الإثنين  25 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

التسوية السياسية.. لعبة ضحيتها الأرض والإنسان!! بقلم: محمود الفطافطة

2015-07-25 09:01:51 PM
التسوية السياسية.. لعبة ضحيتها الأرض والإنسان!! بقلم: محمود الفطافطة
صورة ارشيفية

  

يتحدثون هذه الأيام عن وجود مفاوضات سرية بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني... وفي هذا الخصوص نود أن نستعرض، وبشيء من التفصيل مسألة التسوية السياسية بين العرب وإسرائيل عموماً وبين الإسرائيليين والفلسطينيين على وجه الخصوص.  تستدعي ضرورات البحث العلمي معالجة كثير من القضايا والتساؤلات المتعلقة بهذه المسألة التي تعددت الآراء والمواقف حول مبرر انطلاقها، وتكاثر مساراتها، والنتائج التي نجمت عنها، وما إلى ذلك من جدلٍ لا يزال ملتهباً، بشأن طبيعة مصيرها ومآلها.

هذه المسيرة التي بدأ الإعلان عنها بشكلٍ رسمي في مؤتمر مدريد المنعقد  في الثلاثين من شهر تشرين أول 1991 ـ وإن كانت ذيولها ممتدة إلى سنوات طويلة قبل هذا التاريخ ـ لازمها الاعتلال منذ نشأتها، ولا يزال، فقد استطاعت إسرائيل برعاية أمريكية كاملة أن تنتهز فرصة الضعف والانقسام العربي لتمرر وتفرض شروطها التي قضت، فيما قضت إليه، بتفتيت العرب إلى موائدٍ تفاوضية منفصلة؛ مجردة من فن التفاوض وغنى الدلائل ومتانة الوثائق .

وبما أن المفاوضات تقوم على حسابات دقيقة لميزان القوى والمصالح في الوقت الذي كان فيه العرب والفلسطينيين مجردين من إسناد ذاتهم، أو توفير الدعم من خارج إطارهم ( الإقليمي والدولي) فإن إسرائيل استطاعت أن تنفرد بهم منذ بداية هذه المسيرة المحملة بخيوط التعثر إلى حد الانقطاع حيناً وبرواسب الغموض إلى حد التشكيك أحياناً.

دخل العرب مؤتمر مدريد وميزان القوى يميل إلى مصلحة إسرائيل بشكلٍ واضح وكبير. هذا الخلل الذي تمظهرت تجلياته من خلال ميزان القوى العربي ـ الإسرائيلي اتسم بظواهرٍ ثلاث أولها امتلاك إسرائيل لصناعة حربية حديثة ومتطورة ومتفوقة، وثانيها احتكارها للسلاح النووي في المنطقة، في حين تمثل المظهر الثالث في تحالف الدولة العبرية مع الولايات المتحدة الأميركية عبر شراكة إستراتيجية عميقة الجذور، متنوعة الأسباب والمجالات.

ومنذ انطلاق التسوية السياسية وُضعت اشتراطات ومحددات في مؤتمر مدريد على غير ما كان يتمناه الطرف العربي. فعلى الرغم من الاقتراح السوري بضرورة أن تشكل الوفود العربية طرفاً واحداً في المفاوضات وأن يؤجل عمل اللجان متعددة الأطراف إلى ما بعد الانتهاء من المفاوضات الثنائية رفضت إسرائيل هذا المقترح لتتحول العملية السياسية بعد ذلك إلى تعددية المسارات وبالتالي تشتت العرب في نتوءات تفاوضية أجادت إسرائيل ومن خلفها واشنطن اللعب على أوتارها وتحديد نغماتها وضبط إيقاعها.

وهكذا كان حال مسيرة التسوية بين العرب وإسرائيل، حيث أصبحت هذه العملية السياسية مجزأة ولم تعد شاملة،لا في جزئياتها ولا في كليتها وأخذت المسارات الثنائية الواحدة تلو الأخرى تعطي نتائجها استنادا إلى هذا الخلل المبدئي الأساسي الذي أتاح لإسرائيل فرض متطلباتها الأمنية على عملية التفاوض وجعل هذه النظرية الأمنية المرجعية التي تقيس بها القبول والرفض للمطالب والحقوق العربية. بكلماتٍ أخرى: أصبحت إسرائيل هي التي تدير اللعبة التفاوضية والقادرة على تحديد معاييرها ومكانها وزمانها وبالتالي ضبط نتائجها في حين أن الأطراف العربية ومن ضمنها الطرف الفلسطيني لم تكن مؤهلة للانخراط في فنون التفاوض وتعقيداتها، أو قادرة على تجميع خيوط القوة الذاتية أو الغيرية لصالحها.

