الإثنين  25 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

العدد 43| الطلاق: نهاية حياة لم تعد قادرة على العطاء

50% من مجمل حالات الطلاق تتصدرها الأزواج الشابة

2015-07-14 01:12:39 AM
العدد 43| الطلاق: نهاية حياة لم تعد قادرة على العطاء
صورة ارشيفية
الحدث - آية ابو عيسى
 
اتسعت فجوة الطلاق في الأزمنة الأخيرة، فغدا ناقوس الخطر الذي يدق باب كل مواطن فلسطيني، ليعلن خوض معركة قاسية ومريرة بين الزوجين مفادها إنهاء الرابطة الزوجية التي تجمع الزوجين والأبناء تحت سقف واحد، فيعتبر سنة العصر التي بدأ يتداولها الكثير من الشباب، والتي تدور قصتها بين أزقة المحاكم تارة وبين العادات والتقاليد المجتمعية تارة أخرى لا سيما بعد عزوف الشباب عن الزواج بسبب انسداد الأفق الاقتصادي أمامهم وفقدان الكثير منهم لمصادر عملهم،  فالصراع المرير الذي يعيشه الأزواج  يهتك النسيج  الأسري والاجتماعي، كما أنه لا يعد مشكلة اجتماعية وحسب، وإنما مشكلة نفسية تنعكس آثارها السلبية على سلوك الأطفال الذين همشوا من دائرة الأسرة واتخذ القرار بحقهم بالعيش بعيداًعن حياة مستقرة وآمنه يرسمها لهم آبائهم.
أم محمد 30 عاماً، أم لطفلين، تعمل سكرتيرة في عيادة لطب الأسنان، تقول ومشاغل الحياة وهمومها أنهكت جسدها الضعيف: "عشت معه 10 سنوات عجاف مضت وكأنها سنوات طويلة ذقت بها طعم الذل والتعاسة، لم يكن يعاملني كإنسانه أو أم لطفلين وسيدة منزله، فإما الضرب أو الإهانة، لم أكن سوى آله لديه يحركها كيف يشاء ومتى يشاء، حتى حقوقي الزوجية لم يكن يعطني إياها، فكان أشبه بحيوان يقضي حاجته ويرحل بعيداً، ولم يقتصر الأمر على ذلك وحسب، بل تجرأ عليّ وعلى أهلي بالكلام الجارح والتكبر".
وأضافت ودموع الحزن تنزف من عينيها: "بعد الزواج بشهرين كان يضربني بحجة أنني لا أسمع كلامه، بالرغم من مساوئه الكثيرة، لكن كنتُ أتغاضى عنها، لم يكن حكيم التصرف معي حتى أنه أطعمني فضلات وبقايا طعام غيري من الناس".
الظروف المعيشية الصعبة التي عاشتها أم محمد من ضيق في العيش وقلة تواجد المال بين يديها، إضافة إلى إقامتها في منزل غير صحي وغسر آمن جعلتها تشعر بالخوف الدائم، ومعاملة طليقها لها زادت من الطين بلة، فلم يكن يناديها سوى  بألفاظ وعبارات لا تمت للإنسانية بصلة كمناداتها: "يا إنتي"، "شو إسمك".
تقول أم محمد وحرقة القلب تحطم ضلوعها: "تعرف على فتاة  في الفترات الأخيرة كان يراسلها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وحين واجهته بأمر خيانته انهال علي بالضرب المبرح حتى أنني فقدت الوعي تماماً، غادرت المنزل وقضيت خمسة شهور في بيت أمي وبعد مرور بضع أيام طلقني غيابياً وتزوج من تلك الفتاة بعد أسبوع من الطلاق".
وقال عبد الناصر شنيور، القاضي الشرعي لمحكمة نابلس الشرقية: "تعد ظاهرة الطلاق من أخطر الظواهر التي بدأت تواجه المجتمع الفلسطيني في الآونة الأخيرة، خصوصاً بعد أن أخذت النسبة السنوية لأعداد الطلاق في تزايد مستمر، فقد تصل نسبة الطلاق اليوم إلى 26% من مجمل الحالات في فلسطين، حيث أن كل عشر عقود زواج يقابلها عقدا طلاق، إضافة إلى
وجود نسبة ما بين 60%-65% حالات طلاق قبل الدخول، وجميعها مؤشرات تبين مدى وصول الأسرة الفلسطينية إلى حالة من التفكك والتدهور المجتمعي".
