الحدث – آيات يغمور
تعددت الطرق والوجهة واحدة، ما زال الفلسطينيون عازمون على دخول القدس رغم ما في الطريق من مشقة، وبعيداً عن ممارسات الاحتلال التعجيزية.. يواجه الفلسطيني في طريقه محطات استغلال تمتص ما تبقى لديه من مال وجلد ليصل مبتغاه ناقماً على قطاع الطرق.
المحطة الأولى
"في المحطة الأولى وقبل الركوب في أحد حافلات القدس الخضراء، أحدهم يصيح عليك شراء تذكرتك من "كشك" خارجي، ما زلت متحمساً بل واتسعت ابتسامتي لمجرد رؤية كلمة القدس مرسومة على تلك الحافلة، والمفاجئة الأولى كانت رجل جالس خلف كرسي ينادي 16 شيقلاً تذكرة من رام الله للقدس"، يحدّثنا "بلال" أحد الزائرين للقدس.
ويضيف: "يبررون هذه التكلفة المرتفعة بأنها مخصصة لسكان الضفة ذهاباً وإيابا، لكن الزائر للقدس للمرة الأولى لا يعلم بأن عليه الاحتفاظ بتلك التذكرة وإظهارها في العودة وتصبح المكاسب لشركة الباصات تلك أضعافاً مضاعفة".
تسير الحافلة ما يقارب العشرين دقيقة في حال عدم اعتراضها أزمة قلنديا الخانقة، بعد ذلك يتم إخلاء الحافلة لتسير وحدها مع ما تبقى من مسنٍّ هنا وامرأة تجلس مع طفلها في الخلف.
ويتابع بلال "تصاريح مزورة – تصاريح عالقدس عالقدس، أشخاص كثر ينادون بأعلى أصواتهم، وتبهت تلك الابتسامة رويداً رويداً حتى الوصول إلى داخل حاجز قلنديا، ما زلت في الخارج لا أستطيع رؤية صفٍّ واحد سليم أو حتى متسع لتطأ قدمي مكاناً يعطيني فرصة في العبور".
لا وجود للابتسامة الآن وجه بلال خال من أي تعبير، وبعد أن انتظاره ساعة أو ساعتين يصحو من هول الأزمة، مستذكرا ذلك الصوت الذي كان يعلو في الأرجاء "عالقدس عالقدس" وإذ هو بجواره والصوت يناديه.
المحطة الثانية
متحدثا بلال لسائق المركبة أين التكسي الخاص بك، متفاجئا أنها مجرد سيارة خاصة زرقاء اللون، سائلا إياه "أهذه السيارة التي ستقلنا بها للقدس".
صاحب السيارة أبو تحسين يقول لبلال: "أنا لا أعمل على الخط لكني آتي في رمضان خصيصاً لمساعدة الناس حملة التصاريح، ولا أنكر أن هنالك استغلال مادي لكن لا يوجد لدينا خيار آخر، كما أن أهالي الضفة يحملون في جعبتهم أموالاً تذهب في الأسواق الإسرائيلية فلم لا آخذ أنا من بعض تلك الأموال التي ستصرف في غير طائل؟".
المحطة الثالثة
بلال يركب سيارة أبو تحسين ويسمع من معه في السيارة يتحدثون عن صديق لهم "محمد لا يحمل تصريحاً وهو أكبر حظا منا، فالأبواب مزدحمة مرهقة، أما الأسوار فلا يعيبها سوى حبلٌ أو سلم، وكل وما كان على محمد إيجاده شهير الصيت "أبو العبد"".
عبارة أو سلم أو عبر شباك، تختلف أساليب تهريب أبو العبد تبعاً لمواصفات الشخص، إذا كانت فتاة فعلى الأرجح نأخذها إلى حاجز زعيم المعروف بشباكه المهترئة، وإذا كان شاباً ضعيف الهمة نصحبه إلى جدار بيرنبالا، وإذا كان جادّاً مغامراً نأخذه من جدار الرام".
وجال في خاطر بلال "بما أن أبو العبد لديه أساليبه وتصنيفاته، فلا بد أيضاً من أن يكون لتسهيلاته ثمناً باهظاً نسبياً مقارنة مع تذاكر حافلات رام الله – القدس"، ويقول أبو العبد "من غير تحرج أو خوف "ثلاثون شيقلا ثمن الوصول لأي جدارٍ أو شباك، وثلاثون آخرى لسيارة تنتظر العابرين قفزاً عن جدار أو زحفاً في عبارة لاصطحابهم إلى باب العامود".
تجارة مربحة واستغلالٌ ناجحٌ للظروف جعلت أبو العبد وزملائه في خط الجدار- القدس، يحصّلون 500 راكب يومياً بحسب ما أفاد أبو العبد، وإذا ما حسبنا الربح المتوقع فهو يزيد عن 30 ألف شيقل في اليوم الواحد فقط. و900 ألف شيقل أرباح المستغلين لحاجات الناس بتصاريح أو بدونها في رمضان، هذا الرقم الهائل يدفع الآن ثمنه عشرات آلاف المصلين الذين كان جلّ آمالهم ركعة أو اثنتين في حضرة الأقصى.
المحطة الأخيرة
الوصل الآن لمنطقة القدس، سواء من الزيتونة، زعيم، قلنديا، العيزرية، بيرنبالا، المهم وصل بلال للأقصى.