الحدث - علا عطاالله
يستبعد محللون وكتاب فلسطينيون، سيطرة تنظيم "داعش"، أو أي جماعات سلفية جهادية على قطاع غزة، أمام ما وصفوه بـ"القبضة الأمنية" المُحكمة لحركة "حماس".
ويرى المحللون، في أحاديث منفصلة لوكالة الأناضول إنّ حركة "حماس" التي لا تزال تسيطر على مقاليد الحُكم في قطاع غزة، ستبقى هي الجهة المسيطرة، على الأوضاع الأمنية والداخلية على "المدى البعيد".
وهدد مقطع مصور، بثته مواقع تابعة لتنظيم "داعش"، بإسقاط حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في قطاع غزة، بسبب عدم تطبيقها "الشريعة"، وممارستها التضييق الأمني على أنصاره.
وأظهر تسجيل فيديو نشرته مواقع مناصرة لداعش الثلاثاء الماضي، تهديد عدد من أفراد التنظيم بمهاجمة حركة حماس، وبجعل قطاع غزة واحدا من مناطق نفوذهم.
وتوعد عضو "ملثم"، في التنظيم الحركة بقوله:" إلى طواغيت حماس (..) بإذن الله سنقتلع دولة اليهود من جذورها وأنتم و(فتح) وكل العلمانيين ..أنتم زبد زائل يذهب مع زحفنا وستحكم الشريعة في غزة رغما عنكم."
وتابع:" نقسم برب الكعبة أننا قادمون وسيكون مصير القطاع كمخيم اليرموك".
وسبق أن هاجم التنظيم في إبريل/نيسان الماضي، مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في سوريا، واحتل مساحات واسعة منه، لكن عاد وسحب قواته منه.
ويسيطر تنظيم داعش على مساحات كبيرة في العراق وسوريا، وأعلن مسؤوليته عن شن هجمات في تونس واليمن ومصر.
ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمة في غزة (خاصة) عدنان أبو عامر، أن قطاع غزة سيبقى تحت سيطرة حركة "حماس"، ولن تتمكن أي جهات أخرى من التحكم فيه "بالقوة" وعبر إحداث "الفوضى" و"التوتر الأمني".
ويضيف أبو عامر أنه ما من احتمالية أن يحدث تغيير في الوضع السياسي والأمني في قطاع غزة في الوقت الراهن.
وتابع:" سيطرة جهات أخرى غير حماس في قطاع غزة، في ضوء قبضتها الأمنية المحكمة، غير وارد، كما أن حركة حماس تحظى بتوافق شعبي وجماهيري في مسألة الضبط الأمني، وعدم السماح لأي جهة كانت في بث الفوضى والعنف".
ويقول أبو عامر إنه وعلى بالرغم من أن قطاع غزة منطقة جغرافية صغيرة، وتعيش وسط تهديدات من أكثر من جهة إلا أن ذلك لن يمنع حركة حماس من إحكام وتشديد قبضتها الأمنية، ومنع أي "أحداث" من شأنها أن تغير خارطة الوضع الأمني في غزة.
ولا تتوافر معلومات دقيقة حول حجم التأييد لتنظيم "داعش" في قطاع غزة، ودأبت وزارة الداخلية على نفي أي وجود للتنظيم، لكنها تقول إنه "من الوارد والطبيعي كما في كل المجتمعات، أن يعتنق بعض الشباب الأفكار المتطرفة".
وفي التاسع عشر من كانون الثاني/يناير الماضي، قام مناصرو "داعش"، (نحو مائتين من الشبان) بالخروج في مسيرة علنية جابت شوارع مدينة غزة الرئيسية، للتنديد بالرسوم المسيئة للنبي محمد في صحيفة "شارلي إيبدو" الفرنسية.
وفي ظهورهم العلني الأول، وجه المناصرون التحية إلى زعيم تنظيم داعش، أبو بكر البغدادي، وحملوا الرايات السوداء التابعة لتنظيم.
وبررت الداخلية في قطاع غزة السماح لأنصار داعش بالخروج بقولها:" إن حرية الرأي والتعبير مكفولة في إطار احترام القانون والمحافظة على الأمن والنظام العام والحفاظ على الممتلكات العامة".
وبين الفينة والأخرى، تعلن مصادر أمنية فلسطينية، ومواقع محلية عن مقتل أحد الشبان الفلسطينيين من قطاع غزة، أثناء قتاله في صفوف تنظيم داعش في سوريا، والعراق.
ولا تتوافر معلومات دقيقة حول أعداد الفلسطينيين، الذي يقاتلون في صفوف التنظيمات الجهادية في سوريا والعراق.
غير أن صحيفة فلسطينية قالت في وقت سابق، إن نحو 100 شاب فلسطيني من قطاع غزة، يقاتلون في صفوف تنظيم "داعش".
ويقول مخيمر أبو سعدة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأزهر بغزة إنه وعلى الرغم من حالة التوتر بين مناصرين لداعش، وحركة حماس، إلا أن الأخيرة ستبقى هي الجهة المسيطرة على مقاليد الحكم.
ويرى أبو سعدة، أنه ما من خطر حقيقي على حركة حماس أو قطاع غزة، من قبل الجماعات السلفية الجهادية، أو مناصرين لتنظيم داعش.
وتابع:" موازين القوى تميل لحركة حماس، في كل شيء، سياسيا وأمنيا، لنفترض أننا نتحدث عن مئات المناصرين لداعش في قطاع غزة، في المقابل هناك آلاف العناصر من القسام والأجهزة الأمنية التابعة لها، ما يعني أن حركة حماس أقوى".
