رام الله - ثائر ثابت
في الحافلة البرتقالية التي تشق طريقها بين مدينتي رام الله ونابلس، رفع السائق صوت المذياع فجأةً عند ورود نبأ حول ارتفاع أسعار الدواجن واللحوم، الأمر الذي أثار لحظتها موجة من التذمر لدى الركاب، إلا أن الملفت للانتباه الحديث الذي كان يدور في المقعد الخلفي بين سيدتين عن مسلسل "باب الحارة" السوري، الذي يبدو أنه قد خيب التوقعات هذا الموسم؛ نظراً لرتابة أحداثه وافتقاره لعنصر التشويق والتجديد.
ومن هذا الوصف، يمكن توقع آراء المشاهد الفلسطيني وانطباعاته عن "ماراثون" مسلسلات شهر رمضان الفضيل، الذي تتسابق فيه أغلب الفضائيات العربية للاستحواذ على اهتمام جماهيرها.
"تشيللو" القصة وحدها تكفي !
المواطنة أماني سلمان من أكثر الأعمال الدرامية التي اهتمت بمتابعتها لهذا العام مسلسل "تشيللو" مفسرةً ذلك بقولها: "إن قصة هذا المسلسل تعد جديدة وفيها الكثير من التشويق والإثارة كما أن بيئة المسلسل بصراحة قد جذبتني كثيراً، كذلك أتابع مسلسل "ألف ليلة وليلة" كونه بالحقيقة يسرد هذه الحكاية الاسطورية التي قد طالعتها منذ زمن.. وبالعادة تلفتني هذه الأعمال المستوحاة من نصوص أدبية .".
"المسلسلات في عيون الناقدين"
الناقد الفني تحسين يقين في حديثه عن موسم هذا العام وارتباطه بالمشاهد الفلسطيني قال:" موضوعياً علينا مشاهدة عدة حلقات من المسلسلات، إلا أننا نستطيع على ضوء مشاهدة بضع حلقات إيراد بعض الإشارات؛ منها: أزمة كتابة النصوص الدرامية، والبقاء في السطحية، فمثلاً مسلسل "أستاذ ورئيس قسم" للفنان عادل إمام، لم يقد حتى الآن أي عمق فكري ولا اجتماعي، بل هو مكرر وممل، كأنه تقرير صحفي في ثوب اجتماعي يتحدث عن مصر قبل الثورة".
أما عن رأي الباحث والإعلامي سعيد أبو معلا في مسلسل "أستاذ ورئيس قسم" أوجزه :" منذ سنوات ارتبط الفنان إمام بالشهر الفضيل وبخريطة الدراما الكوميدية في ثنائي جمعه هو والكاتب يوسف معاطي".
وأردف أبو معلا:" إن الفلسطيني يتابعه بشوق ولهفة للكوميديا التي لا يجدها في المنتج الفني المحلي، باعتباره يطرح نظرة درامية لما قبل الثورة المصرية وما بعدها، وبرأيي إن تقييم العمل حالياً يعتبر أمراً متسرعاً، لذا علينا أن ننتظر ان كان المشاهد الفلسطيني سيكمل مشاهدة جديد عادل إمام، غير أنني متأكد من أنه سيكمله؛ فهناك علاقة طويلة مع هذا الفنان الإشكالي، لكن السؤال ماذا سيقول إمام في النظام المصري والثورة المصرية، وأي ثورة سينتصر لها، فلا يمكن عزل الواقع المصري السياسي الحالي عن العمل الدرامي الجديد !؟".
وعن سر تعلق الجمهور الفلسطيني بمسلسل "باب الحارة"، تكشف الباحثة الاجتماعية سارة زهران عن هذا السر قائلةً: "بالنسبة لـ "باب الحارة" فالمسألة مرتبطة بالذكورية العالية لدى الشباب الفلسطيني، والمسلسل استطاع أن يرسخها في أذهان المشاهدين".
"المرأة في الدراما العربية"
وفي السياق ذاته، يرى يقين أن من أبرز الملاحظات التي يسجلها على الدراما الرمضانية انتقاده لصورة المرأة العربية، والتي رأى أنها تهبط بشخصيتها، ولا ترتقي إلى التطور الاجتماعي الذي مثلته مرحلة التنوير، وتنسجم حسب رأيه مع ما وصفه بالتفكير الماضوي".
وفي سؤال للباحثة زهران حول الدور الذي يلعبه التلفاز من خلال الدراما في رمضان بجمع أفراد العائلة لا سيما وأن وسائل التواصل الاجتماعي عملت بشكل كبير على تفتيت الروابط الأسرية أجابت: "لا أعتقد أن هناك غياباً لوسائل التواصل الافتراضي حتى مع وجود هذا الكم الهائل من المسلسلات في رمضان، وانما يتم الحضور ذهنياً بين التلفاز وهذه الوسائل، فالفكرة بالمرئي والافتراضي من جهة، والتجمع الفيزيائي من جهة أخرى".
"نوستالجيا دراما التسعينيات"
أما الشابة آيات عبد الله، والتي تتابع المسلسل الخليجي "أمنا ورويحة الجنة" بوصفه من الأعمال التي تتحدث عن مشاعر الأمومة وتسترجع آيات ذكريات طفولتها مع عائلتها في شهر رمضان قائلةً:" كان التلفاز في فترة التسعينيات هو الوسيلة الإعلامية الوحيدة بعيداً عن الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي وغيرها حيث كنا حينها نحفظ أسماء القنوات التلفزيونية وبرامجها وأوقات عرضها غيباً".
