ماهر الطبّاع: المنطقة الصناعية ستعمل على تحفييز القطاع الصناعي.. ولكن العقبات كثيرة
غزة- محاسن أُصرف
يكاد المواطن محمد سالم، من منطقة الشوكة بمدينة رفح جنوب قطاع غزة، يعد الأيام والأسابيع بانتظار البدء بتنفيذ مشروع المنطقة الصناعية التي أقرته البلدية في محافظته وتُمول الحكومة الكويتية جزءاً منه، مُنتظراً أن يعود المشروع بالنفع الوفير عليه، ويُمكنه من أن يحظى بفرصة عمل يُحقق بها دخلاً يُلبي به احتياجات أسرته، ويقول لـ"الحدث": "المشروع من شأنه أن يُحقق التنمية الاقتصادية وأن يُحسن الوضع الاقتصادي في القطاع بشكل عام وليس في محافظة رفح فقط"، وأضاف أن ذلك يتطلب تحسين المنتجات لتتمكن من المنافسة وتنتصر للمنتج المحلي.
وكان محمد يعمل في محل للأحذية داخل المركز التجاري الذي دمرته قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال الحرب الأخيرة على غزة، وبيَّن أن مئات العمال مثله فقدوا عملهم ومصدر رزقهم، ويُعلقون آمالاً كبيرة على إنشاء المنطقة الصناعية لتوفير فرص عمل لهم.
وخلال الأشهر القليلة القادمة ستكون محافظة رفح، جنوب قطاع غزة على موعدٍ مع المشروع المنتظر للنهضة بالصناعة والاقتصاد في المحافظة والقطاع بشكٍل عام، خاصة وأنها ستفتح باباً أُغلق على مرَّ سنوات الحصار للاستثمار وتوفير فرص عمل أمام آلاف الشُبان المتعطلين عن العمل.
وحسب بعض أهالي المنطقة، فإنهم ينتظرون بشغف البدء بإنشاء المنطقة الصناعية بعد الحصول على التراخيص والموافقات اللازمة من وزارة الحكم المحلي، وقال هؤلاء لـ"الحدث" إنهم يتطلعون لأن تُحقق لهم المنطقة الصناعية فرص عمل ودخل يُمكنهم معها القفز من حافة الفقر وتلبية حاجاتهم المعيشية التي عجزوا عن توفيرها خلال سنوات الحصار التسع الماضية.
وفي حديث الأرقام، فقد سجل معدل البطالة لدى الشباب الفلسطيني خلال العام 2014 حوالي (27%) بواقع (338) ألف عامل مُتعطل عن العمل تقريباً جُلهم في قطاع غزة بواقع (250) ألف عامل مُتعطل منهم عمال قرابة (150) مصنعاً دُمرت خلال الحرب الأخيرة على القطاع، والتي استمرت (51) يوماً.
التنفيذ قريباً
ويتوقع صبحي أبو رضوان، رئيس بلدية رفح أن يتم البدء بإنشاء المنطقة الصناعية التي مولتها الحكومة الكويتية بـ(2) مليون دولار للبنية التحتية كالطرق والكهرباء والمياه والصرف الصحي، خلال الشهر القادم وقال في تصريح خاص بـ"الحدث": "إن البلدية بالتعاون مع وزارة الحكم المحلي أعدت التقارير وباشرت بالإجراءات الفنية والاستراتيجية لتنفيذ المشروع" مؤكداً أنه سيوفر مكاناً مميزاً لأصحاب الصناعات والحرف المختلفة، بالإضافة إلى خلق مناخ استثماري لجذب استثمارات تعمل على تشغيل أيدي عاملة بما يُخفف المعاناة الاقتصادية التي يُعانيها أهالي رفح والقطاع بشكل عام، وبيَّن أن البلدية بالتعاون مع وزارة الحكم المحلي ستُقدم العديد من التسهيلات لأصحاب الورش الصناعية في مركز المدينة من أجل نقلها إلى المنطقة الصناعية في إطار البعد بها عن الضوضاء والحفاظ على البيئة، وفق قوله.
فوائد عديدة
إلى ذلك يُشير رضوان إلى أن إقامة المنطقة الصناعية في رفح ليس بدعاً جديداً وإنما إحياءً للمجمع التجاري وسط مدينة رفح والذي تم تدميره بشكلٍ كلي خلال الحرب الأخيرة على غزة، وكبّد أصحاب المحال والورش فيه خسائر طائلة قُدرت بـ (10ملايين دولار)، وتابع: "أن المنحة الكويتية والمُقدربة بـ 2 مليون دولار لإنشاء المنطقة الصناعية في رفح جاءت في إطار مشاريع إعادة الإعمار التي انبثقت عن مؤتمر القاهرة العام الماضي، وكشف رضوان أن مساحة الأرض التي ستُقام عليها المنطقة الصناعية تبلغ قرابة 3 دونمات، في الجهة الغربية من المحافظة وستكون خاصة بأصحاب الحرف والورش الفنية، مشيراً إلى أن تلك الأرض تحتاج إلى تسوية، وبنية تحتية، مياه، طرق، كهرباء، صرف صحي، لتكون ضمن المواصفات الحديثة للمناطق الصناعية في الخارج.
