الحدث- محمد غفري
تعددت أشكال الانتهاكات التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي يومياً بحق المواطنين الفلسطينيين، ولعل أحد أبرز هذه الأشكال تلك الاعدامات التي يقوم بها الجنود باطلاق الرصاص بشكل مباشر ومقصود تجاههم، ودون وجود أي مبرر، في وقت يمكن فيه تفادي حصد الأرواح والقيام بالاعتقال أو الإصابة.
وفي الآونة الأخير سجلت عديد الحالات التي تؤكد قيام جنود الاحتلال باعدام المواطنين بدم بارد، حتى وصلت لأكثر من 300 حالة بحسب نادي الأسير، سواء في لحظات الاعتقال، أو إعدام منفذي العمليات ميدانياً، وكلها تعبر عن استهتار جنود الاحتلال بالأرواح وانعدام المسؤولية.
ومنذ حادثة حرق الطفل محمد أبو خضير واستشهاده العام الماضي، ارتفعت وتيرة العمليات الفردية الفلسطينية عبر الطعن أو الدهس، التي تستهدف جنود الاحتلال والمستوطنين في الضفة الغربية والقدس المحتلة، ولوحظ في غالبية هذه العمليات قيام جنود الاحتلال وعناصر الشرطة بقتل المنفذ واعدامه بدم بارد، رغم قدرتهم على اعتقاله، أو إصابة الأطراف تعطيلاً للعملية.
ويقول محمد حمدي شقيق الشهيد فلاح أبو ماريا (53 عاماً)، الذي استشهد بمنزله في قرية بيت أمر، في 23 تموز، إن جنود الاحتلال اقتحموا منزل شقيقه فجراً، "مع العلم أنه لا يوجد في المنزل مطلوبين أو سببا يدعوا لاقتحامه، وقام أحد الجنود بإطلاق رصاصة على أحد أبنائه في منطقة الحوض دون مبرر".
وأوضح حمدي لـ"الحدث"، أن الأب فور ذلك قام بالصراخ ومحاولة الدفاع عن ابنه، وتخليصه من بين أيديهم فرد الجنود على ذلك بإطلاق رصاصتين عليه في الصدر بشكل مباشر ومن مسافة صفر فارتقى شهيداً.
وطالب شقيق الشهيد، بضرورة محاكمة جنود الاحتلال والقصاص منهم، حتى لا تصبح حالات الإعدام هذه ظاهرة مستباحة من قبل جنود الاحتلال، واستهتارهم بأرواح المواطنين.
وفي صباح يوم الجمعة 3 تموز الجاري، قام قائد كتيبة منطقة بنيامين في جيش الاحتلال يسرائيل شومر بإطلاق الرصاص على الشاب محمد علي كسبة (17 عاما) من مخيم قلنديا وأرداه شهيداً.
ويظهر في شريط الفيديو الذي اطلعت عليه "الحدث"، جيب عسكريّ يقوم الشاب بإلقاء الحجر عليه عند مفترق قرب الحاجز، عندها يتوقف الجيب ويخرج منه جنديّيْن بدآ بالركض وراء الشاب الفارّ، ولا يظهر في الفيديو رشق آخر للحجارة.
وقد استمرّت المطاردة وإطلاق الرصاص خارج مدى تصوير الكاميرا وهما غير موثقيْن في الشريط، لكن شهود عيان أكدوا أنّ الكولونيل شومر أطلق الرصاص على الكسبة فيما كان الأخير على بعد نحو عشرة أمتار منه، وبعدها اقترب منه ودفعه بقدمه، وبدلاً من الاهتمام بتقديم العناية الطبيّة للمصاب ترك الجنود الموقع.
قانون الاحتلال شرع 3 حالات لاستخدام الذخيرة الحية
قبل اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000، كانت تعليمات سلطات الاحتلال لجنوده، في إطلاق النار على الفلسطينيين مقصورة على مهام تطبيق القانون، وقد جرى ملائمة هذه التعليمات مع قانون العقوبات الخاص بإسرائيل، كما ورد على الموقع الإلكتروني لمركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة- بتسيلم.
