تعاني وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" التابعة للأمم المتحدة، من أزمة مالية خانقة، دفعتها مؤخراً لاتخاذ إجراءات تقشفية لتجاوز العجز لديها، الأمر الذي خلق قلقاً وتخوفاً لدى اللاجئين في قطاع غزة، الذين يعتمدون على مساعدات الوكالة.
وفي 15 يونيو/حزيران الماضي، أعلن المفوض العام للوكالة الأممية، بيير كراهينبول، وصول العجز المالي للعام الجاري، 101 مليون دولار أمريكي، فيما قال، إن الوكالة ستبقى ملتزمة بتقديم خدماتها للاجئين في الداخل الفلسطيني، ومخيمات اللجوء في الخارج.
سمعان خليفة (47 عاماً)، أب لتسعة أبناء، يعيشون معاً داخل بيت صغير مكون من غرفتين، في مدينة غزة، يتخوف من تقليص خدمات "أونروا".
وفي حديثه مع الأناضول، قال خليفة، إن "الحديث المتكرر عن الأزمة المالية، يبعث في نفوسنا القلق والخوف"، معرباً عن خشيته من تراجع الخدمات الصحية والتعليمية أيضاً.
وتخشى مروة عبيد ( 45 عاماً)، من سكان المدينة، أن تطال أزمة الوكالة، القطاع الصحي، وتوزيع المساعدات الإغاثية على الأسر المحتاجة.
وقالت عبيد، إنها بدأت وكثير من أقرانها في قطاع غزة، يلمسون تراجعاً واضحاً في الخدمات الصحية والتعليمية، مبينةً بهذا الصدد، أن "الوكالة كانت توزع مساعدات نقدية على طلبة المدارس ما يعادل 20 دولاراً أمريكياً على فترات متباعدة، وهو المبلغ الذي كان أولادي
الأربعة يتلقوه، إلا أن ذلك توقف الآن، بجانب الوجبات الغذائية التي بدأت بتوزيعها على الطلبة بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة".
وتُعتبر المساعدات التي تحصل عليها عبيد، هي المصدر الوحيد لبقاء أسرتها على قيد الحياة، خاصة مع المشاكل الصحية التي يعاني منها زوجها، على حد قولها.
أما بلال مقداد (52 عاماً)، ويسكن مخيم "الشاطئ"، غربي المدينة، فوصف أوضاع اللاجئين، بـ "الصعبة والقاسية"، قائلاً "وضعنا يزداد سوءاً يوماً بعد آخر، أصبحنا نخاف اليوم الذي قد يأتي ونجد أنفسنا في الشارع".
وفي تصريح هاتفي للأناضول، أشار عدنان أبو حسنة، المتحدث باسم "أونروا" في قطاع غزة، أن العجز المالي للوكالة قد يضطرها إلى إغلاق 700 مدرسة، مطلع العام الدراسي المقبل، في مناطق عملياتها الخمس (غزة، والضفة الغربية، ولبنان، وسوريا، والأردن) تضم نحو نصف مليون طفل.
إلا أنه استدرك، قائلاً "حتى الآن لا يوجد قرار رسمي بشأن إغلاق أية مدرسة، لكن العجز المالي، قد يدفعنا إلى عدم فتح المدارس، واستقبال الطلبة".
وبحسب أبو حسنة، فإن 252 مدرسة في قطاع غزة، تقدم خدماتها لنحو 248 ألف طفل، مهددة بالإغلاق في حال لم يتم إيجاد حل للعجز المالي.
وفي 29 يونيو/حزيران الماضي، أعلنت "أونروا"، أن 85% من إجمالي عدد موظفيها الدوليين البالغ عددهم 137 موظفاً، والذين يعملون بعقود قصيرة الأجل، سينفصلون عن العمل، وفق عملية تتم على مراحل وتستمر حتى نهاية سبتمبر/أيلول المقبل.
وفي الشهر نفسه، أعلنت فتح باب التقاعد الطوعي، قبل بلوغ السن القانوني للتقاعد (60 سنة)، بهدف تقليص النفقات والتكاليف الداخلية لديها.
وقالت الوكالة في بيان لها، آنذاك، إن ذلك يأتي "ضمن الإجراءات التي تتبعها لخفض التكاليف الداخلية، مع ضمان استمرار تقديم الخدمة لـ اللاجئين الفلسطينيين، تزامناً مع التراجع الواضح في الدعم المالي المقدم من الدول المانحة".
بدوره رأي عصام عدوان، رئيس دائرة شؤون اللاجئين في حركة حماس، بغزة، أن الوكالة الأممية مطالبة بطرق أبواب جديدة للمانحين، وقال للأناضول، إن "حياة اللاجئين الفلسطينيين باتت مهددة بفعل التقليصات والحديث المتكرر عن العجز المالي"، مضيفاً "مطلوب من الوكالة استخدام دعاية سليمة، وطرق أبواب مانحين جدد من أجل إغاثةاللاجئين، وتقديم الخدمات الإنسانية لهم، والعمل على إغاثتهم".
واستدرك بالقول "حديث الوكالة المتكرر عن الأزمة المالية قد يكون الهدف الأساسي منه استفزاز المجتمع الدولي، لحثه نحو الإيفاء بالتزاماته الإنسانية تجاه اللاجئين، والأخطر من ذلك أن يكون ما يجري مخطط لإنهاء عملها، وتصفية قضية اللاجئين".
