لم أعد اذكر أسم الفيلم الذي شاهدته منذ أعوام، والذي يتحدث عن محاولة اغتيال رئيس أمريكي في العاصمة الإسبانية مدريد، الفيلم يبدأ بمحاولة الاغتيال ويصل إلى لحظة سقوط الرئيس الأمريكي وحدوث انفجار في المنصة، عندها فقط يعود الفيلم إلى الجزء الأول ليروي الذين شهدوا الحادثة كل من زاويته.
منذ توقيع إيران اتفاقها التاريخي مع الدول الست وأنا أحاول أن أقرأ آثار الاتفاق من زوايا الدول المحيطة بإيران، وحتى البعيدة عنها... ولا شك أن السيناريوهات لكل دولة تختلف عن الدولة الأخرى، وبما أن العالم العربي يعيش منظومة الأحلاف فإن الصورة لبعض الدول واحدة.
في الخليج بدأت آثار الانقسام تظهر على دُوله، ولم يعد الخليجييون على قلب رجل واحد، فالسعودية لم تعد حساباتها مرتبطة بعدائها لإيران بالوضع البحريني، وإنما باتت تخوض معركة جديدة في اليمن، أما سيف السعودية الذي تلوح به تجاه إيران، فهو الطائفية فإيران، الدولة الرافضية الفارسية وفق وصف المسؤولين السعوديين، تحاول نشر مذهبها في الخليج والعالم العربي، وتسعى من خلال هذا المذهب إلى أن تصل إلى أمجاد الدولة الصفوية، ولأجل ذلك تعمل السعودية على جذب التنظيمات السنية الإسلامية إليها بما فيها التي كانت تكن لها العداء، وعلى رأسها جماعة الإخوان وحماس، لكن السعودية تدرك أنها تقتحم اليوم بوابة خطرة ومرعبة لا سيما في التحالف غير العلني مع التنظيمات السلفية، والتي قد تنقلب عليها في أي لحظة. السعودية في حرب اليمن دخلت نفقاً مظلماً كانت تظن أنها ستقطعه في أيام، وها هي تدخل شهرها الرابع دون انتصار يعيد حليفها إلى صنعاء.
الإمارات التي تتهم إيران باحتلال جزرها الثلاث، كانت كالعادة تبتعد عن الصدام المباشر مع الجمهورية الإسلاميه وبادرت لتهنئة إيران بالاتفاق ووصفته بالتاريخي. الإمارات تدرك أن رفع العقوبات عن إيران سيؤدي إلى إنعاشها، لأنها كانت بوابة إيران الخلفية في زمن العقوبات، وهي تطمح أن تكون الآن في زمن الازدهار الإيراني المنتظر، بوابتها الأمامية للشرق. في الإمارات أربعمائة ألف إيراني يقيم غالبيتهم في دبي، وهم أصحاب شركات كبرى ومؤسسات عملاقة، وهؤلاء مع انفتاح العالم نحو إيران سيشكلون الأرضية للحصاد الإماراتي من عودة إيران، أما سياسياً، فحالة العداء بين التنظيمات الإسلامية والإمارات ستجعل الأخيره تختار إيران التي يعاديها الإسلامييون لمذهبها، والإمارات لن تغامر بازدهارها لحسابات طائفية لا ناقة لها فيها ولا بعير.
الكويت كانت منذ البداية بعيدة، إلى حد ما، عن العداء الخليجي لإيران. لكن بعد الانفجار الذي هز أحد مساجد الشيعة أعادت الكويت حساباتها وأيقنت أن العدو السلفي لإيران يمثل عدواً لها، وعليه فإن الكويت لم تهنّئ إيران بالاتفاق فقط، بل أعلنت أن رفع العقوبات عن إيران لن يؤثر عليها اقتصادياً لأن الكويت ستحافظ على نصيبها من السوق العالمي بحلول ٢٠١٦، الأهم أن الكويت تدرك أن صراعاً طائفياً إن دب فيها، سيؤدي إلى تفكيك المنظومة الاجتماعية في وقت يعيش فيه الشيعة والسنة على قلب رجل واحد منذ عشرات السنين، ولم تسجل يوماً في الكويت أي حوادث تفيد بوجود تفرقة.
قطر قد تكون اللاعب الأكثر تقلباً بين دول الخليج ستبحث عن مصالحها ولن تقطع شعرة معاوية مع إيران، لكنها ستحاول الاستفادة حتى ولو اضطرت في إحدى المراحل إلى تغيير خطابها السياسي والإعلامي، ولن يكون بعيداً. بالنسبة للحلف الذي كان يوصف بالحلف الإيراني، فأصبح اليوم منتصراً وبات يراهن على أن تغير المشهد الدولي تجاه إيران سيؤدي إلى انتصاره في معركته التي يخوضها مع التنظيمات السلفية.
في سوريا النظام لن يبقى مقاطَعاً من الدول العربية، وخلال أشهر قليلة ستعود سوريا بقرار عربي إلى الجامعة العربية. وقرار تونس برئاسة الباجي السبسي إعادة القنصل التونسي إلى دمشق هو المرحلة الأولى في انهيار المقاطعة العربية للنظام السوري الذي راهن بشكل صحيح على الحليف الإيراني ونجح في الرهان. أما حزب الله، فكل التقارير الغربية أكدت أنه ورغم تعرضه لهزات خلال الأعوام الثلاث الأخيرة، فإنه ما زال يحظى بتأييد شارعه العام، والاتفاق الإيراني سيعزز من قوة الحزب في لبنان، وكما يبدو فإن أزمة الرئاسة ستنتهي لصالحه، والتسوية الحقيقية حتى إقليمياً، ستمر من بوابة الحزب الذي يعيد إلى ذاته الأضواء كلما سرقت منه. أما تركيا التي لم تعد أردوغانية مئة بالمئة، فلن تكون قادرة على مواجهة إيران التي تشكل ثقلاً بالنسبة للغرب يفوق ثقل تركيا عشرات المرات، وعليه فإن تركيا ذهبت قبل أشهر إلى إيران وقد استشرفت المشهد الحالي ووقعت عدداً من الاتفاقيات التي ستضمن لتركيا أن تظل حاضرة في المشهد الاقتصادي الإقليمي المتغير، والذي ينذر أنها لن تكون فيه صاحبة اليد الطولى، أما سياسياً، فإن تركيا أصابتها أول رصاصة من التيارات التي ساعدتها وفتحت لها الحدود كي تدمر سوريا.أردوغان وأوغلو اتهما منذ اللحظة الأولى لتفجير سوروج بأنهما جلبا التيارات الإسلامية السلفية لضرب سوريا ولم ينتبها أن العقرب يلدغ نفسه في مرحلته الأخيرة. لم يعد خياراً أمام أردوغان سوى المراجعة السريعة والعمل على عدم تكرار ما حدث، لأن مثل هذا الأمر، إن تكرر، سيقضي على أحلام السلطان العثماني، ولإقناع الرأي العام التركي، على أردوغان أن يذهب صاغراً إلى إيران كي يعلن تحالفه معها ضد الإرهاب الإسلامي، وساعتها سيفرض عليه أن يوقف تهريب ودعم المقاتلين في شمال سوريا.
خلال عام من الآن سنكون على أعتاب مشهد سياسي إقليمي متغير، وكلمة السر في هذا التغير الاتفاق النووي الإيراني.