غير أن أبو سعدة لم يستبعد أن تقوم بعض الجهات المناصرة لتنظيم داعش باللجوء إلى أعمال عنف أو أحداث إرهابية في غزة، وهو ما يستدعي "يقظة الأجهزة الأمنية بشكل كبير".
ويشهد قطاع غزة، مؤخرا توترا كبيرا بين حركة (حماس)، وجماعات متشددة تناصر "تنظيم داعش"، وتشن الأجهزة الأمنية التابعة لوزارة الداخلية، حملات اعتقال في صفوفها.
وتقول حركة حماس، إن تلك الجماعات "خارجة عن القانون"، وتعمل على "زعزعة الأمن" في القطاع، وتتبنى أفكارا تكفيرية.
ولا تزال حركة "حماس" تسيطر على مقاليد الحكم في قطاع غزة، رغم إعلان تشكيل حكومة وحدة فلسطينية في الثاني من يونيو/ حزيران 2014، لم تتسلم مهامها في القطاع، بسبب استمرار الخلافات السياسية بين حركتي "حماس" و"فتح".
ويرى أبو سعدة، أن حركة حماس مطالبة بتفعيل الحوار الفكري مع مناصرين لتنظيم داعش، ومنع أي تمدد لهم.
وكان النائب سالم سلامة، النائب عن حركة حماس في المجلس التشريعي الفلسطيني، كشف عن إجراء "حوارات فكرية" مع نشطاء "متشددين"، يناصرون تنظيم داعش في قطاع غزة.
وقال سلامة وهو رئيس رابطة علماء فلسطين (تجمع غير حكومي) في تصريح سابق لوكالة الأناضول للأنباء:" حركة حماس ومن خلال العلماء والدعاة، قامت مؤخرا بمحاورة السلفيين الذين يتبنون أفكارا متطرفة، ويؤيدون تنظيم داعش".
وأضاف سلامة:" من يتم اعتقالهم من قبل الأجهزة الأمنية (لا تزال تسيطر عليها حركة حماس)، على خلفية ارتكابهم لأعمال تخل بالأمن، وتورطهم بفعل الفكر المتشدد، يتم محاورتهم فكريا، ودينيا، لثنيهم عن التطرف، والعدول عن ميولهم، والتأكيد عليهم أن الدين الإسلامي لا يؤخذ بالمغالبة".
وفي وقت سابق نفى خليل الحية عضو المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، أي وجود واقعي لتنظيم "داعش"، في قطاع غزة.
وأضاف الحية، في تصريحات صحفية له إن الحديث عن وجود تنظيم داعش بغزة "مُضخم إعلاميا"، مشيرا إلى أن كافة المؤشرات والمعلومات الأمنية تدحض أي وجود للتنظيم على الأرض.
وتابع "رصيد داعش لا يتعدى التأييد من بعض الشباب الذي يتنقلون كل عام من راية لراية".
وتقول وزارة الداخلية إنها لن تتهاون مع أي جهة أو أفراد تسعى لنشر الفوضى والمس بأمن قطاع غزة، ولن تسمح لأي جهة كانت بأن تتجاوز حدودها.
ومن جانبه، يرى مصطفى الصواف الكاتب السياسي في صحيفة "الرسالة" المقربة من حركة "حماس"، أن تنظيم داعش لن يستطيع أن يجد له "موطئ قدم"، في قطاع غزة.
ويضيف:" لا وجود عملي، ولا هيكلي لهذا التنظيم، قد يوجد من يناصره، ويؤيده، من بعض الشبان، لكن على أرض الواقع، حركة حماس تسيطر أمنيا ولا تسمح لأي جهة كانت بأن تقوم بالإخلال في الأمن ".
وأكد الصواف، أن الفلسطينيين في قطاع غزة، يعطون ثقتهم الكاملة لحركة حماس، في ضبطها للأمن، وهو ما يعطيها حافزا للقضاء على أي مظاهر من شأنها أن تنشر الفوضى والفلتان.
واستدرك بالقول:" هناك التفاف كبير من الفلسطينيين، لرفض ونبذ أي جماعات تحمل الفكر المتطرف والتكفيري، وإجماع على فرض الأمن".
وعلى مدار سنوات حكمها لقطاع غزة (2007-2014) والذي لا تزال تسيطر عليه رغم تشكيل حكومة الوفاق الوطني في الثاني من حزيران 2014، دأبت حركة "حماس "على ملاحقة التنظيمات المعتنقة للفكر"الجهادي" المتشدد، أمنياً.
وفي الرابع عشر من آب العام 2009 ، داهمت الأجهزة الأمنية التابعة لحكومة "حماس" السابقة، مسجد ابن تيمية، في مدينة رفح في جنوب قطاع غزة، واشتبكت في معارك طويلة مع أتباع شيخ سلفي يُدعي عبد اللطيف موسى، الذي أعلن عقب صلاة الجمعة إنشاء "إمارة إسلامية" في أكناف بيت المقدس، وأسفرت الاشتباكات عن مقتل الشيخ موسى، وقرابة 20 آخرين.
ولم تكن تلك الحادثة، كما يرى مراقبون، سوى إعلان حرب حقيقية، من قبل حركة المقاومة على تنظيمات "السلفيّة الجهادية" والتي بدأت تنشط مع بروز نجم تنظيم "القاعدة" في أعقاب هجمات الحادي عشر من أيلول العام 2001.
* الأناضول