وتابع: "منذ بداية عام 2009 بدأت تظهر زيادة ملحوظة في عدد حالات الطلاق"، مشيراً إلى أن العديد منها يعود إلى الضائقة الاقتصادية التي تشهدها البلاد والبطالة وقلة الدخل، بحيث لا يتمكن الخاطب من إتمام إجراءات الزواج بسبب قلة إمكانياته المادية والمبالغة في طلبات الأهل، إضافة إلى إطالة فترة الخطوبة وتدخل الأهل الزائد في كلا الطرفين كفيل بأن يرسم لحياتهم التي لم يبدؤوها بعد بالطلاق.
وأشار القاضي شنيور إلى وجود أسباب أخرى زادت من نسبة الطلاق في أواسط مجتمعنا الفلسطيني، أهمها طرق أبواب البنوك وما تمنحها من تسهيلات للاستفادة من القروض التي تساعدهم في تلبية نفقات العرس الباهظة، فيجد الأزواج أنفسهم بعد أشهرالزواج الأولى في صراع مع سداد القروض، وتبدأ المشاكل المالية تطفو على السطح، إضافة إلى نسج قصص الحب عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي والتطور التكنولوجي ودخول البرامج والمسلسلات التركية والهندية التي لا تتوافق مع العادات والتقاليد لدى العقلية الفلسطينية، كما يعد الاختيار السريع لشريك الحياة من خلال الإعجاب الأول في مكان العمل وتقارب السن بين الأزواج وخاصة في أوساط الشباب تزيد من نسب الطلاق داخل النسيج الفلسطيني.
وأوضح أن العامل السياسي يلعب دوراً كبيراً في إيصال نسب الطلاق إلى القمة، فواجهنا حالات كثيرة مفادها الطلاق كأن يتزوج رجل بفتاة من دول عربية أخرى ونتيجة لظروف الاحتلال وما يفرضه علينا من عراقيل لا يتمكن الزوج من الحصول على تصريح لإدخالها إلى البلد التي يقيم بها مما يؤدي إلى الطلاق، إضافة إلى رغبة الكثير من الأزواج في الحصول على بطاقات هوية إسرائيلية حتى يتمكنوا من العمل داخل الخط الأخضر، فيتزوجون من فتيات الداخل (فلسطينيي 48) ونظراً لامتناع السلطات الإسرائيلية منح الزوج الهوية الإسرائيلية أو تصريحاً للإقامة مع الزوجة في الداخل فتنتهي بالطلاق.
وقال القاضي عبد الناصر إن كثيراً ما تتزوج فتيات من الضفة بأزواج من عرب الداخل، وغالباً ما تكون الزوجة الثانية لديه، ونظراً للقانون الإسرائيلي الذي يمنع تعدد الزوجات يلجأ الزوج إلى عدم تسجيلها في البطاقة الإسرائيلية كزوجة ثانية لديه في الداخل، فتفقد الزوجة حقوقها الزوجية والمالية نظراً لعدم تنفيذ قرارات المحاكم الفلسطينية داخل مناطق 48، وهذا يؤدي إلى ضياع حقوق الزوجة، وبالتالي تقصد الزوجة المحاكم الفلسطينية لطلب التفريق والطلاق.
أثناء تواجدي بالمحكمة في انتظار القاضي لإجراء مقابلة معه التقيت برجل يدعى "أبو ضياء" حدثني عما مر به ابنه خلال العام الماضي، حيث انتهت حياته الزوجية بعد صراع مرير قضاه بين أوراق المحاكم والقضايا المرفوعة ضده من نفقه وحق المؤخر، وقال: "بعد خروج ابني من السجن زوجته ابنة أخي، حيث كانت متزوجة من ابن خالتها، لكن بعد مرور عام على زواجهما طلقها ابني لعدم التزامها واهتمامها بشؤون بالبيت وخروجها المستمر مع صديقاتها للمقاهي والأسواق".
وتابع: "بالرغم من كونها تكبر ابني بثلاث سنوات إلا أنني قررت الستر على ابنة أخي وتزويجها لابني البكر، لكن جزاء المعروف في هذه الأيام خطيئة،  فلم تحسن التصرف، وبعد أخذها لوثيقة الطلاق رفعت علي ثماني قضايا، وإلى الآن ونحن متواجدون في المحاكم لحل النزاع والخلاف القائم".