ولا يستبعد عبد الستار قاسم، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت، برام الله، وسط الضفة الغربية، أن تكون أزمة "أونروا" سياسية.
وقال قاسم في حديث هاتفي مع الأناضول، إن "عدم إيفاء المانحين بالتزاماتهم قد يكون سببه مخططات إقليمية ودولية، للحد من عمل الوكالة الأممية، ودفعها نحو إنهاء خدماتها، ما يعني تصفية قضية اللاجئين".
وأشار أن العجز المالي، ينعكس سلبا على تقديم الخدمات الأساسية، كالتعليم والصحة والإغاثة للاجئين، خاصة في قطاع غزة المحاصر إسرائيلياً منذ عام 2007.
ووفقاً لتقديرات أممية، فإن عدد اللاجئين في قطاع غزة بلغ قرابة 1.3 مليون، من بين عدد سكان القطاع البالغ 1.8 مليون نسمة، ومن المتوقع أن يزيد عددهم في القطاع إلى 1.5 مليون، بحلول عام 2020، بحسب الأمم المتحدة.
وكان تقرير إسرائيلي طالب بالإسراع في إنهاء عمل "أونروا" في الضفة الغربية، وقطاع غزة، معتبراً التوقيت الحالي "فرصة ذهبية" لتنفيذ ذلك، في ظل أزمتها المالية.
واعتبر التقرير الذي أعده معهد الدراسات الاستراتيجية، ونشرته صحيفة "معاريف"، حزيران/يونيو الماضي، أن إنهاء عمل الوكالة كفيل بـ"القضاء على حق العودة، وتصفية أي أمل للاجئين في العودة إلى ديارهم".
وبسؤال أبو حسنة عن ما أثاره هذا التقرير، رفض الحديث حول أية مخططات لتصفية أعمال وكالتهم. قائلاً "الوكالة ستبقى إلى حين إيجاد حل عادل لقضية اللاجئين، هناك أزمة حقيقية بسبب ازدياد أعداد اللاجئين ومتطلباتهم الإنسانية، كما أن المانحين لا يلتزمون بتعهداتهم المالية".
وأضاف أن "عمل الوكالة لا يتم في بيئة سوية، إذ تشهد المنطقة الكثير من النزاعات والصراعات".
وتابع "في غزة نتحدث عن 3 حروب في أقل من 6 سنوات، نعمر منزل في الحرب الأولى ثم يتم هدمه في الحرب الثانية والثالثة وهكذا، الفقر والبطالة في زيادة بفعل الحصار، كنا نقدم خدمات في عام 2000 لنحو 80 ألف لاجئ، أما الآن فقد وصل العدد إلي أكثر من 860 ألف، بفعل الأوضاع الاقتصادية المتردية".
وفي مايو/ آيار الماضي قال البنك الدولي، إن اقتصاد غزة كان ضمن أسوأ الحالات في العالم، إذ سجل أعلى معدل بطالة في العالم بنسبة 43%، ترتفع لما يقرب من 70% بين الفئة العمرية من 20 إلى 24 عاماً.
وشنت إسرائيل في السابع من يوليو/ تموز 2014، حرباً على قطاع غزة، استمرت 51 يوماً، وأدت إلى مقتل نحو ألفين و 200 فلسطيني معظمهم من المدنيين، وإصابة نحو 11 ألفاً آخرين، وفق وزارة الصحة الفلسطينية.
وحسب إحصائية أممية، فإن عدد منازل اللاجئين التي تضررت بفعل الحرب الأخيرة، بلغت 137 ألف و681 مسكناً، تم حصر 9161 منها على أنها مدمرة كلياً.
وتعهدت دول عربية ودولية في أكتوبر/ تشرين الأول 2014، بتقديم نحو 5.4 مليار دولار أمريكي، نصفها تقريباً تم تخصيصه لإعمار غزة، فيما النصف الآخر لتلبية بعض احتياجات الفلسطينيين، غير أن عملية الإعمار وترميم آثار ما خلّفته الحرب، يسير بوتيرة بطيئة جداً عبر مشاريع خارجية بينها أممية، وأخرى قطرية.
تجدر الإشارة أن "أونروا" تأسست بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1949، وتم تفويضها بتقديم المساعدة والحماية لحوالي خمسة ملايين لاجيء فلسطيني، مسجلين لديها في مناطق عملياتها الخمس بالأردن، وسوريا، ولبنان، والضفة الغربية، وقطاع غزة، إلى أن يتم التوصل إلى حل عادل لمحنتهم، وتشتمل خدمات الوكالة التعليم، والرعاية الصحية، والإغاثة، وتحسين المخيمات، والإقراض الصغير.
وتقول الوكالة الأممية إن التبرعات المالية لم تواكب مستوى الطلب المتزايد على الخدمات الذي تسبب به العدد المتزايد للاجئين، وتفاقم الفقر والاحتياجات الإنسانية، خصوصاً في قطاع غزة المحاصر إسرائيليا منذ ثماني سنوات.
وبحسب الأمم المتحدة، فإن قرابة 1.3 مليون لاجئ، يعيشون في قطاع غزة، و914 ألف في الضفة الغربية، و447 ألف في لبنان، و2.1 مليون في الأردن، و500 ألف في سوريا، فيما تعتمد الأرقام الصادرة عن "أونروا" على معلومات يتقدم بها اللاجئون طواعية، ليستفيدوا من الخدمات التي يستحقونها، إلا أن هناك لاجئون غير مسجلين في منطقة عمل المنظمة الدولية.
*الأناضول