الحدث- محمد غفري
"يعتقدون أن بوضعهم الرفض الأمني علينا سيقتلون العزيمة داخلنا ويدفعوننا للاستسلام، نقول لهم سندخل إلى القدس "خاوة""
هي ليست مجرد جملة عابرة، الشاب محمد عبد الله (25 عاماً) قالها وبصوت عال لأصدقائه عندما قرروا الذهاب للصلاة في المسجد الأقصى خلال شهر رمضان المبارك هذا العام، فهم يمتلكون "تصاريح" تسمح لهم بزيارة القدس أو ما أطلق عليها الاحتلال "تسهيلات" الدخول في رمضان، على عكسه بعدما تقدم أكثر من مرة بطلب إصدار تصريح وقوبل بالرفض في كل هذه المرات.
كان الفراق عند حاجز قلنديا، انقسم محمد وأصدقاؤه إلى فريقين، فمنهم من التحقوا بالطابور وذهبوا إلى الحاجز مباشرة كي يدخلوا القدس عبر تصريح يسمح لهم بذلك، وآخرين ذهبوا يتحسسوا البحث عن أحد المهربين، أو من يدلهم على ذلك الدرب الذي لا يخلوا من المصاعب، والمقامرة على حياتهم أو الوصول آمنين.
قرب جدار الفصل العنصري في ضاحية الرام، وبعد دفع مبلغ 50 شيقل عن كل فرد منهم، انتظروا الإذن من الشاب الذي تكفل بمهمة إدخالهم إلى بلدة بيت حنينا بالقفز خلف الجدار، وما أن سمعوا عبارة "يلا يا شباب ما في جيش"، حتى صعدوا درجات السلم المتكئ على الجدار بلمح البصر، ثم عملية إنزال سريعة من الجهة الثانية، وعلى بعد مئات الأمتار التي قطعوها ركضاً، ركبوا بالحافلة التي نقلتهم مباشرة إلى محطة باب العامود، في مدينة القدس المحتلة.
المفاجئة كانت عندما وصل محمد ومن معه المسجد الأقصى، واتصل بأصدقائه الآخرين من يحملون التصاريح، وعلم أنهم ما زالوا في طابور طويل على الحاجز، حتى تيقن بداخله أن طريق "اللاتسهيلات"، هي الطريق الأسرع والأكثر أماناً، هي طريق الكرامة.
وتطلق سلطات الاحتلال الإسرائيلي مصطلح "مرفوض أمني"، على ذلك المواطن الذي تعتقد مخابرته أنه يشكل خطراً أمنياً على دولة "إسرائيل"، وعادة ما يكون هؤلاء من الأسرى وعائلاتهم، أو عائلات الشهداء، ونشطاء الأحزاب السياسية والحركات الطلابية، وفي بعض الأحيان من قام "الشاباك" بمحاولة اسقاطهم وفشل بذلك.
وبحسب وزارة الشؤون المدنية، لا يوجد رقم ثابت لعدد الفلسطينيين المرفوضين أمنياً لدى الاحتلال، لأن هذه الأرقام سرية بيد مخابراته غير منشورة، وهي كذلك ليست ثابته دائماً ما تتغير.
أربعة طرق "تهريب" لدخول القدس
يقول الشاب علاء الأسمر (31 عاماً) إن الاحتلال صنفه "مرفوض أمني" بعدما تعرض للاعتقال بسبب نشاطه السياسي في جامعة بيرزيت عام 2006، ومنذ ذلك التاريخ وهو يدخل إلى المسجد الأقصى في كل ليلة قدر من كل عام، عبر طرق التهريب أو "اللاتسهيلات".
ويروي الأسمر لـ"الحدث"، أنه في كل عام كان يسلك طريقاً أشد صعوبة من التي سبقتها بسبب تشديدات الاحتلال المتصاعدة، فهو في المرة الأولى دخل عبر فتحة في الجدار قرب بلدة الرام، وفي العام الذي بعده دخل بالقفز من بين الأسوار والأبنية في بلدة بير نبالا إلى المصانع المقامة في "عطاروت"، وركض صائماً لساعات طويلة.
