورية جداً قائلاً: "أذكر قبل خمس سنوات، كان لدي جار لديه ثلاثة أطفال وهو عاطل عن العمل، كان دائماً يبحث عن مصدر لتأمين غذاء عائلته، حتى أننا بالحي أصبحنا نجمع له صدقة بشكل شهري، ولو كان لدينا "تكية" أو مشروع غذائي خيري لما اضطر لفتح يديه للسؤال".
من جهتها، تحمست المواطنة سعاد عليان، وهي ربة أسرة، لفكرة تأسيس "تكية" لمدينتها، بل ودعت إلى ضرورة مطالبة المؤسسات الحكومية بالعمل على ذلك قائلةً: "أين هي وزارة الشؤون الاجتماعية، الأوقاف، وأين المسؤولين عن الموضوع؟ كل من يزور رام الله يظن أن أهلها من أغنى سكان الوطن العربي، لكن أدعوا الجميع إلى النظر جيداً للمناطق المخبأة والتي يقطنها فقراء لا يجدون الخبز لأطفالهم".
 ولأن مثل هذه المشاريع التي تنتظر دعماً حكومياً قد تأخذ وقتاً طويلاً، فقد عمل عدد من المواطنين على إطلاق عدة مشاريع خيرية صغيرة تهدف إلى تقديم الوجبات والطرود الغذائية للفقراء، لكنها مشاريع بحاجة لدعم مالي دائم وملتزم من قبل المؤسسة الحكومية وحتى الخاصة.
 
تكية قلنديا لخدمة 300 شخص فقط
من هذه المبادرات، تكية قلنديا، والتي يقوم عليها طبيب أسنان وأثنان آخران منذ 4 سنوات، والتي تقدم وجبات غذائية خلال رمضان فقط، بكلفة يومية تبلغ 5500 شيقل.
فيقول د. راضي يعقوب، وهو أحد مؤسسي هذه التكية، إن الفكرة جاءته مع اثنين من أصدقائه لتقديم الغذاء لأهل مخيمهم خلال الشهر الفضيل، وذلك بعد أن لاحظوا ازدياد نسبة الفقر فيه.
وعن هذه التجربة يقول يعقوب في حديث مع الـ"حدث": "تجربة إنشاء تكية وتوزيع الطعام ليست بالأمر السهل، فيجب أن تكون جاهزاً مالياً أولاً، ولوجستياً أيضاً، وأن تحظى بدعم مالي من أهل الخير والمتطوعين".
وحول حجم المساعدة التي تقدمها هذه التكية يقول يعقوب: "نعمل على إيصال الطعام إلى 300 شخص فقط، أي 300 وجبة، وهو ما نقوم به حالياً. العدد قليل لكن هذا ما نستطيع فعله بإمكانياتنا الحالية".
وعن ضرورة وجود تكية في المدينة يقول د. راضي: "قد يبدو الأمر ليس مهماً لمن يشاهد مدينة رام الله من الخارج، فيظن أنها مدينة غنية لا فقراء فيها، لكن الأمر بالعكس تماماً، نحن بحاجة إلى تكية دائمة طوال العام تقدم الطعام للمحتاجين، فمن تجربتنا في مخيم قلنديا وجدنا أن هناك عشرات العائلات من خارج المخيم والقريبة منا تطلب المساعدة، وهو ما نحاول فعله هذه السنة حيث بدأنا نوزع لعدد من أطراف حي كفر عقب القريب منا".
وحول نسبة الفقر في المخيم وحده، يشير راضي يعقوب، إلى أنهم سجلوا وجود 60 عائلة محتاجة حتى الآن، وأنهم يقومون بتوزيع الوجبات على منازلهم قبل موعد الإفطار بنصف ساعة.
 
تمويل من أصحاب الخير
وبشكل عام فإن مهمة الحكومة الفلسطينية ممثلة بوزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة الأوقاف بتمويل جزء لصالح هذه التكايا، أو حتى المساعدة في إنشائها والدعوة لتمويلها، لكن ما يحصل بالعادة هو أن عدداً من أصحاب الخير والبنوك والمؤسسات الخاصة تحمل الجزء الأكبر مالياً لهذه التكايا.
وهنا يقول يعقوب: "نحن لا نجبر أحداً على أن يقوم بالمساعدة حتى لو حكومية، فهذا واجب خيري ووطني يسعى لإطعام فقراء، فعلى سبيل المثال قام الأمن الوطني بالتبرع بالمواد الغذائية الخام كالأرز مثلاً، عدة مرات، كذلك الاستخبارات، إضافة لأصحاب الخير بشكل عام".
 
