اليوم الأحد، 26/7/2015، منذ الصباح الباكر ونحن نتابع ما يحدث للمسجد الأقصى وفيه، فقد خلع الصهاينة (جنود ومستوطنون) البوابة الرئيسية للمسجد، واعتدوا على حراسه وأخرجوهم بالقوة، والسبب كما رددت وكالات الأنباء، إحياء ذكرى خراب الهيكل!
الخبر عادي جداً، وعند كثيرين، ساسة ومواطنين، أصبح مستهلكاً، ففي كل عام يقوم الصهاينة بالاعتداء على المسجد الأقصى، ويقوم الفلسطينيون - المصلون والحراس-بالتصدي، وتشهر وزارة الخارجية الفلسطينية اللغة ذاتها، فتطالب العالمين العربي والإسلامي بالتحرك العاجل. ونحن نعلم أن هذه المطالبة ما هي إلا موقف، أو عمل دبلوماسي روتيني أو إجرائي؛ بيان يصدر، ويُعطى رقما، ويودع في ملف الاعتداء على المسجد الأقصى، وينام عاماً كاملاً، فيوقظه مستوطنٌ أو جندي من جديد، وهكذا..
هذا اليوم توقفت كثيراً أمام اللغة التي استخدمتها وزارة الخارجية الفلسطينية في بيانها بهذه المناسبة، على الرغم من تكرارها في السنوات الماضية، توقفت عند (العالمين العربي والإسلامي..)، وعند (المطالبة بالتحرك العاجل لإنقاذ القدس ومقدساتها الإسلامية والمسيحية..) والوقوف (وقفة جدية وفاعلة وقادرة على ردع ومحاسبة إسرائيل)، ويطالب البيان (الأمم المتحدة ومؤسساتها باتخاذ ما يلزم من إجراءات!!) لأن ما تقوم به إسرائيل (مخالف للقانون الدولي).
أعجبني في بيان الخارجية التمسك بمصطلحات مثل (العالمين العربي والإسلامي)، ولا أدري إن كان الفصل بينهما مقصوداً أم لا، لكن جرت العادة على استخدام هذا المصطلح من قبل كثيرين دون التفكير فيه، فهو يشي بأن هناك عالماً عربياً موحداً يستطيع أن يتخذ موقفاً موحداً، ويفترض أيضا وبكل ثقة، وجود عالم إسلامي موحّد، يمكنه رفع راية الجهاد ونصرة (أخوته) في فلسطين.
وأضحكتني حد البكاء في بيان الخارجية مفردات ومصطلحات أصبحت تافهة لكثر استخدامها الأجوف مثل (ردع ومحاسبة)، وما جعلني أقف على حافة الضحك الهستيري المصحوب بالنشيج وربما اللطم، هو توضيحنا للعالم أن ما تقوم به إسرائيل (مخالف للقانون الدولي)، ولو رصدنا رد فعل شاب مصري على هذا الهذيان، لقال لكاتب البيان: (نعم يا روح أمك!!).
ترى من هو القادر على ردع إسرائيل أو محاسبتها؟ أو من يجرؤ على التفكير بهذا العمل من السياسيين والعسكريين على مساحة (العالمين العربي والإسلامي)، في ظل تحول إسرائيل من دولة تحتل رأس قائمة الأعداء إلى دولة صديقة، وربما حليفة، في مواجهة (الإرهاب)، يعطيها الآخرون الحق في تقييم (ديمقراطية) بعض القادة العرب أو (استبدادهم)، فتطالب بالإطاحة بفلان وتنصيب فلان، حتى بتنا نتوقع لها الانضمام إلى المنظمات الإقليمية في ظل التحالفات الحالية المريبة.
أما المأساة الأخرى التي لا يزال الخطاب السياسي الفلسطيني والعربي يرددها فتتجسد في مطالبة إسرائيل الامتثال للقرارات الدولية، وأن ما تقوم به في القدس (مخالف للقانون الدولي)!
في الواقع، شعرت وأنا أقرأ هذا الكلام أن أحداً يقتلعني من الحاضر ويلقي بي على مسافة سبعة وستين عاماً، فهذا الكلام عمره سبعة وستون عاما وشهران، وعلى مدى هذه السنوات وإسرائيل تخالف القانون الدولي، ولا تمتثل لقرارات الأمم المتحدة، وتخلق كل يوم حقائق يحولها العرب إلى قضية مركزية، حتى أنستنا القضية المصيرية، وقريباً جداً ستنحصر القضية وتصغر حتى تصبح بحجم المسجد الأقصى، وتتراجع قضية المسجد لتنحصر في بوابته الرئيسية التي خلعها الصهاينة اليوم.
على الخطاب السياسي الفلسطيني، أن يعي حقائق أثبتها الزمن: أولها، أنه لا يوجد عالماً عربياً واحداً، هناك عوالم عربية تعيش فيها شعوب عربية وغير عربية، وهناك أيضا عوالم إسلامية، تعيش فيها شعوب لا تتحدث العربية، وتتوزع على مذاهب كثيرة ومتناحرة، ونسبة كبيرة من هذه العوالم الإسلامية تعيش حالة تخلف مدقع، وللأسف، أصبحت هذه العوالم تصدّر مقاتلين إلى أراضينا ليعلمونا الإسلام، ويؤسسوا الخلافة، ويمارسون القتل والسبي وكل همجية العصور الغابرة. وثانيا، القانون الدولي يقف في صف القوي، فهل استطاعت بنود القانون الدولي كلها الدخول إلى منشأة نووية إسرائيلية لتفتيشها، أو تجبر إسرائيل على تطبيق أي قرار من مجلس الأمن، مهما كان صغيراً وتافهاً؟! وثالثا، التوقف عن استخدام مفردات باتت تثير السخرية، لأنها باتت ممجوجة ومفرغة من محتواها مثل (ردع ومحاسبة)، فإن لم يستطع الفلسطيني (ردع) إسرائيل، فلن يتحرك أي (عربي أو مسلم) لردعها. وهنا على الفلسطينيين التوقف عن التفكير بمنطق (الأمر الواقع) وتوازن القوى، وأن يفكروا بوسائل مبتكرة لمواجهة هذا العدو، وأولى هذه الوسائل النظر إليه كعدو بغيض، فإسرائيل لا يمكن أن تكون شريكاً أو حليفاً أو جارة وديعة، ولن تقدم للفلسطينيين حقوقاً على طبق من ذهب، فالحق يُنتزع انتزاعاً. وثانيا، على الفلسطينيين التوقف عن استخدام اللغة الجاهزة المملة المحفوظة عن ظهر قلب، والبحث عن لغة جديدة صادمة وفجائية تحمل تأويلات وأوجهاً كثيرة، وأخشى أن هذا يتطلب تغييرا في الوجوه.
هذا البيان الذي أصدرته الخارجية الفلسطينية، يمكن أن تصدره أي دولة عربية أخرى، اعتادت على المناشدة والمطالبة والشجب والاستنكار. ولغة الفلسطيني يجب أن تبتعد عن هذا الثالوث العفن الذي يبعث السخرية، وتقترب من مربع المواجهة، حتى لو تطلب الأمر أن يحيط الفلسطينيون جميعهم أجسادهم بأحزمة ناسفة!