الحدث- محمد مصطفى
مع إطلالة كل صباح، تصطحب المواطنة أم سمير الملاحي عصاها الطويلة، المثبت في نهايتها قطعة معدنية مجوفة، وتنطلق إلى الشوارع الترابية، التي يحدها نبات الصبار من كلا الجانبين.
تتفحص بعينيها الثاقبتين الثمار المنتفخة، وتوجه إليها العصا الطويلة، وتضع الثمرة داخل تجويف القطعة المعدنية، وتقطفها بمهارة عالية.
تستمر أم سمير في العملية، وتجمع ثمار التين الشوكي في أكوام صغيرة، وما إن تنتهي، تبدأ بقطع نوع من الأعشاب التي تنمو وسط الصبار، وتجمعها في حزم صغيرة مثل المكنسة، لتقوم بكنس الثمار بطريقة معينة، لتخليصها من الأشواك الناعمة، ومن ثم تضعها في جراكل "دلو" صغيرة.
سباق قبل الرياح
وأكدت الملاحي أن أفضل وقت لجني ثمار التين الشوكي هو وقت الصباح الباكر، حين تكون الرياح ساكنة، والأشواك مبللة بقطرات الندى، وهذا يقلل من احتمال تطايرها وإصابة من يقطف الثمار.
وبينت أنها ورغم ذلك، تعود إلى المنزل، ويديها ووجها مليئة بالأشواك الناعمة، لتبدأ المعاناة، بتحسس مواضع الإصابة، ونزع الأشواك بواسطة ملقط معدني صغير.
ولفتت إلى أنه وفي حال هبت الرياح، فإن العرضة للإصابة بالأشواك تتضاعف 500%، وهذا يجعل الاستمرار في جمع الصبار أمر خطير، فقد تصيب إحدى الأشواك الناعمة، التي تتطاير مع كل هبة رياح، مقلة العيد حينها تكون مشكلة كبيرة.
وبينما كانت الملاحي نزع الأشواك من يدهيا، تنهدت قليلا ثم صمتت لثوان وقالت: "إيش رماك على المر غير إلي أمر منه"
عمل موسمي
أما المواطنة المسنة أم "عبد الله"، وتبلغ من العمر "57 عام"، فأكدت أن جمع ثمار التين الشوكي، مهنة موسمية تمارسها في كل عام منذ أكثر من عقدين، فرغم مشقتها، إلا أنها توفر دخل لعائلتها الفقيرة.
ولفتت أم عبد الله، إلى أنها تخرج عند الخامسة والنصف من فجر كل يوم، وتعافر وتسير مئات الأمتار في الشوارع الزراعية، باحثة عن الثمار الناضجة المنتفخة، ولا تعود إلا عند الثامنة صباحاً، بعد أن تنجح في تعبئة ثلاثة جراكل من الصبار، فتجول على بعض المنازل في حارتها، وتعرض عليهم شراء الجركل مقابل عشرة شواكل، وفي حال تبقى لديها شيء، تتوجه به إلى السوق لبيعه هناك.
أيدي صغيرة
ولم تقف مهنة جمع الصبار الناضج عند النساء، فقد شاركهن أطفال في عمر الزهور، بعضهم مارسها بتوجيه من ذويه، وآخرون بقرار ذاتي منهم.
ويقول الطفل إبراهيم صلاح، ويقطن منطقة شرق رفح، إنه اشترى لاقط صبار، وثبته بعصا طويلة، ويتوجه في كل صباح إلى الحقول التي يحيط بها نبات التين الشوكي، ويبدأ بجمع ما يجد من ثمار ناضجة.
الطفل الذي لا يتجاوز عمره "13 عام"، وقد قسا الدهر على ملامح وجهه، وملأت الأشواك يديه الناعمتين، ما إن ينتهي من تعبئة دلوين من الصبار، بعد كنسهما من الأشواك، حتى يتجه إلى طريق صلاح الدين الشرقية، الواصلة بين محافظتي رفح وخان يونس، ويضع ما جمعه قرب الطريق المعبدة، ويجلس مستظلاً بشجرة، بانتظار أحد الزبائن من راكبي الدرجات النارية أو المركبات، ليشتري منه.
يظل الطفل صلاح جالساً حتى ينجح في بيع ما جمعه، حينها يعود فرحا إلى المنزل، مصطحبا معه مبلغ "20 شيكل"، ليعطي معظمها لوالدته، ويحتفظ بالقليل لشراء ما يحلو له.
ونبات الصبار في الغالب غير مملوك لأحد، فقد اعتاد المواطنون على زراعته كسياج طبيعي لحقولهم وبساتينهم، كونه لا يحتاج إلى ري أو رعاية، لمنع أحد من الدخول إليها، فأشواكه وكثافته توفر حماية كافية لتلك البساتين.
ويقطف أصحاب البساتين الثمار الناضجة من داخل أراضيهم، بينما تظل الجهة الأخرى من الصبار في الشارع، ملك للعامة.