السبت  23 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

العدد 43| كيف تُدير حماس صراعاتها الداخلية والخارجية؟

2015-07-14 01:07:36 AM
العدد 43| كيف تُدير حماس صراعاتها الداخلية والخارجية؟
صورة ارشيفية

  

 
رام الله - محمود الفطافطة
 
تعتبر دراسات إدارة الصراع من الحقول بالغة الأهمية في عالمنا المعاصر، حيث نشأ ذلك الحقل لدى الغرب بشكل مستقل في خمسينيات القرن العشرين، وتطور في فترة الحرب الباردة وما بعدها ليشمل إدارة وحل الصراع، مما أثّر في الصراع العربي الإسرائيلي كأبرز أنواع الصراعات الدولية التي نشبت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.
يوجد الكثير من أشكال إدارة الصراع في عالمنا العربي؛ بعضها حقق نجاحاً ملحوظاً عبر التراضي أو التحكيم الدولي، ومنها ما زال " يجاهد" في إدارته لهذا الصراع أو ذاك نتيجة لطبيعة وتحولات السياسية الداخلية والخارجية لبيئة هذه الصراعات. ومن النماذج التي لا تزال تواصل إدارتها للصراع حركة المقاومة الإسلامية " حماس". في هذا التقرير سنتطرق إلى كيفية إدارة ومعالجة حماس للصراع؛ سواء مع الاحتلال الإسرائيلي أو إزاء السلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير .
 
استراتيجيات وقواعد!!
يقول الخبير في شؤون " حماس " د. مجدي عيسى: أدارت "حماس" صراعي القضية والسلطة معا باستراتيجيات ثنائية متعارضة مع إسرائيل والسلطة الفلسطينية (المنظمة، فتح)، حيث أنها لا تستطيع تبني إستراتيجية تصعيد (تسخين) أو إستراتيجية تهدئة (تبريد) الصراع مع كلا الطرفين في ذات الوقت، فقانون الصراع يتطلب من الحركة في حال قيامها بتصعيد الصراع مع أحد الأطراف أن تقوم في المقابل بتهدئة الصراع مع الطرف الآخر.  ويضيف " كان هناك تحول دائم في سياسات واستراتيجيات "حماس" تجاه السلطة وإسرائيل، حيث شهدت فترة ما بعد السيطرة المسلحة للحركة على قطاع غزة عام 2007، تغييرات هامة وواضحة على استراتيجياتها تجاه صراعي السلطة والقضية، إذ تحولت إستراتيجية الحركة من التعايش مع السلطة ومهادنتها ورفض المشاركة فيها إلى مواجهتها والسيطرة عليها والمشاركة فيها وذلك في إطار بحثها عن الشرعية الدستورية. فيما تحولت إستراتيجية الحركة تجاه الاحتلال الإسرائيلي من المقاومة وتصعيدها في العمق الإسرائيلي إلى التهدئة ووقف هجوم المقاومة كاستحقاق للبقاء في السلطة".
ويبين د. عيسى ـ الذي أعد مؤخراً أطروحة دكتوراه حول إدارة حماس للصراع من جامعة تونس المنار ـ أن حركة حماس مازالت لم تحسم أمرها بإعادة النظر في العديد من قيود مرجعياتها الأيديولوجية المرتبطة بصراع السلطة على وجه التحديد، لا سيما في ظل استمرار سيطرتها المسلحة على السلطة في قطاع غزة، فيما إسرائيل والولايات المتحدة تستغلان ذلك الواقع ليصنعا الحاضر والمستقبل حسب مشيئتهم وإرادتهم ووفقا لمصالحهم الإستراتيجية" . ويوضح " بات من الضروري أن تدرك مرجعيات "حماس" أن إدارتها للصراع أدت إلى خسارتها العديد من مؤيديها ومناصريها في العالم، وكذلك التشكيك في مصداقية الحركة من حيث كونها حركة تحرر وطني لها مشروعها الوطني أم أنها أداة بيد التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين ذو الأهداف الأممية والمشروع الإسلامي الخاص؟".
في كتابهما " دراسة الفكر السياسي لحركة حماس" يبين جواد الحمد وإياد البرغوثي أن استراتيجيات "حماس" في إدارة صراعها مع المشروع الصهيوني تتمركز حول أربعة أسس رئيسة، أولها: أسلمة المجتمع الفلسطيني: بوصفها حركة إسلامية، تسعى "حماس" إلى تغيير المجتمع نحو تبني المنهج الإسلامي في الحياة المدنية كما في الحكم. كما أن أسلمة المجتمع الفلسطيني تشكل قاعدة انطلاق للحركة وعامل دفع لمسيرتها في مواجهة الاحتلال على المدى القريب والمتوسط، وتقليل إمكانات الاختراق والاحتواء، وصهر الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني بعروبته وإسلامه.وثانيها: الجهاد والمقاومة المسلحة ضد الاحتلال: تعتمد "حماس" وسيلة المقاومة في إطار الجهاد في سبيل الله كأساس في تعاملها مع الاحتلال بوصفه قائما على الاغتصاب والإرهاب. والجهاد من وجهة نظر ميثاق "حماس" ليس مجرد كفاح مسلح فقط، أو كفاح مسلح مرتبط بأي عقيدة كانت، بل هو جهاد في سبيل الله وإقامة دولة الإسلام على أرض الإسراء والمعراج.
أما ثالث هذه الأسس: استهداف تحرير كامل فلسطين: تضع "حماس" تحرير كامل فلسطين هدفا استراتيجيا لها، وهي لا ترى مانعا من انجازه على مراحل شريطة أن يظل هذا الهدف قائما، مع قناعاتها المطلقة أن النصر على الصهاينة حتمي، برغم الظروف المعيقة التي قد تحيط بالشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية لمدة من الزمن. ورابعها: دعم الوحدة الوطنية والعربية والإسلامية: تعتقد " حماس" أن المعركة الواحدة مع العدو الصهيوني تجمع الأمة العربية والإسلامية لتتصاغر أمامها الخلافات الطائفية أو الحدودية أو الشخصية أو السياسية بين الأفراد أو القوى أو الطوائف أو الحكومات.
 
