الأربعاء  23 نيسان 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

العدد 44| معاناة أطفال القدس في غرف التحقيق.. اعتقال نفسي أبدي

310 أطفال اعتقلوا في النصف الأول من العام الجاري

2015-07-28 01:27:34 AM
العدد 44| معاناة أطفال القدس في غرف التحقيق.. اعتقال نفسي أبدي
صورة ارشيفية
الحدث – آيات يغمور
 
310 أطفال من عمر الرابعة وحتى الثامنة عشر، هم من اعتقلتهم سلطات الاحتلال الإسرائيلي منذ مطلع العام الجاري حتى أواخر شهر حزيران الماضي في مدينة القدس المحتلة، ليظهر جلياً استهداف سلطات الاحتلال لأطفال القدس، وخصوصاً في بلدة سلوان.
 
وتستمر أعداد الاعتقالات بحق الأطفال في تزايد.. ليكاد كل الأطفال في المدينة المقدسة معتقلين أو ينتظرون اعتقالهم حتى نهاية العام.. سواء كان اعتقالاً مباشراً داخل زنازين الاحتلال أو من نوع آخر، وهو الحبس المنزلي الذي حول الاحتلال من خلاله الأهل إلى سجانين.
 
ويتوقف مركز معلومات وادي حلوة في سلوان عند هذه الانتهاكات سعياً لرصدها، وتوجه رواده للحصول على معلومات صحيحة على ألسنة أهالي بلدة سلوان، الأكثر تضررا من اعتقالات الأطفال، حرصاً على تداول المعلومة ورصد الانتهاكات الإسرائيلية والوقوف أمام محاولات التهويد الاستيطانية التي تستمر في الزحف على أراضي بلدة سلوان شيئاً فشيئاً محاولة التهام ما تبقى منها.
 
وأظهر تقريرٌ صدر عن مركز معلومات وادي حلوة أنّ نسبة الأطفال المتسربين من مدارس القدس بلغت 52%، بينما حظيت بلدة سلوان بحصة أكبر وصلت إلى 65%، ويرجع السبب، حسب ما ذكر التقرير، إلى السياسات الإسرائيلية التي تتعمد مضايقة الأطفال، مما يجعلهم يختارون طريقاً بعيداً عن المؤسسات التعليمية، إضافة إلى افتقار الأحياء المقدسية إلى مراكز ترفيهية تقدر على استيعاب الأطفال وإشراكهم في ممارسات ترفيهية آمنة.
 
هناك في وادي حلوة يقبع المركز المعلوماتي الوحيد في سلوان، الذي يعتبر محطة لكثير من الباحثين الفلسطينيين والأجانب أيضاً، بالرغم من تعرض المركز لمضايقات شديدة نظراً لقرب المستوطنين منه.
 
وفي هذا السياق، أوضحت الباحثة والراصدة في مركز حلوة للمعلومات فداء رويضي في مقابلة مع "الحدث": "أن المركز، نظراً للدور الذي يلعبه في المنطقة ورصده للانتهاكات والاعتقالات الإسرائيلية المستمرة في سلوان، يتعرض لعدة مضايقات على شكل محاكم وقضايا قانونية رفعت على المركز، ومضايقات لفظية وأحياناً تصل لاعتداءات جسدية على العاملين فيه".
 
غرفة رقم 4
جميع من اعتقل من الأطفال وغيرهم، استضيف في الغرفة التي لا يمكن نسيانها، وكأنها الغرفة المميزة في إحدى أفخم الفنادق، لكن هنا هي غرفة اعتقال (غرفة رقم 4)، بالنسبة لأهالي القدس وبلدة سلوان تحديداً تصورهم الخاص حول ما تحمله هذه الغرفة من بشاعة صورٍ ترتطم في الذاكرة، هي غرفة التحقيق الأولى التي تقوم شرطة الاحتلال باصطحاب المعتقلين إليها، الأمر الذي أراد مركز وادي حلوة إظهاره للعالم، لتصبح الصورة في متناول الجميع عبر حملة تصويرية أطلقت عليها ذات الاسم (غرفة رقم 4).
 
اثنتا عشرة صورة تمثل مراحل الاعتقال، جسّدها شخصيات فلسطينية معروفة لتوصل معاناة الأطفال بصورة تعبيرية فنية، ويقول مجد غيث أحد الناشطين في المركز والمصورين لهذه الحملة: "هذه الحملة التصويرية من فكرة مركز واد حلوة ومركز مدى الإبداعي، هدفها إظهار حقيقة ما يجري في غرف التحقيق مع أهالي القدس، كل صورة تعبر عن قضية ومحطة من محطات الاعتقال التي شهدها الأطفال، وهذه الصور اعتمدت على إفادة 30 طفلاً رصد المركز معاناتهم". 
 
