الخميس  24 نيسان 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

لسنا هم!

2025-04-22 10:23:31 AM
لسنا هم!

 

ما بين الإنسان وسويته تحققٌ لإنسانيته، لكن هنالك دائما من هم متوحشو السوية يرضون بتشويه أمكنة القلوب وتحويرها عن قوافل المشاعر المعتادة؛ وأعرف أن المشاعر المعتادة لا تُحصى، متقلبة ما بين الرغبة في الحياة وتقلباتها التي تقلب القلب معها ما بين الشعور بالارتياح أو الرضى وما بين تلك المضادة لها. وما بين هاتين الطيتين لم نعد نعرف، أو لربما لم نعد نريد أن نعرف حجم المقتلة ونكتفي بقبول فكرة أنها تُقاس بأعداد القتلى، وبالدمار الجاثم فوق الجثامين المفقودة، وبالتفاصيل التي تحصي نقص الماء، والغذاء، والدواء...ودائما، أمام شاشات الأخبار التي تحاول، فتفشل، في أن تصب فوق إنسانيتنا خصوصيات الفوارق ما بين مجزرة أو مجزرة، أو تحاول إعلاء صوت إنسانية المنظمات الدولية، فإننا نلاحق المزيد من خبريتها التي باتت جافة فتساقطت عن مشاعرنا حتى تبلدت وأصيبت الفطرة بالعطب. وفي مجمل الحالة أصبحت الشهية تتكيف بغسيل الموت بموت آخر، وبرتق قصة بقصة مفجعة أخرى، ويتقاسم الخبر ميتان أو أكثر، والموجة المفتوحة كأنها "بئر برهوت" التي ستخرج منها نهاية العالم ونهاية إنسانيتنا معها، ولكننا مازلنا لا نبالي!

لا نبالي.. فالخبر عن الموت يأتي على مهله، اعتياديا جدا، لربما كنشرة أحوال الطقس أو أخرى تصف أحوال الطرق، وفي بعض الأحيان، وفي إذاعة محلية، تأتي بعده أغنية عالية الإيقاع تطلبُ أن ننسى عمود الموت المغروس في قلوبنا لكنه لم يعد يؤلم أحدا، بل وتدفعنا للرقص الآن فوق جثثنا المحتملة غدا بينما نحن سعداء بأن موتنا ما زال احتمالية!

كم مرة عددنا وأكدنا وكررنا أمام مرآة بشاعتنا أن الاحتمالية قد ولّت؟ حواسنا المتيقظة لأجلنا فقط تعرف أن الاحتمالية أصبحت معادلة رياضية مجموعها أجسادنا المتكدسة فوق بعضها دون حتى اتقان في التكديس، فهي عشوائية كلوحة بوهيمية ننظر إليها نحن من بعيد ولا نرى فيها أجسادنا...ونتقن فن التحايل النفسي بفنجان قهوة في مقهى خارج الزمن والمكان، حيث الخداع للذات يصبح فنا تملكنا فتملكناه فأتقنا اعوجاج منطقه بأننا ما زلنا بعيدين جدا عن المقتلة، ما يحدث هناك لا يحدث هنا، هناك ليس هنا...وهناك لا يسير إلى هنا، وحيث هناك لا نريد أن نذهب نحن الذين هنا. هناك بقعة منفية خارج المجرة، مبتلعة في ثقب أسود، لم يعد بالإمكان تحديد مقدار الحزن فيها وعليها، ولا تقدير حظ الموتى الجدد من الاهتمام، ولا جهد التمثيل المسرحي أننا مشيعو شؤونهم من تذكرنا لهم!

نحن بسطاء أكثر من اللازم في تقبل موتنا في موتهم...هم المجهولون فينا، هم المتوهمون الذين يفرغون لحمهم الذائب في احتمالية بطولتنا التي ارتكست، نحن الذين نفر منهم كي نفر من أنفسنا التي تموت من حسنا بالزهو أننا لسنا هم!