جدلية الدولة والتحرير!
إن قبول "حماس" بالحل المرحلي للقضية الفلسطينية يطرح تساؤلات عدة؛ كيف يُمكن للحركة القبول بالحل المرحلي مع تأكيدها في مواقفها على مبدئية الصراع؟ وهل يعتبر قبولها بالحل المرحلي تجاوزا للحل المبدئي لما طرحه ميثاقها ومواقفها التي حددت سلفا ثوابتها في الصراع وفهمها الأيديولوجي لإدارته وكيفية إنهائه وحسمه؟.  وقد رأت الحركة أن قيام الدولة مرتبط ارتباطا عضويا بإنجاز هدف التحرير، حيث تؤمن الحركة بأن التحرير والدولة خطان متلازمان لا افتراق بينهما، يؤدي الأول بالضرورة للوصول إلى الثاني. وبالرغم من العلاقة الجدلية بين هدفي التحرير والدولة، إلا أن الحركة تطرح أولوية التحرير على الدولة، إذ لا يمكن إقامة الدولة قبل إنجاز التحرير. وفي هذا الصدد، يوضح موسى أبو مرزوق: "إن إقامة الدولة الفلسطينية أمر سابق لأوانه، في المنظور القريب، فحركة حماس حركة مقاومة، وإذا ما أتيح لهذه المقاومة تحقيق هدفها وهو تحرير فلسطين، فبعد مرحلة التحرير تأتي مرحلة إقامة الدولة".
 وفي ضوء التركيز على التحرير بهدف الوصول إلى الدولة، عاشت الحركة إشكالية الصراع الفكري بين الحل المبدئي والحل المرحلي للقضية الفلسطينية. فالحل المبدئي يعني العمل على تحرير فلسطين بحدودها التاريخية المعروفة، من النهر إلى البحر. إن الحل المبدئي للقضية الفلسطينية وضع حركة حماس أمام مأزق التساؤل التقليدي حول مصير الوجود اليهودي الاستيطاني في فلسطين. ولا شك في أن الإجابة على هذا التساؤل تتطلب وجود نظرية سياسية إسلامية تعالج إشكالية الصراع مع إسرائيل، وأزمة وجودها في فلسطين. إلا أن مثل هذه النظرية ما زالت غائبة حتى هذه اللحظة، فقد حاول الشيخ أحمد ياسين الإجابة على ذلك التساؤل بالقول: "نفترض أن الجميع يجب أن يعيشوا في فلسطين، ويحكموا بحسب رأي الأغلبية، وذلك بعد عودة جميع من هجر وهاجر من الفلسطينيين".
إلا أن هذا الطرح الذي قدمه الشيخ ياسين، لا يشكل نظرية متماسكة تستطيع الرد على الإعلام الصهيوني، الذي يروج بشكل دائم أن هدف العرب وحركة حماس هو تدمير إسرائيل. ولهذا، قدمت حركة حماس طرحا أكثر تطورا للإجابة على ذلك التساؤل، تمثل في اقتراح "إقامة الدولة الإسلامية الكبرى في المنطقة، وهي الدولة التي من المفترض أن تقوم لاحقا ويعيش فيها اليهود كمواطنين لا ككيان ذي سيادة".
  
