الحدث- حامد جاد
دفعت طبيعة الأوضاع التي يعيشها أهالي قطاع غزة في ظل الحصار المفروض وعجز الغالبية العظمى منهم عن التنقل والسفر بشريحة واسعة من رجال الاعمال وأصحاب رؤوس الاموال الكبيرة والصغيرة على حد سواء للاستثمار في القطاع السياحي المعتمد بشكل أساسي على السياحة الداخلية فهذا القطاع الذي شهد خلال السنوات الأخيرة الماضية نمواً ملحوظاً ترجم بضخ عشرات ملايين الدولارات في إقامة المنتجعات السياحية والمرافق الترفيهية والمطاعم السياحية ومحال الكوفي شوب ومئات الشاليهات المغلقة لتشكل مجتمعة بديلاً لمواطني قطاع غزة المحرومين من السفر، وملاذاً مكنهم من تمضية أوقات ترفيهية والاستفادة من الخدمات التي تقدمها هده المشاريع لروادها.
وحول تنامي الاستثمار في قطاع السياحة الداخلية والمنشآت الترفيهية المختلفة المعتمدة كلياً على المستهلك المحلي، حاورت الحدث العديد من القائمين على هذه الاستثمارات المتباينة الكلفة حيث أشار سمير سكيك رئيس الهيئة الفلسطينية للمطاعم والفنادق والخدمات السياحية ورئيس لجنة التدريب والتطوير في الهيئة إلى أن نحو 30 منشأة سياحية أقيمت بعد الحرب الأخيرة على غزة، ما بين منتجعات ومحال كوفي شوب ومطاعم سياحية، لافتاً إلى أن تطوير الطريق الساحلي "شارع الرشيد" ساهم بإقامة المزيد من المنتجعات السياحية التي كان آخرها مجموعة المطاعم التي أقيمت في محيط حوض ميناء غزة وتجديد وتطوير منتجع الشاليهات.
ونوه إلى ما شهدته العديد من هذه المنتجعات وسائر الأماكن الترفيهية من ازدحام شديد مع بدء موسم الصيف وخلال فترة أيام العيد حيث لوحظ حالة اكتظاظ داخل كافة هذه الأماكن نتيجة نزوح أعداد كبيرة من سكان مناطق جنوب وشمال قطاع غزة باتجاه مدينة غزة لتمضية أوقاتهم خلال فترة العيد في هذه المنشآت السياحية.
جدوى الاستثمار ومستوى الإقبال
وقال سكيك: "نجد خلال فصل الصيف والمناسبات المختلفة من يعمل من هذه المشآت الترفيهية بكامل طاقتها ومنها من يعمل بطاقة 50% أو أكثر، وبالتالي بشكل عام، الكل استضاف أعداداً كبيرة من الزائرين وطالبي الخدمات الترفيهية التي تقدمها هذه الأماكن والمنشآت الترفيهية الأخرى كمدن الألعاب الخاصة بالأطفال التي حظيت بنسبة كبيرة من الاستثمار في هذا القطاع، وأقيمت غالبيتها على امتداد شاطئ الرشيد، لذا فمن كان لديه رأس مال كبير أو متوسط أو صغير أصبح هدفه الاستثمار في القطاع السياحي كقطاع يعتمد نشاطه على سكان القطاع، والمستثمر يعتقد أن نسبة المخاطرة في هذا النشاط محدودة".
وأضاف: "لكن للأسف الكثير ممن استثمروا في هذا القطاع لم يكن لديهم القدرة على تطوير مشاريعهم كما لم يكن لديهم كوادر مهنية مدربة، لذا بعد سنوات شهدنا فشل وإغلاق العديد من المشاريع، وفي المقابل شهدنا تطوير مشاريع أخرى أعيد تأهيلها ورفدها بخدمات أكثر تطوراً".