130 ألف شيكل شهرياً ولا يكفي
لكن في الوقت نفسه يشكو القائمون على تكية قلنديا، أنهم وفي نهاية شهر رمضان لا يجدون الكثير لتقديمه للمحتاجين، ويضيف يعقوب على ذلك بالقول: "تكلفنا التكية خلال هذا الشهر 130 ألف شيكل، وفي نهاية الشهر نضطر في كثير من الأحيان إلى أن نحضر وجبات الفطور من أموالنا الخاصة".
لكنه يشير في الوقت نفسه إلى أن هذه التكية وغيرها من التكايا بالإمكان تشغيلها من بواقي الطعام الفائض في المطاعم والعزائم قائلاً: "على سبيل المثال، أبلغني أحد عمال بلدية القدس بأنه وبعد يوم فطور خيري في ساحات المسجد الأقصى، تم إلقاء حوالي 24 طن من الطعام في سلة المهملات، وهذه الكمية تطعم عشرات العائلات". 
 
الأوقاف: تكية لرام الله في رمضان المقبل
من جانبه، أكد مدير أوقاف رام الله والبيرة، د. حسن الهلالي، أن هناك مشروع إنشاء تكية خاصة بمدينة رام الله، لكنهم حريصون في هذه المرحلة على عدم نشر تفاصيلها إلا بعد الانتهاء من الاتفاق مع أهل الخير وغيرهم من المغتبرين القادرين على تمويلها.
وحول دور الأوقاف في توفير الطعام الدائم لمواطني كل مدينة يقول الهلالي في حديث للـ"حدث": "بشكل عام تتفاوت نسبة الفقر والغنى من منطقة إلى أخرى، لكن كل مدينة فيها نسبة لا بأس بها من الفقراء، وواجب إطعامهم هو واجب وطني، لكن الأوقاف ليست هي المسؤولة الأولى عن إطعامهم مادياً، بل هي تعمل على توفير المصروف المالي لها وتشغيله وتوزيع الطعام على المحتاجين".
ويؤكد د. الهلالي في الوقت نفسه، أن التكايا ليست ظاهرة اجتماعية، بل جاءت بسبب حاجة اقتصادية وأصبحت سمة كل مدينة مثل الخليل ونابلس، ويضيف: "وأنا برأيي يجب أن تكون هناك تكية في كل منطقة بفلسطين، فنحن لا نعلم من هم بحاجة لطعام أو لا في كل منطقة ومدينة".
 
بنك الطعام، بنك فقير لا يطعم سوى المئات في رام الله
هناك محاولة أخرى لإنشاء تكية دائمة في مدينة رام الله، وهي فتح فرع لبنك بنك الطعام فيها منذ ثلاث سنوات، إلا أن هذا البنك فقير في موارده المالية والغذائية، وينتظر كل عام حلول شهر رمضان حتى يبدأ أصحاب الخير بتمويله والمطاعم بتزويده ببواقي ولائمها الرمضانية.
فمن جابنها، تقول صاحبة فكرة بنك الطعام، السيدة سهير طارق زكي أبو يوسف، إنه مضى الأسبوع الأول من رمضان ولم تستقبل حتى الآن أية مساعدة مالية أو حتى فائضاً من المطاعم التي وعدتها بتزويدها بطعام جاهز.
إضافة لذلك، فإن نشاط هذا البنك أيضاً محدود، فهو لا يوزع الطعام كافة أيام الأسبوع، فقط يومان أو ثلاثة، إن توفر الطعام، إضافة إلى تركيزه على المناطق الأبعد من مدينة رام الله، وكذلك غزة.
وتقول السيدة سهير، إن نسبة الفقر في رام الله عالية جداً مقارنة بالمدن الأخرى من حيث عدد السكان والمؤسسات العاملة فيها، مضيفةً في حديث مع الـ"حدث": "من يتجول في أحيائها ومناطقها يرى بكل سهولة أن هناك عشرات الآلاف من العائلات تحت خط الفقر، ومن هنا جاءت فكرة تأسيس بنك الطعام، والتي أحاول من خلاله توفير الطعام للأسر المحتاجة في شهر رمضان على الأقل".
 
