لا يبدو الحماس واضحاً على وجه محمود الأسطل، وهو يوشك على الانتهاء من ترميم منزله، وإعادة تأهيله بعد عام على تضرره بشكل جزئي، جراء الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة، صيف العام الماضي، والتي ولدت مشاعر الإحباط واليأس في نفوس الكثير من سكانه.
ويفقد الأسطل (46 عاماً) الشعور تجاه أي شيء جديد، كما يروي للأناضول، خشية فقدانه في حرب أخرى، مشيراً إلى أن "قسوة العدوان الإسرائيلي الأخير زادت من مخاوف الفلسطينيين بمستقبل آمن، وحياة هادئة".
ويقول الأب لخمسة أطفال أصيب 3 منهم في تلك الحرب: "وأنا أرمم بيتي المكون من طابقين، من جديد، وأزيل آثار القذائف والصواريخ، كان لدي شعور وحيد وهو أنني سأفقد هذا البيت مرة أخرى، الوضع في غزة يبعث على الإحباط واليأس".
ولم يؤثث الأسطل بيته بأثاث فاخر، كما كان عليه الحال قبل الحرب، مستدركا بالقول: " مكتوب علينا نُعمّر وإسرائيل تُدمر".
وبعد مرور عام على الحرب، لا تزال نور خضير، تعاني من آثار الحرب النفسية، كما تقول للأناضول.
وخضير (36 عاماً) (أم لستة أبناء) تعيش في منزل يعود لأحد أقاربها بعد أن قصفت الطائرات الإسرائيلية بيتها وأحالته إلى أكوام من الدمار.
بنبرة غضب تحدثت:" الحرب لم تنته، لقد فقدنا كل ما نملك، نعيش في ظروف نفسية قاسية، في كل يوم أحلم بالعودة إلى منزلي، لكن يبدو أن الوضع يزداد سوءا"
ولا يزال نحو 22 ألف فلسطيني مشردين، حتى اللحظة في مراكز الإيواء والمساكن المؤقتة، أو لدى عائلاتهم الممتدة، وفق إحصائيات لوزارة الأشغال العامة والإسكان.
وكانت دراسة أصدرها "المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان" (مستقل)، ووزارة شؤون المرأة في غزة، في ديسمبر/كانون أول 2014، أظهرت أن النساء دفعن "الفاتورة" الأعلى جراء الحرب، وما خلفتها من آثار “جسدية ونفسية”.
ووفق تلك الدراسة، فإن 489 امرأة استشهدن خلال تلك الحرب، حيث شكلنّ 22% من إجمالي الضحايا البالغ عددهم 2147 شخصاً، بينهم 578 طفلاً، و102 مسن، فيما جُرح 11 ألفا آخرين.
وتشكو سهى حمادة (27 عاماً) وهي أم لثلاثة أطفال، من اضطراب وخوف صغارها، الذين يرفضون النوم بمفردهم في الغرفة.
وتقول حمادة للأناضول: "رغم مرور عام على الحرب، إلا أن أطفالي يرفضون البقاء في الليل لوحدهم، لا زالوا يعانون من كوابيس العدوان، وأصوات القصف، ما جرى لم يكن سهلاً، لقد فقدنا نحن الكبار الشعور بالأمان، فما بالنا بالأطفال".
وأظهر تقرير نشرته منظمة أنقذوا الأطفال (Save the Children ) (بريطانية غير حكومية) بعنوان (كابوس حي: غزة بعد سنة)، أن ثلاثة أرباع أطفال غزة يعانون التبول اللاإرادي بشكل منتظم، فيما يفيد 89% من الآباء أن أطفالهم لديهم متاعب من مشاعر الخوف المستمر، وأن 70% من الأطفال يخشون حرباً أخرى، وأن 7 من 10 أطفال تمت مقابلتهم يعانون كوابيس بشكل منتظم.
