الحدث- قيس أبو سمرة
سَحَرته في ذات يوم، فأصبحت أنامله تتراقص على أوتارها، يريد منها أن تبوح له بمكنون قلبها، حتى تشدو لحناً للسلام والحب.. تلك هي العلاقة بين الشاب شحادة شلالدة وآلة الكمان التي برع في صناعتها، فحلّق بها بعيداً.
شلالدة (24 عاماً) الذي يسكن بلدة رام الله التحتا، أراد من وراء حرفته هذه، أن يقول للعالم: "نحن أناس كغيرنا، نعشق، ونفرح، ونلعب، ونعمل، ونبدع، ونحب السلام".
وفي ذاك البيت الحجري القديم بالبلدة التابع لمعهد الكمنجاتي للموسيقى (خاص)، والذي يعد بمثابة ورشة يقضي بها يومه في تصنيع آلة الكمان وآلات موسيقية أخرى.
وعن دراسته لهذه الحرفة، يقول شلالدة: " تعلمت فن صناعة الكمان، وتصليحها من خلال دورات في كل من إيطاليا وبريطانيا بين عامي 2005-2008، ومنذ خمس سنوات أعمل في هذه الورشة التي باتت تمثلني".
وبينما كان يمسك بيده مشرطاً (آلة معدنية مدببة تستخدم للشق والتنقيب عن شيء) سألناه عن الوقت الذي يستغرقه في صناعة آلة الكمان الواحدة : "تحتاج كل واحدة نحو شهر".
وعن سعرها "تباع بحد أدنى خمسة آلاف دولار أمريكي".
أما زبائنه فهم "عازفون محليون وأجانب ممن يسمعون عنه"، ويقوم ببيعها لمن بالخارج إما عن طريق شركات شحن البضائغ، أو المشاركة في معارض.
بينما علامته التجارية التي يحفرها في جوف آلته، فتتمثل في عبارة "صُنع في فلسطين".. عبارة يريد من خلالها أن يوصل للعالم رسالة معنوية مفادها أن يبقى وطنه المحتل فلسطين، حاضراً في وجدان كل إنسان، وأن هذه الصناعة هي فلسطينية 100%.
يُعرف عن الشعب الفلسطيني، انشغاله بالسياسة، ومقاومة الاحتلال الإسرائيلي، إلا أن هذا الشاب يرى أن "هناك شريحة واسعة من الفلسطينيين العازفين الذين يعشقون الموسيقى".
ويقول :"بالموسيقى نكسر الصمت، والحزن، وقيد الاحتلال، فكل واحد من أبناء شعبي لديه من الطاقة والإبداع ما يؤهله لأن يكون عنصراً مبدعاً في الموسيقى، والفن، والعلم، والاقتصاد وليس السياسة فقط".
"نحن أناس كما غيرنا، نعشق، ونفرح، ونلعب، ونعمل، ونبدع، ونحب السلام"، يمضي في حديثه وهو منهمك في آلته التي على الرغم من عشقه لها، وبراعته في صناعتها وأوتارها، إلا أنه لا يتقن العزف عليها.
يتابع شلالدة حديثه مع الأناضول: "في البداية كان الناس ينظرون إلي باستغراب، وحال لسانهم يسأل ما هي هذه المهنة؟، وهل يستطيع أن يعيش ويعيل أسرته منها؟".
ويحصل شلالدة على معدات التصنيع وخاصة الأوتار، وخشب القيقب، من بلدان أوروبية، لافتقار فلسطين إليها.