نحتاج إلى تمويل وإلى وفاء الحكومة بوعود لنا
من أهم المشاكل التي قد تهدد استمرارية هذا البنك، هي نقص التمويل والمساعدات المالية المقدمة له، فتشير السيدة زكي إلى أن هناك وعوداً من وزارة الشؤون الاجتماعية، والأوقاف أيضاً بالمساعدة لكن أيّاً من هذه الوعود لم يتم.
وتضيف: "نحن بحاجة إلى تمويل دائم من هذه الوزارات، فنحن نعتمد حالياً على بعض أصحاب الخير ورجال الأعمال، كذلك جزء صغير من تمويلنا يأتي من الشبكة العالمية لبنوك الطعام كوننا عضواً فيه، إلا أن ذلك لا يغني عن ضرورة وجود مساعدة حكومية لنا".
وتشير سهير أبو يوسف، إلى أنها اضطرت إلى أن تنقل مقر البنك إلى مقر أقل كلفة في الإيجار، كما أن المكان الحالي للبنك بسيط جداً وذلك في محاولة لتوفير أكبر قدر ممكن من المال لصالح توفير الغذاء للفقراء.
 
المستفيدون في تناقص
وبشكل عام يصل عدد المستفيدين من بنك الطعام ما بين 2000 إلى 3000 شخص، لكن ومع ظروفه المالية الحالية، استعاضت مؤسسته عن فكرة توزيع وجبات إلى توزيع طرود غذائية للمحتاجين في رام الله وكافة المناطق في الضفة، وتقول: "هذه الطرود تحل محل الوجبات الغذائية الجاهزة، والتي ركزنا فيها، في الفترة الأخيرة على قطاع غزة، كما أن توزيع هذه الطرود يتم بالتعاون مع اتحاد لجان العمل الفلسطيني".
وتأمل السيدة أبو يوسف أن تلقى مبادرتها الدعم الكافي للتحول لتكية دائمة أو بنك طعام مفتوح 24 ساعة.
 
مبادرات مبعثرة ينقصها التوحيد
وفي الرد على تقصير وزارة الشؤون الاجتماعية في دعم بنك الطعام، يقول الأستاذ خالد البرغوثي، مدير الإدارة العامة لمكافحة الفقر في وزارة الشؤون الاجتماعية، إنه ليس لديه فكرة عن حاجة هذا البنك، ولم تصله أي دعوات للمساعدة، قائلاً في حديث مع الـ"حدث" : "ربما تم الطلب من جهة أو شخص غيري في الوزارة ولم أعلم بها، وبالتأكيد لو وصلني ذلك لتابعت الموضوع، فالأمر بالنسبة لي كمسؤول هذه الوحدة وكمواطن، بحاجة لمتابعة وغير قابل للإهمال".
هذا ويبدو أن هناك أكثر من جهد يسعى لإنشاء تكية في مدينة رام الله، كالتي اقترحها مدير أوقاف رام الله والبيرة في بداية التقرير، فيشير السيد البرغوثي إلى أنه كان في نقاش حول هذا الموضوع مع عدد من الصحفيين والمتطوعين قبل أيام، والتي تمحور حول ضرورة تجميع كل هذه النشاطات والحملات التي تسعى لإطعام ومساعدة المحتاجين في مكان واحد، وهو تكية خاصة بالمدينة.
ويضيف: "قد يكون غيرنا يفكر بالموضوع ولا ضرر بذلك، لكننا سنستمر في فكرتها، حيث بدأنا بالبحث عن مقر لهذه التكية، والتواصل مع جميع القائمين على الحملات المتفرقة لصب جهودهم في مكان واحد".
 
القطاع الأهلى أولى بهذه الحملات
على صعيد آخر، يرى مدير الإدارة العامة لمكافحة الفقر، أن دعم إنشاء "تكية"، سيكون أنجح إذا جاء من القطاع الأهلى قائلاً: "باستطاعة الوزارة أن تقوم بدور تكميلي لإنشاء هذه التكية، لكن أنا أشجع القطاع الأهلي ليقوم بهذه المبادرة، كونه هناك بالعادة حاجز بين المواطن وأي مؤسسة حكومية، فنرى مثلاً تكية نابلس والقائم عليها أهل الخير يقبل عليها الآلاف، بينما النشاطات التي تقوم بها وزارة الشؤون الاجتماعية لا يقبل عليها الكثير".
 
دعوات لحملات طوال العام
ورغم غلبة صفة الفرادية على حملات مساعدة الفقراء والتي قد تحتاج لعدة سنوات لتصبح حملة واحدة تحت مسمى "تكية"، إلا أن ذلك لا يعني أنها غير فعالة، بل على العكس، فالفقير لا ينتظر سوى وجبة ساخنة له ولأطفاله، ناهيك عن حاجته أيضاً إلى وجود هذه الحملات طوال العام، لحين مأسسة تكية حقيقية تقدم يومياً مئات الوجبات للمحتاجين.