وتعتقد الباحثة زهران أن الدراما تحمل الكثير من التناقضات، فتبين مصير الضعيف، والخائن، والمحب، والقوي، والإنساني، واللإنساني، والمجرم، وتعيد تشكيل الصور النمطية حول الأدوار الاجتماعية، والهرمية في المجتمعات، موضحةً أن الدراما لا تستطيع معالجة المشكلات الاجتماعية؛ لأن الحلول غالباً ما تكون متخيلة .
الشاب حسين عامر وعبر صفحته الشخصية على "الفيسبوك" كتب "ستاتوس "بحضرش غيره" إشارة إلى مسلسل "تشيللو" حيث أعرب عن حبه لهذا العمل الفني؛ كونه يتحدث عن الموسيقى والحب والحياة.
"من الحارة الشامية إلى حارة اليهود"
ومن دراما الحب إلى مسلسل "حارة اليهود" علق الإعلامي أبو معلا عليه: " لم ألحظ متابعة كبيرة له، ومن المؤكد انه سيحدث جدلاً واهتماماً فلسطينياً كونه يتحدث عن ما هو مشترك.
وفي سياق الاحتفاء المستمر بالتاريخ في الدراما، وعن قراءة يقين لمسلسل "حارة اليهود" قال: "هذا المسلسل يحاول الانعتاق من التنميط، في ظل محاولة إعادة تقديم الرؤية التاريخية لليهود المصريين الذين فشلت الدراما المصرية حتى الآن في تصويرهم بموضوعية على ضوء موقف الصراع مع إسرائيل".
ومن الأعمال الدرامية لهذا الموسم والتي أشعلت مواقع التواصل الاجتماعي في العديد من البلدان العربية ومنها فلسطين، المسلسل الكوميدي "سيلفي" وعنه قال الشاب محمد بلاونة :" برأيي الشخصي استطاع الفنان المبدع ناصر القصبي أن يسلط الضوء بطريقة شمولية ومؤثرة وقوية جداً على المعاناة التي يتكبدها كل من يقع ضحية تنظيم داعش الارهابي".
ويشير أبو معلا في هذا الجانب، إلى استمتاع الجمهور الفلسطيني بالكوميديا الخاصة بمسلسل "سيلفي" ، خاصة في الحلقتين عن داعش، متابعاً حديثه: "لولا دخول المواقف السياسية السعودية على الحلقات بمباشرة مفرطة لكانت الحلقتين الأكثر ضحكاً وإثارة وتماساً مع الجمهور الفلسطيني.
وعن المغزى من اقبال الناس على متابعة المسلسلات الرمضانية بشكل مبالغ في رمضان تحديداً تقول زهران: "هنالك بعد معولم يتعلق بمشاهدة القنوات والمسلسلات نتيجة زخم الاعلانات التي تتعلق برمضان، حيث تعد سوقاً جيدة للترويج، كما أن عدم ارتباط الصوم بالبعد الديني يطرح مسألة وقت الفراغ، وبالتالي يبحث الناس عن ملء هذا الوقت من خلال هذه المسلسلات".
"من المرناة إلى الانترنت"
وفي ظل التطورات التكنولوجية والرقمية الراهنة، فلم تعد مشاهدة المسلسلات حكراً على المرناة أو التلفاز وحده، إنما قد يفضل البعض خاصة من جيل الشباب متابعة هذه المسلسلات عبر الانترنت وفي هذا الصدد تحدث الشاب واجد النوباني: "أتابع مسلسل "طوق البنات" وهو من الأعمال الفنية الشامية عبر الانترنت بعيداً عن أجواء العائلة... وفي الحقيقة لا تشدني أية مسلسلات سوى السورية منها و"طوق البنات" كثيراً ما شدني اليه قصته التي تختصر واحدة من قصص النضال ضد المستعمر الفرنسي في حارات دمشق العتيقة...".
"رهان على الدراما الفلسطينية"
ومن خلال استطلاع آراء الجمهور الفلسطيني من الواضح انه لم تلفته بعد الدراما المحلية، وتختلف الباحثة زهران في رأيها حول الدراما الفلسطينية عن فكرة الناقد يقين؛ فهي تعتقد أنه لا توجد دراما فلسطينية؛ فهناك برامج تأخذ الطابع الفكاهي، أو حتى مسلسلات مثل "باب العامود"، الذي يعرض المشكلات الاجتماعية بطريقة ساخرة، لكنه لا يقدم حلولاً كما أوضحت، أما يقين فقال: "إن مسلسل "باب العامود" يحمل بذور تأسيس دراما فلسطينية، على أن يتجنب المحاكاة، وتقليد الدراما العربية".
وعلى الرغم من الانتقادات والتساؤلات والتعليقات التي تثار طيلة شهر رمضان الكريم حول الأعمال الدرامية التي ترافق هذا الضيف السنوي، إلا أن المشاهد وحده هو الحَكم في هذا الماراثون الدرامي، خاصة وأنه بكبسة زر واحدة على جهاز "الريموت كونترول" يقرر هوية أي عمل فني يريده، أو عبر موقع إلكتروني له مطلق الحرية في مشاهدة مسلسله المفضل، أو ربما ستشغله أخبار البلد العاجلة، ويهمه أكثر مراقبة ارتفاع صرف العملات أو انخفاض أسعار "الدجاجات".