رام الله - محمود الفطافطة
قد تكون الفترة الممتدة ما بين نجاح الطلبة في التوجيهي ولغاية التحاقهم بجامعاتهم وتخصصهم من أكثر فترات الحيرة والقلق لدى الطلبة وعائلاتهم، ذلك لأن هذه الفترة تمثل حالة انتقالية كبيرة في حياة هؤلاء الطلاب بسبب ما للتعليم من مسار حياتي يمكن صاحبه من فتح آفاق اجتماعية ومالية رحبة له على عكس من نالوا الرسوب والذهاب إلى لعنة البطالة أو القيام بأعمال صعبة و"وضيعة ".
فالتخصص الجامعي من أهم الخطوات في حياة الشاب لما يترتب عليه من تحديد أسلوب الدراسة والاتجاهات المهنية المستقبلية، ويأتي الاختيار السليم القائم على أسس ثابتة بمثابة حماية من عثرات المشوار الجامعي، كما يوفر مزيدا من التميز والنجاح في المستقبل. فالتخطيط للجامعة جزء مهم جداً من التخطيط لوظيفة المستقبل. وكل من يقوم بعملية التخطيط هذه بطريقة سليمة ستقلل من احتمالية شعوره بالحزن والتعثر في مستقبله العملي والعلمي والاجتماعي.
طموح وعوائق!!
ويواجه الطالب أحيانا عددا من العوائق التي تمنعه من تسجيل التخصص الملائم، بسبب نقص المعلومات عن التخصصات المتاحة، أو الخضوع لرغبات الآخرين، إلى جانب التقصير لدى المدرسة في تحفيز الطالب على معرفة ظروف المهن المختلفة واكتشاف مهاراته الذاتية، كما يكاد ينعدم هذا الجانب التثقيفي لدى العديد من جامعاتنا فلا تقام ندوات أو لقاءات ملائمة للتعريف بنوعية الدراسة ومجالات التخصصات المختلفة، يضاف إلى ذلك تأثير المجتمع والثقافة السائدة فيه والتي أحيانا ما تـُخضع الطالب لإرادتها وتوجه اختياراته نحو مجالات معينة دون غيرها، أما أكثر العوائق التي تقف في وجه الطالب فهي اعتماد الكليات على مجموع الدرجات في المرحلة الثانوية دون الالتفات إلى قياس المهارات والقدرات .
يذكر د. عبد الله بابعير جملة من المحددات التي يجب على الطالب مراعاتها أثناء اختيار التخصص منها القدرة والميول والفرصة في سوق العمل وإعطاء لمحة سريعة عن التعليم الجامعي وتخصصاته المختلفة ابتداء من البكالوريوس وانتهاء بالدكتوراه والبحوث العلمية ومراحل التخصصات المختلفة.
يقول الباحث شاكر جودة:" لم يكن الفشل في الثانوية العامة وحده السبب في مشكلتنا، فقد يكون النجاح كذلك من خلال عدم قدرتنا مع أبنائنا على اختيار التخصص ومكان الدراسة الأنسب لهم و لإمكانياتهم، مبيناً وجود عدة عوامل أدت لذلك، أهمها:عدم قدرة المسؤولين عن التعليم في توجيه الطلبة لكيفية اختيار تخصصاتهم في المستقبل، الضعف المتمثل في قدرة الجامعات على إرشاد الطلاب لكيفية اختيار تخصصاتهم، ارتفاع نسبة البطالة العالية بين الخريجين الجامعيين من كل التخصصات في سوق العمل والناجم عن التخبط في العلاقة بين التخطيط للتخصصات الأكاديمية وتحديد احتياجات سوق العمل، تأثير العادات والتقاليد التي أعطت ميزة لبعض التخصصات أكثر من غيرها لدى ذوي الناجحين في الثانوية العامة .
في كتابه "كيف تحدد تخصصك " يحدد الباحث رائد يوسف الريمي ماهية الشروط الثلاثة لاختيار التخصص المناسب والمتمثلة بالرغبة في التخصص و القدرات الشخصية وفرص العمل المتوفرة. ويرى أن النصيحة من صاحب مهنة قد لا تكون صادقة للطلبة، فمثلا " لو قمت باستشارة طبيب ناجح عن نصيحته لك في حال أردت أن تكون طبيبا مثله فمن الممكن أن يمدح الطبيب في هذا المجال لأنه يحبه أو قد لا يمدح به لأنه لا يريد أن ينافسه أحد، و لربما يكون الطبيب فاشلا فيلقي اللوم على المهنة بفشلها و ليس بفشله أو عدم مناسبة مقدراته الشخصية لهذه المهنة.
