هذه العبارة المدوية قالها البابا فرنسيس قبل (١٢) إثنا عشر عامًا للصحفي الإيطالي الملحد "إيوجينيو سكالفاري" وكان وقعها كالصاعقة في فضاء لاهوتي ظلّ مغلقًا قرونًا طويلة.
عبارة قد يراها البعض بسيطة، لكنها تكسر جدرانًا من الخوف، من الاحتكار، من التصنيف.
فيها يخرج البابا من حدود المذهب ليعلن للعالم: الإيمان ليس ملكًا لأحد. الله لا يحمل بطاقة هوية دينية، ولا يُحب حسب طقوسنا، ولا يُقاس بالانتماء بل بالنية والبحث والرحمة.
هذه العبارة، بالنسبة لي، كانت أقرب إلى إعلان ثورة ناعمة: ثورة على التعصّب، على الرعب من السؤال، على فكرة أن الله حكرٌ على فئة دون أخرى.
حين يقول رأس الكنيسة الكاثوليكية إن الله لا ينتمي فقط إليها، فهو يفتح الباب للإنسان… كل إنسان، أن يسير نحوه بلا شعور بالنقص، بلا ذنب وراثي، بلا وسطاء فوقيّين.
في زمن يُدان فيه من يطرح الأسئلة، وفي مجتمعاتنا التي تخاف التفكير أكثر مما تخاف الكفر،
جاء صوت البابا ليقول: فكّر، تشكّك، تحاور، ابحث… فالله ليس امتيازًا مغلقًا، بل نَفَسٌ يسكن في أعماق من يفتّش عنه بصدق.
تلك العبارة لم تكن خروجًا عن الإيمان، بل كانت قفزًا إلى جوهره!
قديش نحتاج في عالمنا العربي أن نغرف ونتعلم من هذا العقل الإنساني الكبير والقيم الأخلاقية الجوهرية التي يحملها..
على المستوى الشخصي هذه العبارة هزتني.. واستبشرت الخير الكثير بقدوم هذا الشخص..
وبالفعل صدقت توقعاتي.. فخلال سنوات اعتلاءه لكرسيّ بطرس الرسولي، لم يبدّل فقط اسمه… بل روّض مؤسسة دينية عتيقة لتصبح أكثر إنسانية، أكثر تواضعًا، أكثر شجاعة.
لم يكن البابا الذي يكرر الصلوات المحفوظة، بل ذاك الذي يعيد طرح الأسئلة المحرّمة..
أطلق إصلاحات هيكلية داخل الفاتيكان، حارب الفساد الأخلاقي والمالي، أعاد الاعتبار للعلم والعقل، وجعل من الحب معيارًا أعلى من الأحكام..
فتح أبواب الفاتيكان للآخر، للمختلف، للمهمّش، للمثلي، للمُطلّقة، للمهاجر، للمسلم، لليهودي، للملحد…
مدّ يده حيث لا تصل يد أحد، وقال عبارته التاريخية: “من أنا لأحكم على أحد؟!"
آخر ظهور له في الفضاء العام كان يوم عيد القيامة/الفصح المجيد، وكأن الكون كله كان يحضره لهذه اللحظة التاريخية،
رحل الرجل الذي عبرَ الحواجز وخاض معركة الإيمان بشجاعة العقل ومات واقفًا كأشجار الزيتون..