"رضينا بالهم والهم ما رضي فينا"، هذا ما عبرت عنه هناء 27 عاماً، وهي إحدى المطلقات التي جعلها زوجها كبش فداء مقابل النظر إلى مصلحته وراحته الشخصية: "طلقني زوجي بسبب وضعه المادي الصعب، الذي بالكاد كان يكفي متطلباته الشخصية من سجائر ومواصلات، فهو عاطل عن العمل بسبب وضع البلد الاقتصادي الخانق، ورغم ذلك كنت أسانده معنوياً ومادياً في هذا الوضع الصعب، بالدعاء تارة وطلب مساعدة أهلي مادياً من جهة أخرى، وكنت دائماً صابرة على وضعه وظروفه، ولكنه هو من لم يصبر، فأصبح يختلق لي مشاكل من الوهم، لتتفاقم الأمور سوءاً وتستحيل معه الحياة". 
وأضافت: "كل محاولاته معي باءت بالفشل، فرغبتي بتربية ابنتي بين أب وأم في ظل بيت متماسك، كانت أكبر من مشقة الضرب والهوان على نفسي، فأخذت على عاتقي القهر وتحملت، وبين تقسيط مبلغ المؤخر، ومصروفات فتح منزل مستقل شهرياً، كانت كفة الميزان الراجحة هي للخيار الثاني، فطلقني دون أن ترف له عين، مكتفياً بتقسيط المؤخر، عن مصاريف بيت كامل".
ويشير التقرير الأخير للمحاكم الشرعية بالضفة الغربية الذي أصدره قاضي القضاة بتاريخ 26/1/2014 إلى ارتفاع ملحوظ في نسبة الطلاق خلال عام 2013. فمعدلات الطلاق تشهد ارتفاعاً ملحوظاً في الأعوام الأخيرة، حيث وصلت إلى 20% في فلسطين، ما يشير إلى مستويات غير مسبوقة تتطلب العمل على معالجة أسبابها للحد من الظاهرة ووضعها في الإطار المعقول.
وأوضح التقرير أنه تم إجراء إكثر من 24 ألف عقد زواج خلال عام 2013، في المقابل تم تسجيل ما يقارب أربعة آلاف حجة طلاق، حيث بلغت نسبة الطلاق الإداري 16% خلال عام 2013. بالإضافة إلى الحكم بما يقارب 1000 دعوى تفريق وفسخ وإثبات طلاق بنسبة تتجاوز 4%، مما يرفع نسبة الطلاق في فلسطين. وبلغت نسبة وقوع حالات طلاق بين الأزواج الشابة 50% من مجمل حالات الطلاق.
للطلاق تبعيات أخرى على النساء، خاصة اللواتي ليس لهن عمل ومصدر رزق خاص، حيث تصبح المطلقة في الغالب عالة على أهلها، تعاني من نظرة دونية يفرضها عليها مجتمعها الذكوري، تشوبها الريبة والاحتقار الاجتماعي، وعباءة العادات والتقاليد البالية تستحوذ على عقول الكثير ليخطوا بكلماتهم أسوأ عبارات تجرد المطلقة من ثيابها وتجعلها تعيش في قفص آخر تغلفه أحاديث الناس المبعثرة وقصصهم التي تؤلف حسبما يروق للمجتمع سماعه.
وقال المحامي خالد رشيد: "الطلاق هو حل الرابطة الزوجية في الحال أو المآل، ويشرع القانون حالات يجوز للزوج فيها إنهاء الزواج بإرادته المنفردة فيما فيه سلب لإرادة المرأة، فلا يمكنها إنهاء الزواج إلا في بعض الحالات التي حددها القضاء، وأكثرها شيوعاً هي النزاع والشقاق، بمعنى وجود مشاكل مستعصية بين الزوجين يستحيل معها الاستمرار، كتعرض الزوجة للعنف الجسدي أو اللفظي أو كليهما معاً، ومن الأسباب الأخرى التي يحق للمرأة طلب الطلاق هي التفريق للهجر والضرر والتفريق للسجن، وأيضاً جنون الزوج، بمعنى وجود مرض عقلي يعاني منه الزوج هو أحد أسباب الطلاق التي يحق للمرأة اللجوء للقضاء فيه وطلب الطلاق، إضافة إلى عدم إنفاق الزوج على زوجته، وتعد من الأسباب الأكثر خطورة بسبب الوضع الاقتصادي السيء الذي تمر به البلاد".