مرض التقليد والوجاهة!!
د. عبد الكريم بكار في كتابه تكوين المفكر يؤكد أنه من الطبيعي أن الطالب يدرس ليتخرج، ويتوظف، ولهذا فإنه في حاجة إلى معلومات عن الجامعة التي سيدرس فيها، وعن طبيعة التخصص الذي سيدرسه وعن سوق العمل المتاح لذلك التخصص ، وأمور أخرى من هذا القبيل. ويبين د. بكار جملة من الأمور الواجب على الطلبة اتخاذها مثل:تأخير اتخاذ القرار إلى آخر لحظة ممكنة من أجل التمكن من جمع أكبر قدر من المعلومات، سؤال الطلاب الذين يدرسون في الكليات التي وجدتَ نفسك ملزماً بالدراسة في واحدة منها ، سؤالهم عن مدى شعورهم بالفائدة وعن قوة المناهج والجو العام ....، وسؤال بعض الخريجين عن مجالات العمل لتلك التخصصات ومدى توفر الفرص فيها، واستخارة الله - تعالى - والإلحاح عليه بأن يرشد إلى الصواب .
يرى الإعلامي سامر خير أن بعض العائلات تُفضل أن يدرس أولادها الطب، فيحصلون على لقب "دكتور"، أو الهندسة، فيكون لقب واحدهم "مهندس"، مشيراً إلى أن الأمر ليس مرتبطاً فقط بالاستثمار في هذه الأنواع من التخصصات، بل هو قبل ذلك على علاقة وثيقة بالمكانة الاجتماعية، والوجاهة المفترضة للطبيب والمهندس، التي يطرب لها المجتمع، وتسعد بها عائلات هؤلاء الأطباء والمهندسين.
ويوضح أن بعض الآباء يحثون أولادهم على دراسة تخصصهم نفسه، كي يرثوا المهنة عنهم وبخاصة في مهن الطب والمحاماة، من دون أن يأخذوا باعتبارهم رغبات أولادهم وميولهم. ويبين أن هناك ثمة قصص تثير الحزن، أدى تدخل الوالدين فيها لتوجيه الأبناء بعيداً عن التخصصات التي يرغبونها، في إفساد حياتهم كلها، والتسبب بتعاستهم، وأحياناً إلى فشلهم في الحصول على الشهادة الجامعية، لأنهم لم يتمكنوا من مواصلة دراسة ما لا يُحبونه ولا يُطيقونه ولا يفهمونه. وأنه في مقابل ذلك هناك قصص أخرى مبهجة، تمكن فيها الأبناء من الإفلات من رغبات والديهم، فحققوا نجاحاً في حياتهم العملية، لم يكن لهم ليبلغوه لو تنازلوا عن رغباتهم الدراسية وأطاعوا رغبات الأهل النمطية.
يبين الموقع الالكتروني" التوجيه الجامعي" أن اختيار التخصص من أهم القرارات التي يتخذها الطلبة، فهو قرار ذو طابع خاص، حيث أن الطالب لا يستطيع أن يتخذه جزافاً فهذا القرار لا بد أن يراعي ميوله وقدراته وقيمه وسماته الشخصية ومفهومه عن ذاته وتفضيلاته الدراسية . فالشخص الناجح يهتم بجمع معلومات وافيه وشاملة تتعلق بالتخصص ويفكر في مستقبله الدراسي بشكل مستقل وليس متأثرا بالآخرين فإذا ما أحسن اختيار التخصص استطاع أن يتكيف مع بيئته الدراسية ومع نفسه ، الأمر الذي يساعده على الشعور بالسعادة والرضا والقدرة على أن يحقق ذاته ، فاختيار الطالب للتخصص المناسب يؤدي إلى عدم اضطراره إلى تغيير تخصصه بعد أن يكون قضى فيه شهوراً أو سنوات فضلاً عن حالات الفشل التي قد تنتج من سوء الاختيار".
حدد ولا تقلق!!
يصاحب الطلبة بعد انتهاء التوجيهي قلقاً شديداً بسبب الحيرة التي يقعون فيها،وهذا القلق سببه الضغوطات النفسية والمؤثرات الخارجية التي تتمثل في :عدم وجود التوعية المسبقة في إدارة الذات بشكل عام وتحديد الهدف بشكل خاص، نقص المعلومات حول التخصصات الجامعية ومدى قربها وبعدها عن مهارات الطالب الخاصة، رغبة الطالب في البقاء مع أصدقاء الدراسة، وتأثير الأصدقاء عليه، رغبة الأهل في اختيار التخصص للابن والقيام بدور فرض المصلحة والواقع، التأثير الإعلامي والدعاية التي تقوم بها بعض الكليات والجامعات لبعض التخصصات، ثقافة المجتمع الخاطئة التي تركز على التخصصات التي يطلبها سوق العمل في نفس العام ، الاصطدام بالواقع السياسي والاقتصادي، المُعدّل في الثانوية العامة .