دور الهيئة
وأوضح سكيك أن هيئة المطاعم والفنادق والخدمات السياحية تحاول تنشيط هذا القطاع وإطلاع المستثمرين فيه على جوانب القوة والضعف في هذا النشاط الاستثماري، وأن يسترشد المستثمر بجملة من المعايير قبيل إقدامه على الاستثمار العشوائي، لذا لا بد من الاعتماد على دراسات الجدوى التي تحدد فرص نجاح هذا المشروع أو ذاك، فالعديد من صغار المستثمرين تعرضت مشاريعهم للفشل، وهناك أكثر من مستثمر عمل على تطوير مشروعه أكثر من مرة نتيجة للعشوائية وإقامة هذه المشاريع دون تخطيط أو دراسة لاحتياجات المستهلك والفئات المستهدفة من هذه الاستثمارات والخدمات التي تقدمها وسط حالة المنافسة الكبيرة التي يشهدها هذا النشاط الاستثماري.
واعتبر سكيك أن تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص يشكل مطلباً للنهوض بالقطاع السياحي وتنظيم سوق الاستثمار في المشاريع السياحية والترفيهية بشكل عام، لافتاً إلى أنه توجه الأسبوع الماضي للمشاركة في برنامج تدريبي في اليابان بتمويل من مؤسسة جايكا اليابانية ويشارك في هذا البرنامج التدريبي ممثلون عن 14 دولة عربية وأجنبية، ويستمر لمدة شهرين ويبحث في سبل تعزيز التعاون المشترك بين القطاعين العام والخاص في مجال التسويق السياحي ودراسة انتشار المشاريع وكيفية تنظيم عملية افتتاح المنشآت السياحية.
ونوه سكيك إلى أن النشاط السياحي في قطاع شهد عام 2000 تغيراً جذرياً حيث بات يعتمد على زيارة وفود الصحافة الاجنبية التي تأتي لزيارة غزة في أوقات الأحداث والحروب المتعاقبة على غزة بينما الوفود السياحية التي تأتي بهدف زيارة القطاع ومعالمه الأثرية والسياحية معدومة.
وقال " في حال رفع الحصار وفتحت غزة أبوابها فعدد فعدد الغرف الفندقية المتوفرة لا تغطي احتياجات القادمين فهناك 650 غرفة فندقية منها 415 في فندق المشتل ومنتجع بلو بيتش في ظل أن هذين الفندقين وسائر الفنادق الأخرى تعاني من غياب الإشغال الفندقي.
منتجع الهدى
من جهته اعتبر أحمد الزناتي أحد المستثمرين في قطاع المنتجعات السياحية أن أكثر ما تعانيه هذه المشاريع يتمثل بما تشهده من منافسة كبيرة في ظل إزدياد أعدادها بشكل مطرد خلال السنوات الاخيرة الماضية ما أدى إلى خفض عائدات الاستثمار في هذا القطاع.
وقال: "استأجرت مع شريك لي منتجع الهدى المملوك لوزارة الداخلية في غزة بقيمة 150 ألف دولار سنوياً وذلك قبل الحرب الأخيرة بفترة بسيطة، حيث عمل المنتجع لمدة شهر فقط، وقمت بإصلاحات عدة في هذا المنتجع لاجتذاب أكبر عدد ممكن من الزوار كي أتمكن من منافسة المنتجعات الأخرى كما قمت بخفض رسوم الدخول إلى خمسة شواكل للفرد الواحد وعدم احتساب رسوم للأطفال الذين يأتون مع عائلاتهم، وبالرغم من أن معدل الزائرين للمنتجع يصل يومياً إلى ألفي زائر، إلا أننا بالكاد نغطي النفقات ونحقق هامشاً محدوداً من الربح بعد دفع أجور العاملين البالغ عددهم 40 موظفاً".
بحر ربنا خلقه بدكو عليه مصاري؟
ويشكو الزناتي تذمر العديد من رواد المنتجع سيما ذوي الدخل المحدود من رسوم الدخول رغم أنها منخفضة جداً مقارنة مع غالبية المنتجعات ويسمح في منتجعه للعائلات بإحضار طعامهم معهم دون اشتراط الشراء من الكافتريا الخاصة بالمنتجع، فبعض الأسر عندما تدفع 20 أو 30 شيكلاً عن كافة أفرادها الذين لا يقل عددهم عن ثمانية أفراد، يبدي رب هذه الأسرة امتعاضاً تجاه دفع هذا المبلغ، ولا يتورع بقوله لموظف الاستقبال: "هذا البحر ربنا خلقه بدكو تاخدو عليه مصاري؟"، متناسياً أنه يجلس في خيمة أو مكان مظلل ونزوده بطاولة ومقاعد وساحات خضراء ومسابح ومناطق مخصصة للترفيه عن أطفاله.