وتابع المحامي خالد: "معظم القضايا التي نقف بها أمام المحاكم الشرعية تتعلق بالطلاق، فعقود الزواج التي تمت في عام 2009 وما بعدها هي التي تم فسخها وبت الطلاق بها بين الزوجين".
وأضاف أن المشاكل الاجتماعية هي المسبب الأكبر لحدوث الطلاق، والتي تتلخص في الخلافات الواقعة بين أهل الزوجة والزوج، وعادة ما تكون من بيت أهل الزوج أكثر من أهل الزوجة، كذلك عدم توفر المقدرة لدى الرجل للإنفاق على زوجته في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة جعلت آفة الطلاق تنتشر بشكل أسرع وأكبر بين الأزواج.
وفيما يتعلق بالخيانات الزوجية من كلا الطرفين، كانت لها حصة الأسد في ارتفاع معدل الطلاق في فلسطين، والتي لعبت فيها مواقع التواصل الاجتماعي دوراً كبير في تسجيل أعلى نسب في الطلاق قبل سنتين.
لا تكاد فدوى تجفف دموعها حتى تخنقها العبارات مرة أخرى وهي تقص مأساتها المريرة في ربيع عمرها الذي استحال خريفاً، فقد كتب لها أن تكون مطلقة وأن تحمل على عاتقها هم ابنتها التي لم تستطع أن تتحمل مصاريف مدرستها فأخرجتها منها.
أخذت فدوى تسرد قصتها بحياء من ظروفها وبنبرة مكسورة وحزينة، وقالت: "تزوجت بعد أن أرغمني والدي على الزواج من رجل لم تسكن قلبه الرحمة قط، مليء بالقسوة، كان يرغمني على الجلوس في البيت، وحبسني فيه وأغلق باب البيت عليّ لمجرد أني "عفت" بيتي، حتى أني عاصرت الجوع أياماً متتالية، لم يقتصر الأمر على ذلك وحسب، بل كان لدية العديد من الفتيات اللواتي يحادثهن عبر الفيس بوك ومواقع التواصل الاجتماعي الأخرى دون الشعور بوجود امرأة لديه لها حقوقها وكيانها وشرعيتها في محاسبته قانونياً على الأفعال التي يقترفها بحقي".
بعد مرور أربع  سنوات على تلك المسرحية الرخيصة التي عاشتها فدوى مع زوجها، أنجبت طفلتها سديل، وكانت على أمل تغير تصرفات زوجها حين يرى طفلته الأولى، لكن لم يكن لحادثة الإنجاب أي تغيير حاسم في علاقة الزوجين، فبعد مرور شهرين من ولادة الطفلة طلقها ليهاجر خارج البلاد تاركاً زوجة لا يعرف مصيرها، وطفلة لا تدري ما تخبئ لها الأيام من مفاجآت.
وفي تفسيره لتزايد نسب الطلاق، قال أخصائي الأمراض النفسية والمستعصية د. إياد أبو بكر: "يمكن التوقف عند مجموعة عناصر تزيد من نسبة الطلاق، أهمها اتساع ساحة التواصل بين الفتيات والشباب من خلال مواقع التواصل الاجتماعي الذي يضعف الثقة باختيار زوجة أو زوج المستقبل، خاصة وأننا نعيش في مجتمع تقليدي بحت لا يرحم الفتاة ولا يترك لها فرصة الدفاع عن نفسها، إضافة إلى الوضع الاقتصادي الصعب المتمثل بالبطالة والفقر وغلاء المعيشة الذي يعد دافعاً كبيراً يأخده الرجل مفتاحاً للهروب من المسؤولية الملقاة على عاتقه ليلقي بورقة الطلاق متناسياً حجم المشكلة التي سيخلفها لزوجته وللمجتمع المحيط به".
وتابع أبو بكر: "رفع سقف متطلبات الزواج أو تدخل الأهل السلبي من الطرفين، أو إضافة بنود مكلفة أو صعبة ومتطلبات بعد الاتفاق بين المعنيين أو أسرتيهما كالبيت الشرعي الذي تطلبه كل فتاة من شريك حياتها، جميعها أمور تسهم إما بالحد من الزواج أو اللجوء إلى الطلاق".
وأضاف: "لقد قدست جميع الأديان السماوية الزواج، لأن الهدف منه إعادة إنتاج أسرة منظمة وشرعية، وبالرغم من ذلك فإننا نفاجأ بأن هذا النظام الاجتماعي الشرعي مهدد بشبح يدعى الطلاق".