في مراجعة مستفيضة لعدد من الأدبيات حول هذا الموضوع يتضح أن على الطالب أن يقوم بتحديد تخصصه بنفسه وفق الخطوات التالية:أولاً: حدد رغباتك.. ولتكن أكثر من رغبة .. ويجب أن تسأل نفسك عند تحديد هذه الرغبات.. ما العمل الذي تحبه ؟ وتجد متعة عندما تقوم به ؟ ما الأعمال التطوعية التي قمت بها وأبدعت فيها؟ ثانيًا: حدد مهاراتك وهواياتك .. الحاسوب ،اللغة الانجليزية. مهارات ذات علاقة بالتخصصات التي ترغبها.. ثالثًا : حدد قدراتك .. نقاط القوة والضعف .. الفرص والتهديدات، ومنها الوضع المالي، المنح الدراسية، هل التخصص متوفر ويحتاج لسفر . الخ؟ رابعًا : استعن بالخبراء، ذوي التجارب الناجحة . خامسًا: ابتعد عن كل المؤثرات الخارجية، الأصدقاء، الإعلام، المجتمع، سوق العمل الحالي الذي قد يتغير بعد سنتين ! .سادسًا : تداول الأمر مع الأهل .. وابحثه جيدًا وفق المعايير السابقة .. وتوصل لحلول مرضية .
بعد مرحلة الاستعداد تأتي لحظة اختيار التخصص الجامعي والتي يجب على الطالب أن يُراعي فيها عدداً من الأمور منها1.المهنة قبل الكلية: لابد أن ينصب اختيار الطالب على المهنة وليس على الكلية أو الجامعة، لذا فالاقتناع الكامل من جانب الشاب بمهنته المستقبلية سيدفعه لتحمل متاعب الدراسة.2.البحث عن التميز : يظن بعض الطلاب المتفوقين أن مجموعهم العالي قد يخلق منهم متميزين في دراستهم الجامعية، وهذا ليس شرطا بالضرورة، فالمميزين هم من تواجدوا في مكانهم الصحيح، ومارسوا إبداعهم في مجال العمل . 3. المهارة قبل الشهادة : بعض الطلاب يجعلون من شهادة التخرج أكبر همهم، غير أن هذا التفكير يؤدي إلى تخرج طالب غير مميز، لذا لا بد للطالب قبل اختيار تخصصه أن يفكر في المهارات التي عليه أن يتعلمها إلى جانب الدراسة الجامعية، فعلى سبيل المثال قد يتخصص الطالب في اللغة الانجليزية، لكن من أجل توسيع مجال عمله يعقد النية على دراسة السكرتارية أو الموارد البشرية أو أن يخطط طالب الصحافة لحضور دورات سيحتاجها سواء كانت في الترجمة أو في التصميم بالكمبيوتر. وكل هذه النقاط لابد أن تدور في رأس الطالب لحظة اتخاذ قراره. 4. الصورة المستقبلية: من ضمن الاعتبارات التي لابد على الطالب أن يعيها هي أن يرسم صورة للمجال الذي سيختاره بعد عشر سنوات، كيف سيكون الحال؟ وهو ما سيضطره تلقائيا إلى التفكير في تنمية مهاراته أثناء الدراسة .
محظورات ونصائح
إلى جانب ذلك فهناك عدد من الأسباب الواجب تحاشيها عند اختيار التخصص الجامعي نظرا لكونها غير موضوعية ومضللة للشاب المقبل على هذه المرحلة الهامة في حياته، من ضمن تلك الأسباب: اختيار التخصص للبقاء مع الأصدقاء، البحث عن الوجاهة، الانصياع لرغبات الأسرة ضد رغبة الطالب، التأثر بالدعاية سواء داخل الكليات أو خارجها . كما إن اختيار الطلبة لتخصصاتهم وفقا لاحتياجات سوق العمل أدى إلى تخفيض إعداد الطلبة الملتحقين بتخصصات زادت حاجة سوق العمل والمجتمع لها، فضلاً عن أن عدم توفر المعلومات الكافية والكاملة عن الوظائف الشاغرة والقطاعات التي تعاني من نقص في الكوادر البشرية المدربة والمتعلمة يكون لها دور في عدم توجه الطلبة نحو التخصصات ذات العلاقة بسوق العمل.