استناداً إلى مجمل هذا المعطى فقد بدأت بذور التعثر تلازم عملية التسوية السياسية منذ البداية، فالعرب غدوا مشتتين على طاولة تفاوض هنا، وثانية هناك، ولا يجمع بينهم مبادرة أو إستراتيجية موحدة، وواضحة، في الوقت الذي كانت فيه إسرائيل متسلحة بعقيدتها الأمنية، وإيديولوجيتها الصهيونية التي ترى في نفسها القوى العظمى والوحيدة بين محيط عربي ضعيف، وبالتالي عليها أن تحدد مسير ومصير هذه العملية التفاوضية.

وفي خضم ما جرى ويجري من حوارات ولقاءات سياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين قد يكون مصطلح" التسوية السياسية " هو الأصوب نظراً لعدم تحقيق هذه المسيرة ما يصبو إليه الفلسطينيين من سلام واستقرار،أو تحقيق حلمهم الذي طال والمتمثل في بناء دولة فلسطينية وعاصمتها القدس وضمان عودة اللاجئين إلى ديارهم التي هجروا منها والعيش بحرية بكرامة كباقي الكثير من شعوب الأرض.

هناك من يرى أن التسوية السياسية تعرضت لجملة تحديات كانت سبباً في تعثرها، ومن ثم إلى توقفها،أو انهيارها.أهم هذه العوامل في نظرهم:

1. تشدد وتعنت الموقف الإسرائيلي.فإسرائيل لا تبغي سلاماً عادلاً، وإنما تبغي تسوية أقرب إلى" المباراة الصفرية" تحقق لها ما تريده وللفلسطينيين أقل القليل. تحقق لها الأمن حسب رؤيتها والاحتفاظ بالمستوطنات وبالقدس عاصمة أبدية لدولتها المصطنعة بينما على الفلسطينيين أن يكتفوا بدولةٍ مقزمة، مهيضة الجناح، محرومة من أسباب القوة، تسقط بها ومعها قرارات الأمم المتحدة المؤكدة على "حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف ".إن القيادة السياسية في إسرائيل لا تؤمن بالسلام ،بل تؤمن بإسرائيل الكبرى.

2. الانحياز الأمريكي التام للطرف الإسرائيلي؛ ذلك أن ضمان بقاء وأمن تفوق إسرائيل يحتل باستمرار قمة أولويات السياسة الخارجية الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط.فالموقف الأمريكي الثابت يجسد ما بين أمريكا وإسرائيل من تحالف استراتيجي أو رابطة عضوية فريدة أو علاقة تبعية من نوع خاص.يضاف إلى ذلك عدم استعداد التحالف الأمريكي ـ الإسرائيلي "التنازل" عن شيء من مكاسب إسرائيل التي جنتها في حرب حزيران عام 1967وطموح صناع القرار في كل من واشنطن وتل ابيب إلى مراكمة المكاسب الإسرائيلية عبر التهام الحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة.

3. تمسك بعض الفصائل الفلسطينية بموقف مبدئي ثابت قوامه رفض أي سلام مع إسرائيل، للاعتقاد بأن الصراع معها صراع وجود لا حدود.فهي كيان مصطنع،استيطاني ،غريب،اغتصب أرض الغير وطردهم منها، نشأ وتمدد وفرض وجوده بالقوة العسكرية، يربي أبنائه على كراهية الفلسطينيين والعرب والتعامل معهم بكل الشدة والعنف .إن كياناً بهذا الصفات يستحيل قبوله أو التعايش معه، وبالتالي لا يمكن التعايش معه بل مواصلة النضال لاقتلاع جذوره والقضاء عليه.

4. الضعف العربي والأوروبي والعالمي في تحريك هذه العملية بعيداً عن الانحياز الأمريكي المطلق والعضوي لإسرائيل، بحيث أصبحت حيثيات ومجريات هذه العملية السياسية تتحكم فيها إسرائيل، وواشنطن، الأمر الذي ضاعف من فشلها، وعزز من توقفها في كثيرٍ من المحطات التي مرت بها.