ونوه إلى أن معظم رواد منتجع الهدى المنتجع المقام على مساحة 40 دونماً هم من ذوي الدخل المتوسط والمحدود وتمنع فيه إدارة المنتجع تناول النارجيلة، كما يشترط فيه السباحة بارتداء اللباس الشرعي "فانيلة وشورت حتى أسفل الركبة" وذلك كاستثمار مشروط بطابع اسلامي، حسب الزناتي.
منتجع الشاليهات
أما علي ثابت المدير المالي لمنتجع شاليهات زهرة المدائن المعروف بشاليهات غزة والذي يعد من أقدم الشاليهات التي تم إنشاؤها بعد عام من عودة السلطة الوطنية، فأشار إلى أنه يعمل في هذا المنتجع الذي أعيد افتتاحه وتجديده منذ عام 2010 لافتاً إلى أن ملكية المنتجع تعود لسطلة الأراضي، وتم تأجيره بقيمة 100 ألف دولار سنوياً لشركتين استثماريتين عملتا خلال العامين الماضيين على افتتاح استثمارات جديدة داخل هذا المنتجع المقام على مساحة 42 دونماً في أفضل موقع على شاطئ غزة.
وقال: "نظراً لموقع الشاليهات المتميز ومايتمتع به من مساحات واسعة، قمنا بضخ استثمارات جديدة شملت إقامة صالة أفراح وصالة كوفي شوب ومدينة مغلقة للأطفال بعد أن تم الاتفاق مع الجهة المالكة المؤجرة لهذا المشروع على أن يتم في نهاية الفترة الإيجارية في عام 2020 تعويض هذه الاستثمارات الجديدة عبر لجنة مؤلفة من وزارة الاقتصاد وسلطة الأراضي ووزارة المالية كلجنة مسؤولة عن تقييم المباني الجديدة وتعويضنا بفترة إيجارية جديدة مقابل هذه الاستثمارات التي تجاوزت مليون دولار".
وأكد ثابت أنه بالرغم مما يحظى به هذا المنتجع من إقبال لمختلف الشرائح الاجتماعية والأعمار إلا أن كلفة تشغيله في ظل الاعتماد شبه الكلي على مولدات الكهرباء نتيجة أزمة انقطاع الكهرباء المستمرة جعل هناك تكلفة مرتفعة يضاف اليها تغطية أجور 45 موظفاً يعملون في أشهر ذروة الموسم التي تمتد من شهر أيار حتى شهر أيلول.
وبين أن الاستثمار في المنتجعات الكثيرة والشاليهات المغلقة التي أقيمت خلال السنوات الثلاث الماضية وتقدر أعدادها بالمئات في مناطق مختلفة من قطاع غزة مثل قرية الزوايدة وحي الشيخ العجلين المطلان على الطريق الساحلي خلق حالة غير مسبوقة من المنافسة، الأمر الدي دفعنا لمواصلة الاستثمار في تقديم خدمات ترفيهية جديدة واستكمال عملية التطوير حيث نعتزم إنشاء أكبر مدينة للألعاب المائية تتمتع بمستوى يليق بشهرة منتجع الشاليهات.
شاليهات مغلقة
بدوره أشار نبيل شملخ، الذي يعد واحداً من أبرز المستثمرين في مشاريع الشاليهات الخاصة إلى أنه
أستثمر مبلغ نحو 300 ألف دولار في إقامة أربعة شاليهات على أراض يمتلكها قرب بحر غزة مباشرة حيث أنشأ عليها شاليهن كل واحد أقيم على مساحة 400 متر ويتم تأجيره يومياً بنحو 600 شيكل وأقام شاليهين آخرين أقيم الواحد منهما على مساحة دونم وأربعمائة متر ويتم تأجيره في اليوم بقيمة نحو ألف شيكل.