إن كنت ترغب في الالتحاق في تخصص معين ولم يحالفك الحظ في الحصول على المعدل المناسب.. فلا تيأس، حاول –مثلاً- اختيار أقرب التخصصات إلى ما أردته.. أو اختر مجالاً آخر تثق بأنك ستستطيع أن تكون فيه قائد نفسك.. وحتى لو أجبرت على اختياره.. تذكر أن نجاحك لك.. وفشلك لن يعود على أحدٍ بالسلب إلا عليك... فماذا تختار؟.. لا يجوز أن يسجل الطالب في كلية معينة أو تخصص محدد ثم يبدأ يتنقل لكلية أو كليات غيرها لأن ذلك يضيع عليه مساقات وفصول دراسية. رغبة الأهل يجب احترامها لأنهم الأكثر خبرة وتجربة ولكن ليس على حساب مصلحة الطالب. عدم تقليد الآخرين في تخصصاتهم. انتقاء التخصصات الملائمة للفتيات: فالفتاة مصيرها للزواج إن عاجلا أو آجلا، فهي الأم المستقبلية، وبناء عليه يجب أخذ الحيطة والحذر من إقحامها بتخصصات ترهقها مستقبلا ولا تستفيد منها، وتبقى تندب حظها إن لم تتمكن من الالتحاق بفرصة عمل ملائمة. وهناك مهن نسائية مفضلة تتمثل في الوظائف الحكومية كالتربية والتعليم، والصحة والعمل النسائي، والعمل الحر قدر الإمكان.
من اجل أن يختار الطلبة تخصصهم الجامعي المناسب عليهم أن يدركوا الآتي:1. التعرف بدقة على جميع التخصصات الموجودة في الجامعة والمقررات التي تدرس في كل تخصص منها2.التَعرَّف بدقة على مجالات عمل خريجي كل قسم من أقسام الجامعة.أعطاء النفس فرصة للتفكير المتأني الهادئ لموازنة الأمور السابقة كلها.4.تحديد أهم التخصصات التي ترى أنها تتفق مع قدراتك وإمكاناتك وتحقق المستقبل الوظيفي الذي ترغب فيه. 5. ترتيبهذه التخصصات حسب أهميتها بالنسبة لك.6.إذا شعر الطالب أو الطالبة أنه مازال غير قادر على تحديد أهم الأقسام بالنسبة لهما فعليهما الرجوع إلى الجهات المعنية في الجامعة، مثل: الإرشاد الأكاديمي، والأقسام العلمية؛ للحصول على مزيد من المعلومات التي تعينك على حسن الاختيار7.استعن بالله تعالى أولاً وأخيرًا وأستخره فهو الهادي إلى الصواب .
مطالب ورؤية
على وزارة التربية والتعليم القيام بوضع مساق مدرسي لطلبة التوجيهي، يصاحبه كتيب إرشادي حول كيفية اختيار الطالب الناجح تخصصه الجامعي. يتوجب على وزارات التربية والعمل والاقتصاد إعطاء أهمية للتعليم التقني والمهني، فمعظم الدول المتطورة لديها نسبة هذا التعليم العالي ما بين 40 ـ 65 % ، بينما في الدول النامية لا يتجاوز ألـ 10%، وفي فلسطين لا يتعدى 6%. لا بد من تغيير النظرة المجتمعية تجاه التعليم التقني، باعتباره ملاذا للفاشلين في تحصيلهم العلمي، وهذا يتطلب مساواة الحكومة للفروع التقنية في التعليم المدرسي بالفروع الأخرى، وطرح الجامعات لبرامج تمنح البكالوريوس في المجالات التطبيقية، بناء على سياسة قبول لا تقلل او تهمش شان خريجي الفروع العلمية.
خلاصة القول:إن عملية اختيار التخصص لها أثر كبير في شخصية الفرد وفي حياته الحاضرة والمقبلة فهي عملية مصيرية حاسمة تحدد مستقبله وترسم له معالم النجاح أو الفشل في الحياة.. قدراتك لا أحد يعرفها أكثر منك، والاختيار الخاطئ يسبب ضياع الجهد والوقت، لذلك احرص أن تختار بنفسك وبدون أي ضغوطات أو تأثيرات خارجية . القول الجامع لخبراء التربية هو: اختر تخصصك بنفسك تكن متفوقاً فيه.