أيديولوجيا، مرجعيات والقيود
وتعليقا على هذا التصور الذي قدمته الحركة، أشار خالد الحروب إلى أن هذا الطرح يشبه أو يقارب طرح الدولة الديمقراطية العلمانية الذي تقدمت به حركة فتح في أوائل سبعينيات القرن الماضي. وبيّن الحروب أن هذا الطرح أجاب عن تساؤل إسلامي مستقبلي، بشأن الموقف إزاء اليهود في وضعهم الجديد، أكثر مما أجاب عن تساؤل حالي ذي علاقة بقوانين السياسة المعاصرة المبنية على مفهوم الدولة القطرية ذات الحدود الواضحة.
وبالعودة إلى حديث د. عيسى فإنه يرى أن الحركة تدير صراعاتها وفق منهج خاص يراعي مصالحها الخاصة ومشروعها السياسي ذو الصبغة الدينية الإسلامية، الذي تسعى إلى تحقيقه على المدى الاستراتيجي البعيد، وهو الأمر الذي يفترض أن الأيديولوجيا هي المرجعية الرئيسة في إدراك وفهم حركة حماس لصراعاتها. ويفترض د. عيسى أن الممارسة السياسية لحركة حماس في إدارة الصراع هي انعكاس لإرادتها الأيديولوجية، خاصة وأن "حماس" لم تتجاوز في ممارستها السياسية، غالبا، حدود وقيود الأيديولوجيا التي تؤمن بها الحركة.
ويشير إلى أن مواقف "حماس" خلال ممارستها للصراع لم تكن تتسم دائما بالتشدد؛ وإنما كانت تتراوح بين المرونة والتشدد وفقا للمرحلة السياسية وما تتطلبه من اتخاذ موقف أكثر ملاءمة في إطار إدارة الحركة للصراع. وبهذا، لم تكن المرجعيات الأيديولوجية تعني، بحال من الأحوال، تشدد الحركة بشكل دائم، أو قلة مرونتها أو عدم استخدامها للمنهج البراغماتي؛ وإنما كان يعني تقييد الحركة وتكبيلها بالمحددات الأيديولوجية، بحيث أنها مطالبة بشكل دائم عند اتخاذ أي موقف أو قرار بأن تراعي توافق ذلك الموقف أو القرار مع المرجعيات الأيديولوجية للحركة وعدم تعارضه معها. 
هذه المرجعيات( وفق الباحث د. عيسى) قد شكلت قيودا كبيرة على إدراك الحركة وفهمها لتناقضاتها وصراعاتها، وقد ساهمت تلك القيود في محافظة الحركة على تماسكها الأيديولوجي من جهة، إذ نجحت الحركة في تجاوز العديد من المآزق الفكرية بتقديم طروحات أكثر تقدما ناورت بها سياسيا ولم تتجاوز بها محدداتها وثوابتها الأيديولوجية، ومن جهة أخرى كان لتلك القيود أثرها العميق على الممارسة السياسية في إدارة الصراع بحيث جعلها تبدو في حالة ارتباك دائم، كونها تصارع على جبهتين متعارضتين.
ويؤكد أن "حماس" استخدمت إستراتيجيتين مختلفتين في إدارة صراعيها مع السلطة الفلسطينية وإسرائيل، إذ تبنت إستراتيجية استئناف المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي بعد توقفها لعدة سنوات بسبب التنسيق الأمني بين السلطة وإسرائيل، فقامت الحركة بتصعيد انتفاضة الأقصى والعمل على عسكرتها، وكذلك تبنت "حماس" إستراتيجية المواجهة مع السلطة الفلسطينية، حيث بدأ الصدام المسلح بين الحركة والسلطة الفلسطينية، بعد ازدياد قوتها الشعبية في الشارع الفلسطيني.
هذه المواقف والسياسات التي تبنتها "حماس" خلال ممارستها لإدارة الصراع، والمرتكزة إلى قيود المرجعيات الأيديولوجية، أدت إلى ارتباك في الممارسة السياسية للحركة، وبالتالي، فإن تفاعل المحددات الرئيسية للصراع، من مرجعيات أيديولوجية وممارسة سياسية، أثّر بشكل عميق على إدارة حركة حماس للصراع، بحيث أن القيود المفروضة على المرجعيات الأيديولوجية جعلت الممارسة السياسية للحركة في حالة شديدة من الارتباك.
 
