بقلم أنور الخطيب
تأسست خلال الخمس سنوات الماضية دور نشر محلية عديدة في دولة الإمارات العربية المتحدة، جذبت إليها الأصوات الشابة من شعراء وروائيين وقصاصين وكتاب خواطر وتأملات وأدب الرحلات وتجارب ذاتية. وتحمّلت هذه الدور تكاليف طباعة الإصدارات، واشتغلت بحرفية على توزيعها والترويج لها، ووظفت وسائل التواصل الاجتماعي توظيفا رائعاً وجميلا. وتم طباعة بعض الكتب طبعات عدة حتى وصلت بعضها إلى الطبعة الخامسة أو السادسة خلال عامين أو ثلاثة أعوام. وتباينت المستويات الفنية والموضوعية لهذه الإصدارات.
وقد أثارت هذه الظاهرة حفيظة عدد من الأدباء المعروفين وأصحاب الأعمدة الصحفية والنقاد، فطالبوا دور النشر بالكف عن نشر (ما هب ودب)، وكتبوا تعليقات متشنجة وصفت بعض الكتاب بالغرور والسطحية، وأنهم يقتحمون مجالا ليس مجالهم، ويتطفلون على الأدب، وشككوا بعدد الطبعات حتى أن البعض اتهم دور النشر بطباعة أعداد قليلة من بعض العناوين، فإذا ما نفذت يلحقونها بطبعة ثانية وثالثة.
الموقف ذاته يتخذه كتاب وشعراء كثيرون من ظاهرة ازدحام الفضاء الافتراضي (فيسبوك وتويتر وانستغرام) بالكتاب والشعراء، ويتجرأ عدد من المعلقين ويطلق أوصافا نابية تصل إلى مرحلة الاعتداء الشخصي ويطالبون بوضع هذه الكتابات في سلة المهملات! ويشمئز بعض الشعراء (الكبار) من عدد التعليقات و(اللايكات) وكلمات الإعجاب التي يكيلها مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي، ويمتعضون من بعض الكتابات فيصفونها بالهزيلة والتافهة، وأكثر ما يقهرهم كتابات النساء الجميلات اللاتي ينشرن صورهن الجذابة، ويلاقين إقبالا كبيراً من المتابعين، فرب كلمة واحدة إلى جانب صورة جذابة تحظى بألف علامة إعجاب (لايك). وقد اشارت إحدى الشاعرات إلى هذا الأمر فصرّحت بأن كتاباتها غير المرفقة بصور لا تلقى نصف الإقبال الذي تلاقيه كتاباتها المرفقة بصور، الأمر الذي يعني أن البعض يضع (لايك) للصورة والبعض الآخر على الكتابة!
أولا، لا يمكنني بأي حال من الأحوال، أن أصف أي كتابة أدبية، مهما كان مستواها الفني بالهزيلة أو التافهة، فهي كلمات أقرب إلى الشتيمة ولا تعبّر عن رأي نقدي محترم. كما أنه لا يمكنني أن أطالب أحدا بالتوقف عن الكتابة، ومن غير الموضوعية مطالبة دور النشر بالتوقف عن نشر كتابات الشباب الأدبية، فهذا قمعٌ مباشر للمواهب، بغض النظر عن مستواها، ومصادرةٌ قاسية لخيارات الناس، وخاصة الشباب في التعبير عن مشاعرهم وهواجسهم وأفكارهم، وليس من حق الكتاب (الكبار) القيام بالاعتداء اللفظي على أي شخص، فهو تصرّف يحاسب عليه القانون في البلدان المتحضرة، لاسيّما إذا ذُكر اسم الكاتب أو الكاتبة.
ثانياً: يبدو أن الكتاب (الكبار) يقعون في فخ صراع الأجيال، ولا يستطيعون احتواء الأصوات الجديدة التي تكتب بلغة مغايرة ومختلفة تمليها مفردات العصر وإيقاعه.
ثالثاً: على الكتاب الناضجين مطالبة دور النشر التي طبعت كتبهم تقديم مساءلة قانونية لأصحابها، بل رفع قضايا قضائية ضدهم لإهمالهم في التعريف بالإصدارات، وعدم تقديم كشوفات التوزيع، وعدم القيام بواجباتهم المهنية والأخلاقية والأدبية تجاه كتبهم، ولماذا يتقاضون مبالغ كبيرة مقابل مائة نسخة ويحتفظون بباقي النسخ. هناك كتب وعناوين تنفذ طبعتها الأولى، ولا يكلف صاحب دار النشر نفسه بالتواصل مع الكاتب لإبلاغه بهذا الخبر المفترض أن يكون مفرحا، لكن صاحب دار النشر يلتزم الصمت خوفا من مطالبة الكتاب بحقوقهم المادية!
هنالك نوع من الحسد يمارسه الكتاب الناضجون نحو الكتاب الشباب، وهناك إحساس بالمرارة أيضا لأن إصداراتهم تبقى أسيرة المخازن، ولا يكلف صاحب دار النشر نفسه بنشر خبر على الفيسبوك أو تويتر أو الانستغرام، وهي الوسائل التي يستخدمها الكتاب الشباب ودور النشر الجديدة، لأن الإعلام الثقافي يقف موقفا مريبا تجاه الكتابات الجديدة.
دعوا الناس يكتبون بأي طريقة يرونها مناسبة، دعوا الشباب يعبرون عن مشاعرهم وأفكارهم ومكنوناتهم، فمن يتعاطى الكتابة لا بد وأن يقرأ، وكتاب كثيرون من (المشهورين) مروا بمرحلة التلعثم في بداياتهم، وأعرف كثيرين منهم، وكنا، خلال عملنا الصحفي نقدم لهم التوجيهات والنصائح، واليوم ينظرون إلى أنفسهم بأنهم كبار، ويطالبون بوقف طباعة نتاجات الشباب، ويصفون نتاجات البعض بالتافهة.
شخصياً، أفرح لهذا الكم الهائل من الكتابات، وأتابعها، ففيها إضاءات كثيرة، وتدهشني أحياناً، فقط ينقصها الخبرة، وهذا لا يتحقق إلا بالتراكم، والزمن كفيل بهذا.