الحدث- غزة
يلف الطبيب شاشا معقّما على جبين الطفل "رائد شحادة"، ومع كل حركة دائرية تُخفي جروح رأسه، كان ابن السابعة يبكي ألما، ويتأوه وجعا.
ويحاول الطبيب في مستشفى كمال عدوان شمالي قطاع غزة، أن يجعل من مهمته سهّلة، على الطفل الذي أصابته شظايا قنابل القصف الإسرائيلي، إلا أن يديه المتمرستيْن، تفشلان في ذلك.
ويستمر الطفل شحادة في البكاء، وهي الصفة المشتركة بين جميع الأطفال المتواجدين في مستشفى بيت حانون، والذين أجلستهم الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة لليوم الـ"25" على التوالي، على أسرّة المرض.
وفي داخل قسم الأطفال، في المستشفى، تجوّل طاقم وكالة الأناضول، بين أطفال لف الشاش الأبيض جبينهم، وانغرست المحاليل في أجسادهم.
وأمام مدخل إحدى غرف المستشفى، تذرف طفلة دمعا سال على وجهٍ حولّته شظايا القصف، إلى عبارة عن حفرٍ ونتواءات، ودم متجمد.
وعلى سرير، صعير تجلس طفلة مصابة عمرها تسعة أشهر فقط، تتلقى العلاج، وهي تعض على شفتيّها الصغيرتين.
ويقول طبيب لوكالة الأناضول:" ما ذنبها؟ يأتي في اليوم إلى مستشفى كمال عدوان عشرات الأطفال المصابين، الذين تشّوه الحرب وجوههم، وأجسادهم، تحرق طفولتهم".
يشير بيده إلى الطفلة صاحبة الشعر الذهبي اللون، والعيون الملوّنة ويستدرك:" هل يتحمل هذا الجسد الغضّ، الجميل كل هذا الألم".
ومع كل خطوة لطاقم الأناضول، كان صوت تأّوه الأطفال يرتفع، وبكائهم لا يسكت، وجعا من الإصابات التي هاجمتهم، وتبدو وجوه جميعهم محفورة، ومحروقة بفعل القذائف والقنابل، التي قال أحد الأطباء في المستشفى إنّها قنابل حارقة، وقاتلة.
ويُضيف أحدهم، وهو يستعد لحقن طفلة لا يتجاوز عمرها الـ"6" أعوام بوحدة دم:" هذا الوجع لا يمكن أن يتحمله الكبار، فكيف بهؤلاء، إنّ هذه الحرب البشعة لا تشوه وجوههم وحسب، بل تشوه أرواحهم".
ولا أحد يتكلم من الصغار، فعلى شفاهم فقط لغة التأوّه، أو الهز بالرأس خوفا، ووحدّها استطاعت مريم أبو عودة (10 أعوام) من التحدث لوكالة الأناضول.
هذه الطفلة التي تمددّت على السرير والأنابيب تحيط بيدها، وفمها، وبصوتٍ بدا خافتا للغاية، تكشف نبراته عن الألم الذي يلم بجسد الطفلة التي أصابت الشظايا معدتها وأجزاء من الكبد:" ليش (لماذا) اليهود، بيقتلونا (يقتلونا)، كنت رايحة (ذاهبة)، على دار عمي وفجأة لقيت (وجدت) واحد بيحملني (يحملني)، صار قصف، والشظايا في كل مكان".
وتستدرك ببراءة:" حسبي الله عليهم، هم حيروحوا النار، علشان بيمتونا (سيذهبون إلى النار)، واحنا عالجنة (نحن إلى الجنة)".
وفي ممرات المستشفى تحتضن إحدى الأمهات دمية لطفل، لا يدري الأطباء إن كان سيبقى حيا، أو يتحول إلى رقم يزيد من حصيلة عدّاد الدم الذي لا يتوقف.
وتنفخ صغيرة عمرها 3 سنوات بالونا، أرادت من خلاله أن تُرسل رسالة إلى العالم الصامت كما تقول والدتها لوكالة الأناضول:" أن أنقذوا أطفال غزة".
وبالقرب من المستشفى، يهرول الأطفال نحو بيوتهم المقصوفة باحثين عن أحذيتهم وملابسهم، والدمى التي توارت خلف الأنقاض.
ويصيح أحدهم بفرح وهو يلوح بدراجته:" وجدّتها"، يقفز الأطفال الآخرين فرحا، غير أن قصفا إسرائيليا جديدا على المنطقة يتكفل ببث الذعر في قلوبهم، وتحويلهم إلى مصابين يرقدون على أسرّة المرض.
المصدر: وكالة الأناضول