وأضاف: "بعد ذلك بعام دخلنا من خلال عبارة كانت مليئة بمياه الأمطار تحت الشارع الرئيسي الفاصل بين بلدة بيت حنينا التحتا داخل الضفة الغربية، إلى بلدة بيت حنينا الفوقا داخل القدس، وما دفعه إلى دخول العبارة في ذلك الوقت، هو ملاحقته من قبل دورية لجيش الاحتلال كانت في تلك المنطقة".
واستطرد في حواره، آخر مرة دخلت إلى المسجد الأقصى كانت عام 2010، وكانت عبر صعود الجسر في بلدة الزعيم، والركض مروراً بالشارع الرئيسي السريع، إلى بلدة العيسوية في القدس.
ويصف شعوره عندما كان يصل القدس سالماً بالمنتصر، فهو يعتقد أن الوصول إلى الكعبة المشرفة رغم فارق المسافة الشاسع، أسهل من الوصول إلى المسجد الأقصى.
واعتقل الأسمر في سجون الاحتلال الإسرائيلي أكثر من أربع مرات بسبب نشاطه السياسي، وفي آخر اعتقال كما ذكر على لسانه، أن ضابط المخابرات الإسرائيلي أخبره: "لا تحلم توخذ تصريح في كل حياتك، ولا تحلم تسافر برا لو بتكون مريض وبتموت وبدك تتعالج".
يمتزج الحنين بكلمات الشاب الفلسطيني وتلمع الدمعة في عينه، عندما قال: "الأقصى جزء من حياتي جزء من عقيدتي ومشاعري، وهو عبارة عن دم يسري في عروقي، ولا أتخيل نفسي أظل محروماً منو، وأشعر بالقهر حينما أمر من جبال بلدة العبيدية وأرى كم هو قريب مني لكن لا أستطيع زيارته".
لكنه بحسب ما أكد، لا يستطع الآن حتى محاولة الدخول عبر "التهريب"، لأن مجرد الإمساك به يكون مبرراً لمحاكم الاحتلال الحكم عليه بالسجن 36 شهراً كحد أدنى، كما جاء في نص آخر محاكمة له في سجن "عوفر".
هاشتاغ "خاوة" و"مزع تصريحك" تغزوا مواقع التواصل
وشيد نشطاء فلسطينيين صفحات في مواقع التواصل الاجتماعي تدعوا إلى رفض تصاريح الاحتلال، والدخول إلى القدس دون "التسهيلات" المعلنة، ومن ذلك صفحة "مزع تصريحك" التي حظيت بآلاف الإعجابات.
ونشرت هذه الصفحة مئات الصور والفيديوهات، كانت تصل إليها من شبان يقمومون بحرق تصاريحهم أو تمزيقها رداً على سياسات الاحتلال الإسرائيلي، معلنينن التحدي أنهم سيدخلون القدس دون إذن ومتى يشاؤون ذلك.
واستخدم عدد من الشبان الفلسطينيين هاشتاغ "خاوة" في تدويناتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بالإشارة إلى دخول القدس والداخل المحتل دون تصاريح، من أجل التفاخر بذلك، وأن ما قاموا به دون "تسهيلات" الاحتلال.
فمنهم من شارك بصورة له يسبح في بحر مدينة يافا المحتلة، وكتب عليها "يافا عروس البحر بالأمس.. البلاد بلادنا.. والحق كل الحق لنا أن نكون في كل شبر منها.. وسلمولي ع تصاريحهم الهزلية .. #خاوة".
بينما شارك أحد الشبان بصورة "سلفي" له مع أصدقائه ومن خلفهم مسجد قبة الصخرة، ودون قائلاً "بدون "تسهيلات" وجميلة الاحتلال علينا ..دخلنا #خاوة".
ونشرت إحدى الصفحات على موقع "فيس بوك" صورة لعشرات الشبان يتسلقون الجدار الفاصل، وكتب فوقها، "من أجل الصلاة في المسجد الأقصى المبارك، شبّان ممنوعون من دخول القدس رافضون لأخذ تصاريح يدخلون بحرّية إليها .. هيك #خاوة".