وقالت المنظمة إن "الشعور العميق بالموت واليأس في غزة، يتضاعف في غزة حيث الوعود بإعادة الإعمار بالكاد تمضي، وأن التوقعات أكثر قتامة مما كانت عليه في أي وقت آخر".
وبحسب وزارة الشؤون الاجتماعية الفلسطينية، فإن الحرب خلّفت نحو 2000 يتيم.
سائد سكيك، يرفض من جانبة أية محاولات من قبل والديه لإقناعه بالزواج، فالشاب البالغ من العمر 29 عاماً، يفكر بالهجرة إلى الخارج.
وعن سبب تفكيره بهذا، يقول سكيك: " للأسف غزة ليست مدينة للحياة، الموت فيها لا يتوقف، لا أشعر برغبة بتأسيس أسرة هنا، أريد أن أهاجر، صديقي قبل أشهر غادر القطاع، وأنا أريد أن أفعل مثله".
وأظهر استطلاع للرأي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية (غير حكومي) في 10يونيو/حزيران الماضي، أن نحو نصف سكان قطاع غزة (البالغ عددهم 1.8 مليون شخص) يرغبون في الهجرة من فلسطين.
وفي السابع عشر من مايو/أيار الماضي، غادرت 6 عائلات فلسطينية وسورية مكونة من نحو 27 شخصاً، قطاع غزة، عبر معبر بيت حانون " إيريز"، (شمال)، متجهة إلى السويد، بعد حصولها على موافقة رسمية للهجرة والإقامة هناك، بالتنسيق مع المفوضية العامة للاجئين في الأمم المتحدة، وبتسهيل من اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
ومؤخراً، هاجر العشرات من سكان غزة، بطرق غير شرعية، عبر قوارب المهاجرين في البحر، بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وآثار ما خلفته الحرب الإسرائيلية.
وفي منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، غرق قارب يقل عشرات الفلسطينيين، من الساعين للهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، قبالة شواطئ مالطا والاسكندرية (شمالي مصر)، ومازال مصير نحو 400 شخص منهم مجهولاً، وفق منظمة الهجرة الدولية.
ويقول درادح الشاعر، أستاذ علم النفس، في جامعة الأقصى بغزة، للأناضول، إنّ "قسوة العدوان الإسرائيلي، وما خلفه من دمار هائل، ومجازر بحق الأطفال والنساء، ولدت مشاعر الإحباط واليأس في نفوس الفلسطينيين، وأفقدتهم القدرة على التفكير بالمستقبل".
ويضيف:" البطالة ترتفع، والفقر يزداد، نتحدث عن 3 حروب في 6 سنوات ((2008-2009/ 2012) ، عن منطقة باتت مسرحاً للعنف والدمار، والأوضاع تزداد سوءا يوما بعد آخر، التفكير في الهجرة بات بالنسبة لكثيرين هو الحل".
وتسببت الحرب الأخيرة، برفع عدد العاطلين عن العمل إلى قرابة 200 ألف عامل، يعيلون نحو 900 ألف نسمة، وفق بيان لاتحاد العمال الفلسطينيين.
وخلال 51 يوما من الحرب، قدّرت وزارة الاقتصاد الفلسطينية الخسائر الاقتصادية الإجمالية المباشرة وغير المباشرة، في المباني والبنية التحتية، وخسائر الاقتصاد الوطني في قطاع غزة بكافة قطاعاته الاقتصادية 5 مليارات دولار تقريبا.
ولحق الضرر بـ 500 منشأة اقتصادية من المنشآت الكبيرة و الاستراتيجية، والمتوسطة والصغيرة.
وفي 22 مايو/أيار الماضي، أصدر البنك الدولي، بيانًا قال فيه إنّ "نسبة البطالة في قطاع غزة وصلت إلى 43%، وهي الأعلى في العالم، وأن نحو 80% من سكان القطاع يحصلون على "إعانة اجتماعية"، ولا يزال 40% منهم يقبعون تحت خط الفقر".