في استعراض الحالة المريعة في عالمنا العربي، والمنطقة عموماً، فإن نظرة سياسية تاريخية لأحوال شعوب أبعد من منطقتنا، تشير إلى تغيرات كبرى أثرت وتؤثر على العالم بما لها من تداعيات إيجابية سوف تطيح بالظلم والتعسف وأمراض الفساد ومظاهر العنصرية والطائفية المذهبية التي تخيم بسوادها على جغرافيتنا وعلى كل مكونات إنسانيتنا.
في هذا المجال، فإن اعتبار أو رد الاعتبار لأهم ثورتين في القرن العشرين (وهما ركائز استراتيجية لعملية التغيير الجارية والنتائج التي سوف تتمخض عنها في المستقبل) بات ضرورياً!
في أكتوبر من العام 1917 قامت الثورة الاشتراكية على أنقاض النظام الملكي القيصري في روسيا، حيث جرت أحداث هزت العالم الرأسمالي (دخلت في حرب أهلية لمدة خمس سنوات تقريباً) وقد توسعت تأثيرات تلك الثورة إلى مساحات واسعة من دول الجوار الأوروبي (جورجيا وأوكرانيا)، كما أن ثورات الشعوب الأوروبية الشرقية قد أثمرت بعد الانتصار العظيم على النازية الألمانية في أعقاب الحربين العالميتين الأولى والثانية، والدور السوفياتي الحاسم في تحقيق الانتصارات.
شكلت الثورة الاشتراكية آنذاك عنصراً ملهماً لشعوب أخرى مضطهدة، وأدت إلى تشكيل منظومة لمعسكر الحرية في العالم مشكلاً من الاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية في العالم، وكذلك من حركات التحرر في العالم، ومنها على سبيل المثال حركة التحرر الوطني الفلسطيني، وبالرغم من الانتكاسة التي أصابت الاتحاد السوفيتي في بداية التسعينات وكانت ذروتها السياسة التدميرية التي قادها "غورباتشوف" تحت مسمى البروسترويكا، وبالرغم من كل ذلك فإن روسيا الاتحادية والدول المستقلة، التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفيتي السابق، تستعيد الآن دورها وتأثيرها العالمي بما ينعكس ذلك على واقعنا العربي (سياسة الصد التي اتبعتها روسيا الاتحادية باستخدام حق النقض في مجلس الأمن الدولي منعاً للمؤامرة على سوريا)، وحبذا لو كانت روسيا تمتلك مثل هذا الحق في جامعة الدول العربية!
التحالفات التي تقيمها جمهورية روسيا الاتحادية مع دول البريكس (الصين،جنوب إفريقيا،والبرازيل) ومجموعة دول شنغهاي التي يمكن أن تتسع لدول أمريكا اللاتينية وإيران وباكستان والهند تؤشر إلى تغيير قادم في ميزان القوى الدولية سوف تلمس الشعوب المضطهدة تأثيراته عليها.
الثورة الثانية والتي تركت آثاراً هائلة على ميزان القوى الإقليمية، وربما العالمية هي الثورة الإسلامية الإيرانية، والتي بمظهرها الإسلامي التاريخي لها موقف جذري اجتماعي يقوم على رفع الظلم ودعم المظلومين وأصحاب الحق في منطقتنا والعالم.
ينسى أو يتناسى المقهورون من الدور الايراني أن تلك الثورة (في الربع الأخير من القرن العشرين) قد هدمت الحصن الأكبر للرأسمالية المتوحشة وحليفتها إسرائيل عندما أطاحت بحكم شاه ايران عام 1979 والتي لم تتأخر بقطع علاقاتها مع إسرائيل، وسحبت اعترافها بها وسلمت سفارة الأخيرة إلى منظمة التحرير الفلسطينية، ولم تتوان عن تقديم كل أشكال الدعم للثورة الفلسطينية وفصائلها (بما فيها حماس) وإلى المقاومة اللبنانية بكل فصائلها، وهي الآن تدعم سوريا والعراق في صد الحرب الإرهابية المدعومة من كل قوى الشر في المنطقة والعالم.
جرى كل ذلك وقبل أن توقع إيران اتفاق فيينا 5+1، أي عندما كانت تحت الحصار الاقتصادي والعسكري منذ أكثر من عقد من الزمن، وبعد عقود من حجز أموالها المقدرة بمئات المليارات من الدولارات!!
الآن، وبعد توقيع اتفاق فيينا، وبعد مصادقة مجلس الأمن الدولي بقرار 2231، فإن إيران قد دخلت العالم من الأبواب الواسعة، إضافة إلى دخولها النادي النووي العالمي، وهو دخول سوف يكون مع شعوبنا ومع أنظمتنا إن أرادت ذلك! لا خوف ولا مبرر للذي يبديه بعض مثقفينا مما يسمى بالنفوذ الإيراني، فهذا النفوذ هو مصدر خوف لبعض أطراف دول البترول العربي، وهو خوف استراتيجي أصاب إسرائيل، وهي (إسرائيل) تدرك أن قوة إيران سوف تكون لصالح شعوب المنطقة، ومنها الشعب الفلسطيني الذي يكافح من أجل حريته واستقلاله. ربما نجد تفسيراً لموقف الخوف من بعض الفقراء من الدور الإيراني، ولكن ذلك لا يعود إلا لسبب واحد، وهو التحريض الطائفي "السني" المعلن مما يسمى "بالمد الشيعي"، وهي لعبة انقسامية قذرة تغذيها قوى الشر في العالم، وأصحابها هم مروجو ما يسمى بالفوضى "الخلاقة"!!