ويصف شملخ الاستثمار في هذا النشاط بقوله: "الشاليهات أصبحت الآن بديلاً لدى شريحة واسعة من المجتمع عن الاصطياف على شاطئ البحر نتيجة المخاطر التي تحيط بالمصطافين وتلوث المياه، فالكثير من الناس يبحثون عن أماكن يجدون فيها الاستقلالية والخصوصية للاستمتاع بأوقات ترفيهية بعيداً عن البحر وازدحام المصطافين، وأنا كأحد المستثمرين أعمل بهذا المجال للعام الرابع على التوالي ووجدت أن هناك جدوى في هذا النشاط خاصة وأن استثمارتي في مدينة غزة وفي مواقع متميزة منها ما يطل على البحر مباشرة وجميعها تضم برك سباحة كبيرة وصغيرة للأطفال ومساحة للعب كرة الطائرة ومساحات خضراء".
استثمار فرضه واقع الحال
من جهته يرى د. معين رجب استاذ الاقتصاد في جامعة الأزهر أن الاستثمار في القطاعات السياحية والترفيهية المذكورة فرضته طبيعة الوضع القائم في قطاع غزة في ظل الحصار المفروض وصعوبة السفر، إلا للنذر اليسير جداً من أهالي غزة، وفي المقابل حظيت هذه الاستثمارات بتسهيلات من الجهات الرسمية في غزة حيث من السهل جداً القيام بهذا الاستثمار وفي ذات الوقت هناك مؤشرات تدل على حاجة السكان لها والرغبة في زيارة هذه الأماكن في ظل الحصار الذي يدفع بالمواطنين للترويح عن أنفسهم واردتياد هذه الأماكن التي باتت تشكل حاجة ملحة خاصة خلال فترة الصيف وإجازات المدارس والجامعات، فقضاء الوقت والترفيه بات يشكل مطلب أساس لشريحة كبيرة من المواطنين، كما أن هذا الاستثمار مرتبط بشكل مباشر بحجم الطلب عليه وعلى الخدمات التي يقدمها، وبالتالي يكون الحافز لإقامة هذه المشاريع قوياً.
واعتبر أن الحكم على جدوى هذه المشاريع يبقى نسبياً، ويقتضي مرور فترة من الزمن للحكم على مستوى نجاحها، فمنها من يحقق نجاحاً كالمشاريع التي أعدت بعناية واستندت لدراسات وخبرة خاصة لجذب المستهلك وإرضاء أذواقه وفي ذات الوقت المخاطرة قائمة فنحن نتحدث عن أشكال مختلفة لهذه المشاريع، فمنها ذات التكلفة المرتفعة وأخرى منخفضة لذا فهناك تباين ملحوظ في العائدات.
واعتبر رجب أن نمو قطاع السياحة الداخلية يعد مؤشراً على توجهات المستهلك المحلي ورغبته في تمضية أوقات فراغه والترفيه عن النفس خلال فترة الإجازات وعقب انتهاء فترة العمل بارتياد هذه المرافق السياحية، التي باتت في ظل الحصار المفروض وصعوبة السفر إلى الخارج تشكل متنفساً وبديلاً عن السياحة الخارجية، كما تشكل حاجة ملحة للمواطنين للتخفيف من الضغوط المعيشية والأزمات التي يعيشون تحت وطأتها مثل أزمة انقطاع الكهرباء التي دفعت بأعداد كبيرة لزيارة هذه المنتجعات لقضاء أوقات طويلة، خاصة خلال فترة الليل والحصول على ما تقدمه من خدمات ترفيهية تتلاءم كلفتها مع القدرات المالية لمختلف الشرائح الاجتماعية.
وشدد رجب على ما تحتاجه هذه المشاريع من إشراف الوزارات ذات العلاقة كي تكون هذه المشاريع قائمة على دراسات، بالإضافة إلى موافقة الجهات المختصة كي تباشر دورها للتأكد من التزام أصحاب هذه المشاريع بالمواصفات الصحية وخاصة برك السباحة التي تعد مصدر نقل للأمراض، والتأكد من أن هذه المشاريع الترفيهية والسياحية تتمتع بالمواصفات والجودة والرقابة على أسعار الخدمات التي تقدمها، داعياً في هذا السياق إلى ضرورة تعزيز التكامل والتعاون بين القطاعين العام والخاص وتأهيل الكوادر ومراعاة الأجور والحقوق العمالية حتى تتوفر فرص النجاح لهذه المشاريع.