وقد سُمِحَ بإطلاق النار بالذخيرة الحية في ثلاث حالات فقط: الأولى، عند التعرض لخطر على الحياة، وقد سُمِحَ بإطلاق النار في هذه الحالة بهدف الإصابة، نحو المهاجم فقط، وعندما لا تكون هناك وسيلة أخرى للإحتماء من الخطر، والحالة الثانية تُعنى بالحاجة الى تفريق "أعمال الشغب العنيفة" بعد استعمال وسائل أقل خطورة، مثل القنابل الصوتية، الغاز المسيل للدموع و"العيارات المطاطية"، واتضاح عدم جدواها. أما الحالة الثالثة فتتناول الإجراءات الخاصة بإعتقال المشتبه، حيث يسمح بإطلاق النار بإتجاه ساقي المشتبه به بإقتراف جريمة خطرة، كمرحلة أخيرة، وبعد إنذاره واطلاق النار في الهواء، وعندما لا يكون هناك ثمة خطر في إصابة الآخرين.
ومع اندلاع انتفاضة الأقصى عرَّفت إسرائيل ما يحدث في المناطق الفلسطينية تعريفاً مطلقاً على أساس أنه "نزاع مسلح" أو بمعنى آخر، حرب، وهذا التغيير الذي طرأ على تعريف الحالة في المناطق الفلسطينية، وفَّر في ظاهر الأمر مبرراً لإجراء تغيير ملحوظ على تعليمات اطلاق النار.
بتسيلم: لا يتم التحقيق في الشكاوي ويتم إغلاق الملفات دون محاسبة القاتل
وبحسب مدير البحث الميداني في مركز "بتسيلم" كريم جبران، كشفت العديد من التحقيقات التي قام بها المركز أن عمليات القتل غير مبررة، وفيها سهولة في التعاطي مع السلاح الحي وإطلاق النار بشكل مباشر على المواطنيين الفلسطينيين واستهتار بالأرواح.
وأكد جبران في حوار خاص مع "الحدث"، أن عمليات القتل هذه تتعزز من خلال عدم محاسبة من يرتكب هذه الأعمال، وبالتالي هو نوع من التشريع الغير معلن لهذه الانتهاكات، والتغاضي بشكل كامل عنها.
وأفاد جبران، بأن المركز تقدم في أكثر من مرة بحالات شكاوي ضد عمليات الإعدام هذه ومتابعتها مع لجان التحقيق المختصة بجيش الاحتلال، وفي معضم حالات القتل التي تستهدف المدنيين الفلسطينيين، لا يتم التحقيق فيها، ويتم إغلاق الملفات.
وأضاف، أن "بتسيلم" لم تقدم بعد الحرب الأخيرة على غزة العام الماضي، أي شكاوي إلى جهاز التحقيق في الجيش الإسرائيلي، معللاً ذلك "لأننا وصلنا إلى قناعة أن الجيش غير معني بالتحقيق والمحاسبة الحقيقية وتحقيق العدالة، وندرس وقف تقديم الشكاوي أيضا ضد جرائم الاعدام في الضفة الغربية".
نادي الأسير: هذه جرائم حرب وإبادة ومخالفة للمعاهدة الدولية الرابعة
اعتبر نادي الأسير أن إقدام قوات الاحتلال، على قتل المواطنين الفلسطيين بهذه الطريقة، جريمة حرب وإعدام خارج نطاق القانون ومخالفة صريحة للمعاهدة الدولية الرابعة.
وأكد رئيس نادي الأسير قدورة فارس لـ"الحدث"، أن النادي يقوم بتسجيل الشهادات وتوثيق الجرائم لتكون من بين الجرائم التي تعرض أمام محكمة الجنايات الدولية.
وطالب بسرعة إدراج ملف الإعدامات الميدانية بحق الفلسطينيين والتي طالت أكثر من (300) مواطن خلال الأعوام السابقة؛ ضمن جرائم الحرب التي يحاكم عليها دولياً لردع حكومة الاحتلال عن الاستمرار في جرائمها بحق الشعب الفلسطيني.
لكن حكومة الاحتلال الإسرائيلي ردت في أكثر من مناسبة على نية الفلسطينيين التقدم بملفات للجنائية الدولية، تتعلق بحالات إعدام وقتل عمد، أن "المحكمة لا تتمتّع بأي صلاحية للنظر في الشبهات المتعلقة بانتهاك قوانين الحرب، لأنّ منظومة القضاء الإسرائيلية هي منظومة مستقلة ويمكنها معالجة الشكاوى بخصوص ارتكاب جرائم حرب ظاهريًّا".
وبين نية الحكومة الفلسطينية الاقتصاص ونيل حقوق الشهداء عبر المحاكم الدولية، ورفض الاحتلال وتصعيده تجاه هذه الخطوات، تبقى حقوق الضحايا معلقة، ولا أحد يشير للجاني ولو حتى باصبع بنان.