وفي مقابل ذلك نجد أن من يرى بأن هذه التسوية ما زالت حية ويجب العمل الجاد والسريع على تنشيطها فيسوق جملة من التجليات على صحة قوله، تتمثل في أن اللقاءات والحوارات ما زالت جارية بين الطرفين(الإسرائيلي والفلسطيني)، وإن هذه العملية قد تصاب بالجمود والتوقف حيناً ولكنها ستبقى متواصلة طالما الصراع باقٍ والاحتلال جاثم على الأرض الفلسطينية.هؤلاء كالذين ينظرون إلى الطاحونة التي تزعج الأذن دون أن تسد جوع المعدة . هذه اللقاءات لم تؤتِ شيئاً مما هو مطلوب فلسطينياً وأصبحت بالنسبة إلى إسرائيل مجرد"علاقات عامة" تجني من ورائها مكاسب سياسية ودعائية،سيأتي ذكرها لاحقاً.

وتعتبر الأسس التي قامت عليها هذه العملية التفاوضية، أقل ما يتمناه ويطلبه الشعب الفلسطيني فاعتراف إسرائيل في مبادئ الإعلان " أوسلو" كان اعترافا بمنظمة وليس بشعب فلسطين.فكل فقرات هذا الاتفاق تتحدث عن الفلسطينيين وليس عن الشعب الفلسطيني، فهو لديهم لا يمتلك الحق  في تشكيل كيانية سياسية مستقلة. وإلى جانب ذلك فإن لكل مبادرة سياسية كان لها هدفاً كبيراً من جانب إسرائيل وواشنطن وكأنها مشروع معاهدة تسليم. فجورج بوش الأب طرح فكرة مؤتمر مدريد بعد حرب الخليج الثانية وجورج بوش الابن طرح خارطة الطريق في أعقاب سقوط بغداد.

اتبعت إسرائيل في تفاوضها مع الفلسطينيين أساليب ومسلمات تعتبر أسوا التقاليد السياسية للحركة الصهيونية في التعامل مع  الفلسطينيين والعرب عموماً.   أهم هذه الأساليب تتمثل في:

أولاً: الأساليب

1.التمسك بقوالب تفاوضية جامدة حتى النهاية ورفض كل الضغوط الدولية أو وجهات الرأي العام العالمي،مع رفضها مشاركة الأمم المتحدة، لأن ذلك من شأنه التأكيد على الإطار المرجعي القانوني الدولي المتمثل في القرارين 442 و 338، والقرارات الأخرى ذات الصلة، والصادرة عن المنظمة الدولية.

2. سياسة الامتناع عن التفاوض الجاد واستخدام التفاوض لإهدار الوقت، وتجنب الضغوط الدولية الرامية لوضع نهاية قانونية للصراع العربي ـ الإسرائيلي. وقد استخدمت إسرائيل هذا التكتيك طوال فترة حكم يتسحاق شامير حيث صرح" أنه كان مستعداً للتفاوض لعشر سنوات دون أن يتحرك عن موقفه".

3. فرض الأمر الواقع على نحوٍ ظاهر بخصوص الموضوعات التي يجري حولها التفاوض الأمر الذي جعل نطاق التفاوض محصوراً في الحدود التي تنوي إسرائيل التنازل عنها. وقد طبقت جميع الحكومات الإسرائيلية هذا الإجراء، لا سيما بخصوص ملف الاستيطان.

4.فرض مزيد من التنازلات أثناء التفاوض حول الترتيبات الإجرائية والإدارية والأمنية هو جزء لا يتجزأ من أسلوب إسرائيل التفاوضي . فالتفاوض حول هذه الترتيبات الإجرائية عادة ما يستغرق زمناً طويلاً بسبب المبالغة في التفاصيل، الأمر الذي يتيح للإسرائيليين فرصة كبيرة لمزيد من التحايل وانتزاع التنازلات.

5. إعادة التفاوض حول الاتفاقيات المبرمة بالفعل. ومثال على ذلك إصرار نيتانياهو على إعادة التفاوض حول الاتفاق الخاص بالخليل في العام 1997، والبنود المتعلقة بالانسحابات الإسرائيلية من الأراضي المحتلة.

6. إحراج  و" عصر" المفاوض الفلسطيني وهو ما يتم باستخدام تقنيات متعددة مثل تسريب الأخبار المتعلقة بالتفاوض،والمبالغة في التفاصيل وإطالة أمد التفاوض حتى حول ابسط الأمور بهدف انتزاع مزيد من التنازلات حتى آخر لحظة.

