الأحد  24 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الحق في الغباء - رولا سرحان

2015-06-30 01:59:09 AM
الحق في الغباء - رولا سرحان
صورة ارشيفية

 

مفهوم "الحق في الغباء" الذي تحدث عنه نيتشه، مفهوم ذو منبع إيجابي من وجهة نظره، إذ يرى فيه أنه السبيل للتجديد، وذلك من منطلق أن نمط الحياة العصرية يستلزم في مرحلة ما أن يمارس المرء نوعاً من العطلة التي تمنح للعقل وللذكاء وللروح فتفعل فعل المنشط. وهو المعنى الآخر للبلادة الإرادية، أي أن تصاب بالبلادة بمحض إرادة حرة خالصة، كأن تقرر مثلاً مشاهدة التلفاز لا تفعل شيئا آخر، أو أن تنام لفترات طويلة.
 
و"الحق في الغباء" هو شيء أصيل في الإنسان، فإن لم يفعله بإرادته أرغم على ذلك، إذ تتوقف عنوة أجهزته الحسية إن هي رأت أنها بحاجة لهذا "الغباء". وعليه، يجب أن يكون "الحق في الغباء" جزءاً أصيلاً من منظومة الحقوق والواجبات الدستورية، فكما تمت الإشارة في معظم الدساتير إلى الحق في حرية الرأي والتعبير، والحق في العبادة، والحق في المشاركة في الحياة السياسية، والحق في العمل، والحق في المسكن الملائم، فعليها أن تنص كذلك على "الحق في الغباء" لنسيان كل تلك الحقوق السابقة، وتعطيل التفكير فيها.
 
وعلى الأنظمة السياسية في العالم العربي، تحفيز كل مقومات هذا الحق، فنتيجة لتطبيقه نصاب بالانحلال في الحواس والإدراك، فلا نسأل أسئلة "لا لزوم لها"، أو نطالب بأشياء "زائدة" عن المأكل والمشرب والملبس. إن "الحق في الغباء" يخلق أناساً قنوعين راضين راضخين متواضعين، مؤهلين للعمل في أجهزة الدولة دون إنتاجية، ومؤهلين لممارسة حق الانتخاب وفق قاعدة الولاء الأعمى المطلق، ومؤهلين لتمجيد الزعيم الواحد، والحزب الواحد.
 
"الحق في الغباء" يخلق أناساً من طبقة شعبية ممتدة تفتقر إلى كل المقومات الحقوقية، هم كـ "الشاندالا"، تلك القبيلة الهندية المنبوذة، الملغاة من جدول الكرامة الإنسانية، والتي صار الانتساب لها ضرباً تحقيرياً حين وصف القديس ماني أهلها بأن: "عليهم أن يرتدوا أسمالاً بالية، وللآنية يستعملون جفاناً مكسورة، وللزينة حديداً قديماً، وللعبادة الدينية الأرواح الخبيثة، وعليهم أن يرتحلوا دون سلام من مكان إلى مكان، وممنوع عليهم أن يكتبوا من اليسار إلى اليمين أو أن يستعملوا اليد اليُمنى للكتابة".