الأطفال المعتقلون والقانون الإسرائيلي
في ساعات الصباح الأولى قبيل طلوع الشمس، تتوجه شرطة الاحتلال، وأحياناً قوات من المستعربين، إلى منزل الطفل المنشود، فتنقض على منزله أو منزل أحد الجيران الذين ساءهم الحظ، لتصطحب ابن الثالثة عشر، أقل أو أكثر، في سيارتهم العسكرية.
 
ويقول محامي مؤسسة الضمير محمد محمود: "90% من حالات الاعتقال تنتهي بالضرب على يد الشرطة أو حرس الحدود، التي تتعمد إجراء الاعتقال في ساعات الفجر لزيادة الترهيب"، ويضيف المحامي حول مراحل الاعتقال التي ترافق الطفل: "بعد اعتقال الطفل يتم إدخاله في سيارة الشرطة واصطحابه إلى مكان نائي لتسجيل تقارير وإفادات ملفقة تنتهي بتلبيس الطفل ملف في كثير من الحالات، ومن مركز الشرطة إلى غرفة تحقيق رقم 4".
ويوضح محمود أن الإفادات يتم تسجيلها بعد ضرب وتهديد في ظل وعود كاذبة بالإفراج عن الطفل القاصر، مشيراً إلى أن القانون الإسرائيلي فيما يتعلق بالاعتقال ينص على وجوب تواجد الأهل أثناء التحقيق مع الطفل، الأمر الذي يتغاضى عنه المحقق الإسرائيلي بحجة تشويش التحقيق.
 
وأكد أن الأسلوب الذي تعتمده شرطة الاحتلال في تغميض الأعين وتربيط اليدين هو فعل غير قانوني، والأصل، حسب ما جاء به القانون الإسرائيلي في باب الاعتقال: "إذا ارتكب قاصر فعلاً مخالفاً دون وجود شرطي يجب استدعاء الشرطة والأهل معاً"، وهو ما يتم خرقه".
 
وحول أهمية تواجد الأهل في غرف التحقيق، ذكر المحامي محمود أن الحالات التي حضر بها الأهل لم يتم تسجيل أي اعترافات بحق أبنائهم".
 
ومن أبشع الانتهاكات التي شهدها الأطفال المعتقلون، تحويل الطفل المعتقل إلى الشاباك مباشرة دون المرور بمركز الشرطة، وهو ما أشار إليه محامي الضمير الذي أفاد بتعرض طفل (16 عاماً) إلى الاعتقال لمدة تجاوزت (18 يوماً) في زنازين الشاباك التي احتوت على جماعات من اليهود المتطرفين "البالغين" الذين قاموا بالاعتداء عليه بأفعال مشينة.
 
من جهتها، تقوم محكمة الاحتلال في القدس التي يطلق عليها "الصلح الإسرائيلية"، باتخاذ قرارات تعسفية بحق الأطفال الذين ثبتت إدانتهم في ملفات التحقيق، ويقول محامي الضمير: "المحكمة تتخذ إجراء الحبس الفعلي في حال إثبات ارتكاب ضرب الحجارة من غير وقوع إصابات لمدة ثلاثة أشهر، وأحياناً أخرى تقوم بالحكم على الطفل بالعمل لصالح الجمهور، وغالباً ما تقوم بتغريم أهالي الأطفال بمبلغ مالي يصل إلى 4000 شيقل خاصة بعد أحداث الشهيد محمد أبو خضير".
 
 
الحبس المنزلي يعطي الأهل دور السجان
ينظر البعض إلى الحبس المنزلي كنوع من العقوبة المخففة أو الإجراء الأقل ضرراً، مقارنة مع السجن الفعلي الذي يجعل الطفل ينام بعيداً عن عائلته خارج فراشه.
 
هذه الصورة المجملة للاعتقال والحبس المنزلي، يرى فيها المحامي محمود ضرراً أكبر من الناحية الفعلية، قائلا: "الحبس المنزلي هو إجراء تعسفي وأقسى من الحبس الفعلي، لأن المدة المعطاة تكون أطول بكثير من الحبس الفعلي الذي ينتهي بشهرين أو ثلاثة أشهر"، مشيراً إلى إمكانية تمديده وتغريم الأهل بمبالغ طائلة في حال خرق الحبس المنزلي من قبل الطفل.
 
من جهتها، ترى الأخصائية النفسية شريهان حنون أن الضرر النفسي الواقع جراء الحبس المنزلي أكثر ضراوة من الفعلي: "الحبس المنزلي يعطي الأهل دور السجان الذي عليه منع طفله من الخروج واللعب والمشاركة في الحياة الاعتيادية، خوفاً من عقوبة غرامية هائلة".
 
ويبدو أن الأهالي مجبرون على تمثيل دور السجان، بل والواشي أيضاً، ويوضح المحامي محمود: "على الأهل إجراء اتصال هاتفي لتبليغ الشرطة بخرق طفلهم للحبس المنزلي تجنباً لدفع الغرامة المالية".
 