7. وأخيراً إتباع أسلوب تكتيك حافة الهاوية (التهديد بإنهاء أو انهيار المفاوضات إذا لم يقبل الطرف الفلسطيني  بالتنازلات المطلوبة منه).

ثانياً: المسلمات

ارتكزت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على مسلمات في التفاوض مع العرب والفلسطينيين بحيث نجحت في إقناع الرأي العام الإسرائيلي، ومن ثم الدولي بهذه المسلمات، والتي أهمها

 1. إن الصراع مع الفلسطينيين يدور على وجود الدولة وليس مجرد الانسحاب من الأراضي التي احتلتها إسرائيل في حرب حزيران/يونيو 1967.

2. إن ما يجري ضد إسرائيل هو حرب حقيقية شاملة ضد الدولة والشعب اليهوديين؛ وبالتالي يتوجب محاربة العرب والفلسطينيين وعدم التسليم أو التنازل لهم بأي حال من الأحوال.

3. إن المفاوضات ليست هي الطريقة المثلى للتعامل مع الفلسطينيين والعرب. وللتدليل على ذلك قدمت مراكز الأبحاث الإسرائيلية إحصاءات تبرهن على أن اتفاق أوسلو قد أضر بأمن إسرائيل ومواطنيها.

4. القوة المسلحة هي الخيار المناسب للتعامل مع الفلسطينيين والعرب وأن من خلالها يمكن التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين لتسوية الصراع وفق الرؤية التي تحقق بها إسرائيل أهدافها وتطلعاتها.

5. إن أي تسوية سياسية لا بد من أن يسبقها فرض إرادة إسرائيل على الشعب الفلسطيني وتغيير القيادة الفلسطينية ووصول قيادة بديلة تؤمن بحق إسرائيل في الوجود  وتعترف  بقوتها وتقبل التفاوض وفق الأسس التي تحددها إسرائيل.

هذه المسلمات الإسرائيلية كانت سبباً رئيساً في تعثر التسوية السياسية.والى جانب ذلك هناك عوامل أخرى ساعدت في ذلك التعثر مثل تحيز الولايات المتحدة الأمريكية تجاه إسرائيل، وضعف المواقف الدولية والعربية المساندة للسلطة ، وقلة الإمكانيات الموضوعية التي بحوزة هذه السلطة وهي تخوض معركة مفاوضات مع عدو شرس

إذا عاد الجانب الفلسطيني إلى المفاوضات مرة أخرى،فعليه أن لا يلدغ من الجحر مرات متعددة،وبالتالي عليه أن يحصن نفسه ويحكم تعامله مع هذه العملية كي لا تؤول إلى ما آلت إليه عملية المفاوضات السابقة.في هذا السياق يجب على الجانب الفلسطيني أن يحرص تماماً على ما يلي:

1. العودة إلى المفاوضات يجب أن لا يكون هدفاً قائماً بذاته ولذاته بالنسبة للجانب الفلسطيني،بل هي وسيلة لتحقيق هدف.والهدف هو إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة المستقلة وكاملة السيادة.وعلى الجانب الفلسطيني أن يصر على عملية التوازي في التنفيذ،وأن يرفض بشكل قاطع مطلب إسرائيل بأن يتم التنفيذ بشكل متوالي،أي أن يقوم الطرف الفلسطيني بتنفيذ خطوات محددة أولاً،في المجال الأمني تحديداً ،كي يقوم الجانب الإسرائيلي بتنفيذ الخطوات المطلوبة منه لاحقاً.

2. على الجانب الفلسطيني أن يحكم ،إذا عاد إلى التفاوض، وبإتقان،آليات التفاوض مع إسرائيل،وأن لا يعيد تكرار أخطائه السابقة المكلفة في هذا المجال.فعملية المفاوضات هامة وخطيرة في آن،ويجب أن لا تترك "للتساهيل" أو للمماحكات الداخلية التي يعاني منها الوضع الفلسطيني الرسمي كثيراً،بل عليها أن تتم بأقصى درجة من التنظيم والكفاءة وأعلى درجة من التنسيق الداخلي.بصريح العبارة ،على الجانب الفلسطيني أن ينهي بشكل كامل وقاطع فوضى وعشوائية التفاوض التي كانت جزءاً من العملية التفاوضية السابقة،وذلك بوقف عملية التسابق والتنافس الفلسطيني الداخلي عليها.

