غزة - نور أبو عيشة
ما أن انتهى المواطن الغزيّ درويش الجاعوني (60 عاماً) من خلط المقادير الثابتة الجافة من الدقيق الأبيض والسكر والخميرة حتّى بدأ بصبّ الماء عليها، فتكوّنت لديه عجينة رخوة هي أساسُ صنع "القطائف".
بأحجامٍ مختلفة، يسكب الجاعوني العجينة على صفيحٍ حديدي ساخن يطلق عليه اسمه "فرن القطائف"، فتتماسك القطع التي تكون على شكل دوائر، وتشكل أقراصاً دائرية مزركشة الأطراف، ذهبية اللون.
يبدأ الجاعوني بعد ذلك بمساعدة أبنائه في فرز الأقراص حسب أحجامها المختلفة، الكبيرة لتشكيلها على هيئة أهلّة، والصغيرة مخصصة "للعصافيري" كما يسميها أهل الشام.
ولا تظهر حلوى "القطائف"، في قطاع غزة سوى في شهر رمضان، وتختفي عملية صناعتها وبيعها بعد انقضاء الشهر.
وتعددت الروايات في تأريخ "صناعة القطائف"، إذ تقول إحدى الروايات أنها تعود للعهد الأموي وأخرى للعباسي، بينما تذكر الرواية الأكثر تداولاً أنها تعود للعهد "المملوكي"، حيث جمع أحد الملوك المملوكيين صانعي الحلوى وطلب منهم تقديم صنفا لم يصنعه أحد من قبل، فابتكر أحد الحلوانيين فطيرة محشوة بالمكسرات تُسمى بـ"القطائف".
وتعتبر حلوى القطائف من حلويات شهر رمضان الأكثر صناعةً بقطاع غزة، خاصة أنها رخيصة الثمن، يستطيع الفقير والغنيّ صناعتها أو شرائها، كما يقول الجاعوني لمراسلة "الأناضول" للأنباء.
ويتابع الجاعوني الذي ورث مهنة صناعة القطائف عن أجداده:" لا يمكن لشهر رمضان أن يمر على قطاع غزة، دون أن يحضر أهلها حلوى القطائف، التي تتميز بعجينتها الهشة المفيدة صحيا للصائم في شهر رمضان".
ويصل سعر الكليو الواحد من عجينة القطائف لـ(8 شواكل)، أي ما يعادل (2 دولار أمريكي).
ويبيّن أن حلوى القطائف يمكن أن يتم حشوها بمكونات مختلفة، مضيفاً:" إما أن نحشوها بالمكسرات، أو باللبن وجوز الهند، أو بالتمر، أو بالقشطة".
ولفت إلى أن الناس اعتادت على أكل القطائف إما مشوية بالفرن، أو مقلية، أو نيئة بعد غمسها بـ"القطر" –الماء والسكر-.
وعن القيمة الصحية لحلوى "القطائف"، يذكر الجاعوني أن قيمتها الغذائية جاءت من القيمة الغذائية للدقيق، والسعرات الحرارية التي تتكون منها تلك العجينة.
واستكمل:" إذا تم حشوها بالمسكرات فيستفيد جسم الصائم من زيوت تلك المسكرات، وإذا تم حشوها باللبن فيستفيد الصائم من تلك البروتينات، وكذلك الأمر إذا تم حشوها بالتمر، بكل الأحوال تمدّ جسم الصائم بالطاقة اللازمة، كي تعينه على القيام بأعماله في نهار صومه المقبل".
وفي ذات السياق، تفضّل المواطنة الغزية جميلة رائد (47 عاماً)، ربة منزل، تحضير عجينة القطائف داخل منزلها، مشيرةً إلى أن ذلك النوع من الحلويات يعتمد على ذوق صانعه.
وتابعت:" أقوم بتحضير العجينة، بمكوناتها البسيطة، داخل البيت، ومن ثم أقوم بتوزيع الكثير منها على بعض المحتاجين بغزة، فأعينهم في تحمل شهر الصيام، حتى ولو بجزء بسيط".
ولجأ صانعو القطائف بقطاع غزة لاستحداث طرقٍ جديدة لصناعة القطائف، بشكل يجذب المستهلكين لشرائها.
فوضع الفلسطيني أيمن عقل، صاحب محل للصناعة القطائف بمخيم النصيرات، وسط قطاع غزة، "بودرة الكاكاو"، على عجينة القطائف ليعطيها لوناً كـ"لون الشوكلاته".
وقال للأناضول:" بودرة الكاكاو تعطي عجينة القطائف مجرد اللون، لكنها لا تغيّر من مذاقها، وبهذا الشكل نشجع المواطنين على الشراء منها، خاصة وأنها زهيدة السعر".
وأما أحمد رضوان (32 عاماً)، والذي يعمل في صالون للحلاقة بمدينة غزة، فيقول إنه بالرغم من تردي الوضع الإقتصادي إلا أن حلوى القطائف باتت أكلة شعبية بغزة، لا يمكن أن يمرّ يوما دون تحضيرها بعد وجبة الفطور.
ويتابع:" حتّى في حال عدم توفر النقود لشراء المسكرات ونحوه، نقوم بقليها وتغمسيها بالقطر، أو حشوها بجوز الهند فقط، فهي عادة غزية، ذات قيمة غذائية هامة جدا في شهر الصيام".