سامي سرحان
يبدو أن ولادة اتفاق الإطار في 29 آذار القادم لن تتم، رغم أن مدة الحمل الطبيعية المتفق عليها تكون قد اكتملت بالتمام والكمال. فالجنين الذي بشّر به السيد جون كيري وزير الخارجية الأمريكي قد “رقد” في بطن أمه ثلاثة أشهر إضافية وربما إلى نهاية العام 2014. فهل يقبل أهل المولود بهذا المخلوق الذي طالت مدة حمله على غير العادة وعلى غير اتفاق، فربما جاء هذا المخلوق مشوهاً أو ميتا، فمدة الحمل إن طالت على غير العادة لا تأتي بمولود سليم.
لقد بذل السيد كيري أقصى جهده وعرّض نفسه للإهانة والمس بكرامته للتوصل إلى اتفاق إطار يرضى عنه الفلسطينيون والإسرائيليون نسبياً. غير أن السيد نتنياهو بذل جهداً مضاعفاً في الاتجاه المعاكس لجهود كيري فأمر ببناء آلاف الوحدات الاستيطانية في الضفة وعزز قبضته الأمنية من خلال زرع المستوطنات وهدم وطرد الفلسطينيين من الأغوار، متبعاً بذلك خطى سلفه أريئيل شارون الذي حث الجميع (حكومة ومستوطنين) على التحرك بسرعة لكي يستولوا على أكبر عدد ممكن من قمم التلال لتوسيع المستوطنات لفرض أمر واقع، “فكل ما سنأخذه سيبقى لنا، وكل ما لا نأخذه سيذهب إليهم”.
لم توقف تصرفات نتنياهو جهود كيري فأطلق الأول العنان لأعضاء في حكومته لينالوا من وزير الخارجية الأمريكي بالتجريح والشتيمة. ولما لم يعر كيري هؤلاء اهتماماً انبرى نتنياهو بنفسه ليصف تصريحات لكيري في ميونيخ على هامش مؤتمر للتعاون الأمن “بغير الأخلاقية ولا مبرر لها”. فماذا قال كيري حتى استحق هذه الإهانة غير المتوقعة من رئيس وزراء دولة تعتمد في وجودها وحياتها ورفاهيتها على دعم الولايات المتحدة الاقتصادي والمالي والعسكري والسياسي؟
قال كيري: “إن نسف المحادثات الفلسطينية الإسرائيلية سيؤدي إلى رد فعل دولي قاس. وإن حالة الامن والازدهار التي تعيشها إسرائيل حالياً ليست إلاّ وهماً، وسوف تتغير في حال فشلت المفاوضات. منوهاً إلى احتمال تصاعد الحملة الرامية إلى نزع شرعية إسرائيل دولياً.
ولم يكن بعيداً عن صراحة كيري في نقد سياسة حكومة نتنياهو اليمينية أعضاء في الحكومة مثل تسيفي ليفني وأعضاء من ميرتس وحزب العمل واليسار الإسرائيلي على وجه العموم، فهناك تخوف جدي في إسرائيل من عزلة جولية على غرار ما فرضه المجتمع الدولي على دولة جنوب أفريقيا إبان الحكم العنصري.
ولم يكن اجتماع اللجنة الرباعية الدولية للشرق الأوسط على هامش مؤتمر ميونخ التي غابت عن ممارسة دورها واكتفت بدور المراقب عن بعد لم يكن بعيداً عن جهود كيري في تفعيل دور المجتمع الدولي ومشاركته في ولادة اتفاق الإطار، وأعلنت اللجنة في ختام اجتماعها دعمها الكامل للجهود التي يقودها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري. ووضعت كاترين أشتون التي ترأست الاجتماع أن هذا الاجتماع ينعقد في لحظة يجب أن تتخذ فيها قرارات صعبة وشجاعة للتوصل إلى اتفاق سلام بين الجانبين يضع حداً لهذا النزاع مشيرة إلى أن المجتمع الدولي على استعداد لتثبيت هذا الاتفاق ودعمه، ليس بالكلمات فقط، ولكن بالدعم الفعلي اللازم لإنجاحه.
تفاصيل اتفاق الإطار لا يمكن التكهن بها، فإلى هذه اللحظة لم يقدم الجانب الأمريكي شيئاً رسمياً أو مكتوباً للجانب الفلسطيني يستلزم إطلاع الشعب الفلسطيني والقيادة الفلسطينية والدولة العربية عليه حسب ما صرح به د. صائب عريقات بعد لقائه كيري في واشطن. وما يطلبه الجانب الفلسطيني من كيري بات واضحاً ومعلوماً: أن يطبق القانون الدولي والشرعية الدولية والقرارات التي دعت إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وانسحاب إسرائيل إلى خط الرابع من حزيران 1967 وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية وحل قضية اللاجئين استناداً إلى القرار 194. أما إذا ذهب كيري باتجاه ما هو ممكن وما هو غير ممكن بمعنى ماذا نستطيع عمله وما لا نستطيع عمله، هنا نجد أنفسنا في حالة تكرار نفس السيناريوهات السابقة.
بنيامين نتنياهو الذي ثار غاضباً على كيري طالب أن يتضمن اتفاق الإطار: أولاً الاعتراف بيهودية الدولة كشرط ضروري، وهو ما لا يوافق عليه رئيس هذه الدولة شمعون بيريس. ثانياً: ضرورة قصوى لوضع ترتيبات أمنية متينة يجب أن تشمل انتشاراً طويل الأمد لجيش “الدفاع” في منطقة غور الأردن. ثالثاً: الصيغة المختصرة لحل الدولتين وحل السلام هي إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح تعترف بدولة إسرائيل. رابعاً: وجود إداري لسلطة الدولة الفلسطينية المستقبلية في ضواحي القدس الشرقية.
إن حكومة نتنياهو هي التي لا ترى المشهد على حقيقته ترفع سقف مطالبها لتجبر كيري على رفع يدهم مستسلماً ومعلناً عجزه عن تقديم اتفاق إطار ملزم لإسرائيل، وبالتالي لا تمانع من الموافقة عليه والدخول في مفاوضات مراثونية تفضي إلى إفراغ بنود اتفاق الإطار غير الملزم من مضمون عملي يؤسس لاتفاق على الحل النهائي