3.يجب التعلم من دروس الماضي،وذلك عبر تحاشي إغراق الشعب الفلسطيني بالتفاؤل العشوائي والأمل الزائف خلال عملية التفاوض القادمة.فمن اجل اكتساب شرعية لعملية افتقرت لها،وللتغطية على كثير من مجالات العجز والإخفاقات الفعلية خلالها،قام الجانب الفلسطيني خلال العملية التفاوضية السابقة بتقديم سيل جارف من الإعلام التفاؤلي الموجه،فتم تحقيق الانجاز بعد الانجاز وتحرير مناطق تلو مناطق، وإقامة السيادة، وحشر "الخصم" في الزاوية المتلاحقة،حتى تبين أن كل ذلك جزافاً.يجب أن لا يتكرر ذلك مرة ثانية،بل يجب لكي تحظى العملية التفاوضية بصدقية أن يتم الإعلان عن إخفاقاتها قبل انجازاتها،بكل صدق وجرأة.

4.يجب تجنب التفاوض على قضايا غير سياسية،من نوع مسائل تحسين الظروف والتسهيلات،فهذه يجب ألا تكون موضوع تفاوض على الإطلاق،فغالباً إسرائيل سعت إلى حرف التفاوض عن المواضيع الجوهرية السياسية إلى المواضيع المعيشية،وكان ذلك خطأ ،وبالتالي يجب عدم الانجرار إلى مثل ذلك في المفاوضات المقبلة.

5. التحذير من إعادة التفاوض على ما كان يتفق عليه،بهدف إجبار الجانب الفلسطيني على تقديم المزيد من التنازلات،فالمماطلة والتسويف الإسرائيلية التي خبرت في الحكومات الإسرائيلية السابقة،هدفت إلى إضاعة المزيد من الوقت للإجهاز على ما تبقى من الكيان الفلسطيني في الضفة والقطاع والقدس ،وبالتالي خلق وقائع جديدة على الأرض،تفرض نفسها على أي حل مستقبلي

6. إن رعاية عملية التسوية السياسية بين العرب وإسرائيل،وتحديداً بين الأخيرة والفلسطينيين تحتاج إلى جهد دولي نشط، وليس إلى استمرار الانفرادية الأمريكية في ذلك خلال أكثر من عقد مضى،والتي لم تؤدي إلى تحقيق التسوية ،وإنما إلى احتقان الأوضاع في المنطقة برمتها.وعلى هذا الأساس يجب إطلاق الدعوة لعقد مؤتمر دولي جديد لرعاية عملية التسوية،على أن يتم العمل على الصعيد العربي لإيجاد موقف موحد بهذا الاتجاه،وأن يتم الدفع باتجاهه مع الاتحاد الأوروبي وروسيا ودول عدم الانحياز والمؤتمر الإسلامي لإخراج هذه المبادرة إلى حيز التنفيذ هذا الأمر سيحرج إسرائيل ويضغط على واشنطن.

7. إن قيام السلطة الوطنية الفلسطينية،عبر المنظمة، بعملية تفاوض تحظى بالتأييد الداخلي مرهون بصدقية هذه السلطة أمام الشعب.ولا تتحقق هذه الصدقية من كيفية أدائها التفاوضي فقط،وإنما من مجمل أدائها العام في تدبير شؤون الحياة الفلسطينية.عندما يستقيم الوضع الفلسطيني الداخلي سيشعر المواطن الفلسطيني باطمئنان لهذه الحكومة أو تلك السلطة وسيعطيها الثقة للتفاوض باسمه.

8. كل ما سبق ذكره من نقاط ضروري وأساسي لخوض غمار عملية مفاوضات محكمة،ولكنه لوحده يبقى غير كاف لضمان تحقيق الهدف من المفاوضات.المفاوضات علاقة قوة بين طرفين أو أكثر .ولكي يحقق كل طرف هدفه من المفاوضات عليه أن يجمع أقصى ما يمكن من عناصر القوة للممارسة الضغط اللازم لإقناع /إجبار الطرف المقابل على التجاوب مع مطالبه.يؤدي توازن قوة الطرفين المتفاوضين إلى ضرورة تقديمهما تنازلات متكافئة ومتبادلة في عملية التفاوض.