ترجمة الحدث
في ظل توتر متزايد بين إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وجامعة هارفارد، أصدر تنظيم "هيليل"، الذي يمثل الطلاب اليهود داخل الحرم الجامعي، بياناً لافتاً ينتقد فيه علناً ممارسات الإدارة الأمريكية، معتبراً أن السياسات التي تُروّج تحت شعار "حماية اليهود" قد تنعكس سلباً على اليهود أنفسهم في البيئة الأكاديمية.
البيان، الذي صدر مساء أول أمس الجمعة، أشار إلى أن الإجراءات التي تزعم الإدارة اتخاذها لمكافحة "معاداة السامية" تجاوزت إطارها المعلن، محذراً من أن هذا النهج قد يضر بمصالح الطلاب والباحثين اليهود، وحتى الإسرائيليين، خصوصاً أولئك الذين دعموا الاحتلال الإسرائيلي أو خدموا في جيشه.
وتطرق التنظيم إلى ما وصفه بالتصعيد الفيدرالي، الذي شمل تجميد أبحاث طبية حيوية، وتهديداً للوضع الضريبي للجامعة، إضافة إلى التلويح بسحب تأشيرات دراسية. وحذر من أن هذا النهج قد يؤدي إلى نتائج عكسية، داعياً إلى استعادة علاقة متوازنة وبنّاءة بين الجامعة والإدارة الأمريكية، بما يضمن حماية الحقوق الأكاديمية للجالية اليهودية ويعزز من مكانة البحث العلمي الأمريكي.
في المقابل، عبّر أكثر من 220 طالباً يهودياً من جامعات كبرى مثل كولومبيا وييل ونيويورك عن رفضهم لما اعتبروه تسييساً خطيراً لسياسات الهجرة، واستخدامها كأداة للعقاب الفكري. وعبّروا في رسالة مفتوحة عن قلقهم من اعتقال الناشط الفلسطيني محسن مهداوي، معتبرين أن الخطوة تُمثل سابقة خطيرة لإسكات أصوات معارضة للحرب في غزة ولسياسات الولايات المتحدة وإسرائيل.
وأكد الموقعون أنهم يعرفون مهداوي جيداً، واعتبروه صوتاً للحوار لا للتهديد، مؤكدين أن طرده من الحرم الجامعي لا يعزز الأمان بل يزرع الخوف. وشددوا على أن حرية التعبير ليست امتيازاً مقصوراً على المواطنين، بل حق ديمقراطي أساسي يجب أن يُصان، حتى عندما تتضمن الآراء المطروحة مواقف صعبة أو مثيرة للجدل.
وفي تطور لافت، جمدت إدارة ترامب مساعدات فدرالية لهارفارد بقيمة تفوق 2.2 مليار دولار، مشترطة تنفيذ عدد من الشروط، منها مراجعة المناهج الأكاديمية وسياسات القبول والتوظيف. كما أعلن وزير الخارجية ماركو روبيو عن توجيهات جديدة تُشدد من إجراءات منح التأشيرات للزائرين الذين سبق أن دخلوا قطاع غزة منذ عام 2007، بما في ذلك لأغراض إنسانية أو دبلوماسية، مع تدقيق موسّع في نشاطاتهم على وسائل التواصل.
وبحسب روبيو، تم إلغاء أكثر من 300 تأشيرة منذ مطلع العام، من بينها تأشيرات لطلاب شاركوا في احتجاجات أو عبروا عن مواقف تنتقد إسرائيل أو السياسات الأمريكية. وزاد التوتر بعد تسريب رسالة من الإدارة إلى هارفارد تضمنت مطالب غير مسبوقة تتعلق بسياسات الجامعة، قبل أن يتبين لاحقاً أنها كانت مسودة داخلية لم يتم إقرارها رسمياً.
لكن رغم التوضيح، لم تتراجع الإدارة عن مضمون الرسالة بل مضت في إجراءاتها العقابية، مُعلنة تجميد المساعدات، والتهديد بإلغاء الإعفاءات الضريبية ومنع استضافة الطلبة الأجانب. وازدادت الأزمة حدة بعد اعتقال عدد من الطلبة الأجانب في جامعات أمريكية، من بينهم محمود خليل من جامعة كولومبيا، والناشطة التركية روميسا أوزتورك من جامعة تافتس، لمشاركتهم في احتجاجات مؤيدة لفلسطين.
ورداً على الانتقادات، قال روبيو إن إدارته لن تتهاون مع من يصفهم بـ"المجانين"، في إشارة إلى النشطاء، مضيفاً أن كل من يُضبط في هذا السياق تُلغى تأشيرته فوراً. هذه التصريحات أثارت موجة انتقادات واسعة في الأوساط الأكاديمية، حيث اعتبر أساتذة بارزون أن الممارسات الحالية تمثل انتهاكاً لحرية التعبير التي يكفلها الدستور لكل من يقيم على الأراضي الأمريكية، بغض النظر عن وضعه القانوني.
من جهتها، صعّدت الإدارة مطالبها تجاه الجامعة، مطالبة بإلغاء التمييز الإيجابي، وطرد الطلبة الذين يُصنَّفون كمعادين للقيم الأمريكية، وفرض عقوبات على كل من يشارك في أنشطة مناهضة لإسرائيل أو الولايات المتحدة. كما حذّرت وزارة الأمن الداخلي من احتمال فقدان الجامعة أهليتها لاستضافة الطلاب الأجانب، بسبب ما اعتبرته تبنيها لأفكار لا تنسجم مع سياسات الحكومة.
لكن جامعة هارفارد رفضت هذه الشروط بشدة، وأصدر رئيسها آلان جاربير، وهو من أصول يهودية، بياناً يؤكد أن لا إدارة حكومية، مهما كانت توجهاتها، تملك الحق في فرض إملاءات على الجامعات الخاصة بشأن مناهجها، أو سياساتها التوظيفية، أو مجالات بحثها.