وتشير شريهان حنون إلى تدهور العلاقة الأسرية مع الأهل والأخوة جراء متابعة الأخوة أعمالهم اليومية في ظل تواجد الطفل في المنزل حبيس جدرانه، ناقماً على والديه الذين اضطروا إلى إبقائه في المساحة المحددة كسجان يمنع خروج سجنائه.
 
الصحة النفسية والإرشاد الاجتماعي
ويستعين مركز مدى الإبداعي التابع لمركز معلومات وادي حلوة، بجمعيات ومؤسسات مختصة لتقديم العلاج النفسي للأطفال الذين تعرضوا لاعتقالات جعلت العودة لطفولة طبيعية أمراً مستحيلاً.
 
وعند تواصل الأهل مع المركز، يتم فحص حاجات الأهل والطفل الذي خاض هذه المرحلة الصعبة، فإن كانت نشاطات المركز الترفيهية والتعبيرية غير كافية لصحة نفسية أفضل، يقوم المركز بالتواصل مع خبراء ومرشدين نفسيين لإجراء التدخل اللازم.
 
وتشرح حنون التي تعمل مع مؤسسة أطباء بلا حدود، أهمية العلاج النفسي للأطفال المعتقلين وذويهم أيضاً: "من بلدة سلوان كنت أتابع حالتين أسبوعياً، أغلب هذه الحالات من فئة المراهقين الذين كان التعامل معهم بطريقتين: "جلسات فردية لمرة أو مرتين أسبوعياً وفقاً لحالة الفرد، أو كمجموعة واحدة تعرضت لحادثة متشابهة""، وتضيف حنون عن طبيعة الإرشاد: "في أول جلستين نكتفي بالتعارف لبناء نوع من الثقة يسهل عملية العلاج وترجع الاستفادة من الاستشارة النفسية إلى التزام الحالة بالجلسات ومتابعتها".
 
من جهة أخرى، ترى شريهان أن الأطفال في عمر العشر سنوات فأقل، بحاجة إلى مشاركة الأهل في الجلسة لتحقيق استجابة أفضل، مشيرة إلى أن العمل مع الأطفال في هذه الأعمار صعب جداً لعدم وجود وعي مكتمل وفهم جيد لأحداث الاعتقال التي مرّوا بها.
 
وحول الإرشاد النفسي ترى الأخصائية النفسية أن إنكار البعض حاجتهم للمتابعة النفسية يزيد من تراجع الصحة النفسية، ويسرع ظهور أعراض الغضب والتوتر وقلة النوم، الأمر الذي يجعل الحالة بحاجة إلى أدوية لعلاج صدمة نفسية أو اكتئاب أو صرع أو حتى حركة مفرطة لدى الأطفال.
 
ولا يقل الإرشاد الاجتماعي أهمية عن الإرشاد النفسي كونه يسهل من عمل الثانية، حسب ما تراه حنون: "الإرشاد النفسي بحاجة إلى دعائم اجتماعية تختص بإعادة التأهيل من ناحية مهنية أو أكاديمية لجعل الدورة الإرشادية متكاملة".
 
دور مركز مدى ما بعد الاعتقال
بعد خروج الطفل من تجربة الاعتقال، يقوم مركز مدى الإبداعي بإجراء زيارات منزلية لمتابعة الحالة ومقابلة الأهل، وتوضح المرشدة الاجتماعية سحر عباسي دور المركز ما بعد تجربة الاعتقال: "نحن نحاول دائماً الاتصال مع الأهل والاطمئنان على حالتهم النفسية وندعوهم إلى المركز والانخراط في نشاطاته الترفيهية التي تسهم في إخراج الطفل من أي ضغوطات نجمت عن الاعتقال".
 
وتشير عباسي إلى حقيقة تعاون الأهل والأم تحديداً منذ لحظة الاعتقال ومتابعة الملف مع المحامي وصولاً إلى مرحلة التهيئة الاجتماعية والنفسية، وتضيف: "نحن نعمل في مركز مدى على زيادة وعي الأهل بحقوقهم وحقوق أبنائهم القانونية منذ لحظة الاعتقال وحتى الإفراج عنه"، وتشير عباسي إلى أن الدور الحقيقي للمركز يبدأ بعد الاعتقال.
 
وأكدت عباسي أن أهمية المركز تنبع من خدمته لـ7 أحياء ضخمة يحاول من خلالها تغطية الانتهاكات الإسرائيلية تجاه المقدسيين ومتابعة ملفات الاعتقالات، إضافة إلى محاولات التهويد والهدم المستمرة، وتقول: "إن المركز يعمد لإعطاء محاضرات توعوية مستمرة لأهالي سلوان، خصوصاً لإرشادهم خطوة بخطوة في حال تسلمهم لإخطار بالهدم".
 
وتعد سلوان من أكثر الأماكن المستهدفة من قبل منظمة "العاد" الاستيطانية التي بدأ رئيسها ديفيد بيري بأول عملية استيطانية لمنزل موسى العباسي منذ عام 1990 بحجة أملاك الغائبين.