وفيما يتعلق بالجوانب الإيجابية التي يُمكن أن يجنيها اقتصاد المحافظة من المنطقة الصناعية أكد رئيس البلدية رضوان أنها ستُخفف من حدة الضوضاء التي يُعانيها السكان في المحافظة نتيجة انتشار الورش في مركزها، كما ستُحقق إنعاشاً لحالة العمال الاقتصادية عبر توفير آلاف فرص العمل وعشرات المشاريع الاستثمارية التي يُمكنها ربط المدينة الصناعية بالخارج وفتح علاقات تجارية في التصدير للمنتجات المحلية المنافسة للمنتجات العالمية، وقال لـ"الحدث": "إن دوائر البلدية المعنية تعكف على إعداد المُخططات والدراسات من أجل إقامة المشروع الذي طالما البلدية طالبت به لصالح المحافظة نظراً لأهميته في تنشيط الاقتصاد وفتح مجالات عمل أمام المتعطلين من الحرفيين والمهنيين".
يُذكر أن مبلغ المنحة الكويتية المُقدر بـ (2) مليون دولار، تم الموافقة عليه لكنه لم يصل بعد، حسبما أفاد رضوان، لافتاً إلى أن عملية وصوله ستكون ضمن أموال الإعمار التي تم التبرع بها خلال مؤتمر الإعمار بالقاهرة، وفي ذات الوقت أن المنحة الكويتية لا تُغطي إلا ثُلث تكلفة المنطقة الصناعية والتي تُقدر بـ 6 ملايين دولار ليتم تجهيزها وتقسيمها وفقاً لأنواع الصناعات والحرف التي ستضمها.
ركيزة اقتصادية
ويرى خبراء اقتصاديون، أن إنشاء المنطقة الصناعية بمثابة ركيزة اقتصادية من شأنها أن تعمل على تنشيط الحركة الاقتصادية إذا ما توافرت فيها المعايير اللازمة من حيث المساحة والمكان وجغرافيته ونوعية النشاط الصناعي، ويقول الخبير الاقتصادي ماهر الطبّاع: "المناطق الصناعية تعمل على تحفييز وتنمية القطاع الصناعي وتخلق آلاف فرص العمل إذا تم التخطيط لها وفق المعايير المهنية والتجارية"، وتابع أن المُميزات التي تُمنح للصُناع والعاملين في تلك المناطق تجعلهم أكثر إصراراً على الاستمرار بمشاريعهم وتطويرها كونها تُحقق لهم أرباحاً جيدة بإمكانيات مادية قليلة بسبب الإعفاءات والتسهيلات التي تُقدم لهم من قبل الجهات الرسمية للبدء بمشاريعهم لتشغيل المنطقة الصناعية، داعياً إلى الإسراع في رفد قطاع غزة بالمناطق الصناعية خاصة بعد تدمير مئات المصانع خلال الحروب الثلاثة على قطاع غزة خلال العقد الماضي.
تحديات
وعلى الرغم من تأييد الخبير الاقتصادي، الطبّاع لإنشاء المناطق الصناعية وتطويرها في قطاع غزة، إلا أنه لا ينفي وجود جملة من العقبات والتحديات ستواجه إنشائها ومن ثمَّ فرص الاستثمار فيها والعمل داخلها، وهي حسب تقديره، تبدأ بالحصار المُكبل لمنافذ قطاع غزة والمانع من وصول مواد الإعمار له وحتى أمواله وفق منهجية إسرائيلية مُتعمدة، ناهيك عن عدم استقرار الحالة الأمنية والسياسية والاقتصادية في القطاع مما يجعل الدافع أكبر لدى المستثمرين بالهروب من القطاع المأزوم، كما لفت إلى مشكلة الكهرباء وعدم القدرة على التصدير والنقص المتزايد في المواد الخام التي تُشغل ورش الحرفيين والصُنّاع بسبب التعنت الإسرائيلي في فتح أبواب المعابر ووصدها وفقاً لأعيادهم ومناسباتهم الدينية والسياسية وأحياناً وفقاً للمزاج الإسرائيلي، يقول الطبّاع: "هذه العقبات يُمكن أن تُقلل فرص نجاح المنطقة الصناعية في رفح" داعياً إلى ضرورة توفير البيئة السياسية الآمنة والاقتصادية المُشجعة على إنشاء وتطوير تلك المناطق كما كانت في سابق عهدها، مؤكداً أن المنطقة الصناعية في غزة قبل الانتفاضة كانت ناجحة جداً وحققت نهضة للاقتصاد الفلسطيني وزيادة في الناتج المحلي.
تسهيلات
من جانبه يرى معين رجب، أستاذ الاقتصاد في جامعة الأزهر، أن نجاح المناطق الصناعية يعتمد على مدى حالة الاستقرار السياسي في القطاع، بالإضافة إلى حالة التسهيلات والحوافز والإعفاءات الضريبية المُقدمة لأصحاب المشاريع داخلها، وقال: "إن تخفيض الإيجارات وزيادة الخدمات من شأنه أن يفتح باباً للاستثمار في تلك المناطق ويجذب أصحاب المشاريع الصناعية إليها بما يُحقق الهدف المرجو منها في تنشيط وتحسين الواقع الاقتصادي، منبهاً كذلك إلى ضرورة إنهاء الانقسام وفتح المعابر جميعها لتصدير منتجات المناطق الصناعية إلى الخارج وتحقيق إنعاش أكبر.