 
بين رحابة الشعار وشرنقة الواقع!
وفي اطلاع ، لبعض الأدبيات، على كيفية إدارة حماس للصراع يتبين أنه رغم تقدم "حماس" بطروحات براغماتية عديدة، تجاوزت فيها رؤيتها الأيديولوجية الرافضة للانضمام لمنظمة التحرير بسبب تبنيها المنهج العلماني، إلا أن تلك الطروحات بقيت شكلية ليس لها صدى في الواقع السياسي، إذ أن الحركة لغاية اليوم لم تنضم بشكل فعلي لمنظمة التحرير أو تقر بشرعية ووحدانية تمثيلها للشعب الفلسطيني، وهي بذلك عبّرت عن قدرتها على المناورة السياسية التي تكفل لها الثبات على مبادئها الأيديولوجية، وتساعدها على الوصول إلى السلطة التي تضمن لها شرعية التمثيل والسيطرة على القرار. 
كذلك، فإنه يتضح أن المرجعيات الأيديولوجية لحركة حماس قيّدت إدراك وفهم "حماس" لصراعي القضية والسلطة، حيث لم تستطع الحركة تجاوز أي من مبادئها الأيديولوجية الثابتة رغم تراوح مواقفها ما بين التشدد والمرونة، وما تقديم الحركة لعديد الطروحات التي تبدو من خلالها بأنها مرنة سياسيا أو تمثل خطا أو نهجا براغماتيا، لا يعدو كونه أكثر من مناورة سياسية مقيدة بثوابت ومبادئ المرجعيات الأيديولوجية للحركة، حيث تقوم بها استجابة للتطورات السياسية من أجل البقاء كقوة رئيسية فاعلة ومؤثرة في ساحة الصراع.  
استخدمت "حماس" العديد من الاستراتيجيات السياسية والعسكرية وفقا لأهدافها التكتيكية التي تخدم رؤيتها الإستراتيجية والأيديولوجية للصراع، إلا أن تلك الاستراتيجيات لم تكن دائما نابعة من مصالح الحركة، حيث أنها تتأثر بأيديولوجية الحركة وكذلك استراتيجيات الأعداء والخصوم والمنافسين والحلفاء الذين يخططون جيدا لاستدراج الحركة لمربعات معينة تخدم مصالحهم.  
" الربيع العربي " .. الاختبار والتحدي!
وبخصوص الربيع العربي يقول د. عيسى:" ما يسمى بثورات الربيع العربي عام 2011، ساهم بشكل كبير في توضيح خطورة المرجعيات الأيديولوجية لـ "حماس" في تقييدها لفكرها وممارستها السياسية، حيث خلق ذلك التقييد المرجعي إرباكات واضحة في أداء الحركة وهي بصدد إدارتها للصراع العربي الإسرائيلي بالانقلاب من النقيض إلى النقيض، وبالاستدارة عن الصراع الوطني الرئيسي مع إسرائيل إلى صراعات إقليمية نتيجة للبعد الديني الذي لا يرتبط بمرجعيته بفلسطين فحسب، بل يتخطاها، ولا يرتبط في إدارته للصراع بالعدو الرئيسي في الصراع العربي الإسرائيلي فحسب، بل يتخطاه أيضا".
ويتابع:" بدا واضحا أن "حماس" حسمت تحالفها مع محور الإسلام السياسي عندما أيدت الثورة السورية ونقلت مقر قيادتها من دمشق إلى الدوحة، إلا أن سقوط حكم الإخوان السريع في مصر على يد الجيش المصري، أوضح أن فرز "حماس" لنفسها في محور الإسلام السياسي كان قرارا أيديولوجيا عبّر بشكل واضح عن ارتباك الممارسة السياسية للحركة بسبب قيود مرجعياتها الأيديولوجية المفروضة عليها، الأمر الذي سيكون له أثره السلبي الكبير على الحركة ومكانتها في الساحة الفلسطينية وقدرتها على إدارة الصراع على مستوى القضية والسلطة معا، خاصة بعد انكشاف ظهرها بتخليها عن تحالفها الاستراتيجي مع محور الممانعة".
خلاصة القول: تعتبر الممارسة السياسية لحركات التحرر الوطني الترجمة الفعلية لمبادئها وأفكارها الأيديولوجية، رغم أن الواقع السياسي مختلف تماما عن عالم الأفكار والأيديولوجيا، وبالتالي فإن محافظة أي حركة على الالتزام الحرفي بمبادئها وأفكارها في العمل والأداء السياسي يجعلها غالبا عرضة للفشل والإخفاق. وبهذا؛ فإن حركة حماس واجهت خلال مسيرتها حالات من الفشل والإخفاق؛ مرتبط برؤيتها حيناً وبالتأثيرات والمستجدات المنبعثة من  البيئات المحلية والإقليمية والعالمية على حدٍ سواء.