رولا سرحان
الإنجاز التاريخي الذي حققه جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني البشوش المبتسم، لبلاده، والسنوات الاثنتي عشرة الطوال من مفاوضات إيران مع الدول 5+1، استدعت بلا شك وقفة تأملية لمقاربة نهج العملية التفاوضية الفلسطينية طوال السنوات العشرين الماضية، وكيفية إدارة تلك العملية والإنجازات التي حققتها.
من المعلوم، أن من المهارات الأساسية التي على الطاقم التفاوضي امتلاكها هي القدرة على "الإيحاء"، فالمفاوض كالساحر، عليه إيهام الخصم بامتلاك ما لا يمتلكه، وبقدرته على فعل ما لا يقدر على فعله، هكذا نجح جواد ظريف فيما فشل فيه آخرون سبقوه، فقد كان قادراً على مقايضة سلاح نووي لم تمتلكه إيران –بحسب ما تقول- مقابل التوصل لاتفاق مقبول إيرانياً ودولياً وتسويقه على أنه نصرٌ محقق لإيران في المقام الأول.
الطاقم التفاوضي الإيراني، والمؤلف من 6 شخصيات سياسية ودبلوماسية بالأساس، كان طاقماً فنياً أيضاً معروفا بالكفاءة وبالمهنية وبالاختصاص في موضوع التفاوض، وكان أيضاً مدعوماً بكفاءة 10 شخصيات مرافقة له من رئاسة الجمهورية الإيرانية ومجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية والمخابرات ومنظمة الطاقة الذرية ووزارة النفط ووزارة الاقتصاد.
هذا الطاقم استطاع بندية مجاراة وفود من ست دول تمتلك من القدرات العسكرية والمالية والتفاوضية ما لا يجاريها فيه أحد، بل وتمتلك إلى جانب البراعة الدبلوماسية الماكنة الإعلامية التي تسخر لها سبل ضغط إضافية. وفي النهاية، كان الوفد الإيراني قادراً على تحقيق اتفاق، بغض النظر عن رأي المشككين فيه، قابل للتسويق بأنه نصر لإيران وخسارة للدول المفاوضة، والتي مع ذلك احتفت به.
فلسطينياً، ومن سياق واقعنا التفاوضي الطويل والشاق، فإننا لا نعرف كفلسطينيين، من هم أعضاء الوفد المفاوض، وكم مرة تغيروا، وعلى أي أساس يتم اختيارهم، وهل المفاوضات الآن متوقفة، أم أن هناك مفاوضات سرية، وهل اللقاءات غير المعلنة بين صائب عريقات وسلفان شالوم رئيس الطاقم المفاوض الإسرائيلي، هي ضمن اللقاءات التفاوضية، أم أنها مجرد "لقاءات غير مفهومة بالنسبة لنا"، وهل سنعود في المدى القريب إلى طاولة المفاوضات، أم أن التصريحات السياسية الأخيرة، بأنه لا شريك تفاوضي إسرائيلي، هي تصريحات للاستهلاك العام، ولاستفزاز إسرائيل للعودة إلى المفاوضات، وهل سنستمر في حلقة المفاوضات إلى ما لا نهاية، أم أن هنالك نهاية ما، وما هو شكل تلك النهاية، وهل نحن قادرين بما نمتلكه من مهارات تفاوضية على تحقيق وتشكيل النهاية التي نريد؟
مهما كان رأينا في المفاوضات، وفي النهج المتبع، فإن استطاع الطاقم المفاوض تحقيق إنجاز يلجم الأفواه، سيحسب له، فإنما الأعمالُ بالنهايات.