بعد العاصفة الهوجاء التي تلت المؤتمر العام السادس لحركة فتح، جرت محاولة للملمة الصفوف والتقليل من نسبة الكوادر والقيادات التي لم يعد لها مكان في الاطارات الحركية، وبفعل الصراع الداخلي الحاد في فتح وهو العلامة الفارقة لها، تعثرت ولادة هذا المجلس وثار جدل صاخب حول صلاحياته وعدد أعضائه، وانهالت عليه الأوصاف الموظفة من كل حدب وصوب، وصفه مؤيدوه بمجلس الحكماء ووصفه منافسوه بمجلس المتقاعدين، ووصفه آخرون بمكان التحشيد للمؤتمر السابع وهكذا أجهز الصراع الداخلي على إطار كان يمكن لو أحسن التعامل معه أن يسد فراغات هائلة في الحركة وأن يقدم اسهامات نوعية ترشد خطواتها على الصعيد الداخلي والوطني العام، ورغم النوايا الطيبة التي أملت ولادة هذا الإطار، ووضعت رهانات طموحة على عمله المفترض، إلا أن نهر التناقضات الداخلية في الحركة جرف هذا الإطار الوليد ووضعه كغيره من الاطارات الأخرى على هامش الفعل وليس في قلب دوائره المؤثرة.
وقبل أيام عقد المجلس اجتماعا هدفه الأول التدليل على أنه ما يزال على قيد الحياة، أما الهدف الآخر فهو حث إطارات الحركة على التوجه الجاد من أجل استعادة دور الحركة في الحياة الوطنية العامة وذلك من خلال عقد المؤتمر السابع قبل نهاية العام الجاري، ولا ضرورة هنا لسرد مزايا عقد مؤتمر عام بعد أن ذاقت فتح الأمرين من هجرانها للمؤتمرات الدورية، مخالفة بذلك قوانين ونواميس الأحزاب والحركات السياسية التي تعيش وتتجدد بالمؤتمرات والصيغ الديموقراطية.
ولعله من غير الواقعي توقع نجاحات حاسمة لإطار كهذا، ليس لقلة كفاءة أعضائه فهم جميعا من الجيل المؤسس لفتح وانجازاتها، بل لأن حركة فتح التي اندمجت سابقا بالمنظمة ولاحقا بالسلطة، ضيقت على نفسها هامش الاستقلال في وضع السياسات وتجسيد مساحة عمل ضرورية تؤمن لها قيادة فعلية للمشروع الوطني دون الضياع في متاهة الضعف المتواتر للمنظمة والتعقيدات المتوالدة للسلطة، وهذه ظاهرة لم تنتبه فتح لإخطارها حين اندمجت بلا ضوابط بالمنظمة والسلطة فيما بعد، وإلى جانب الاندماج المطلق بالسلطة والمنظمة فقد تساهلت فتح في أمر علاقة إطاراتها بالموقف السياسي على كل مستوياته، ونشأت علاقة عكسية بين الإطار والقرار، فالقرار يؤخذ على أضيق نطاق والإطار يناقشه شكلا ليؤيده موضوعا، وهذا يتنافى تماما مع الدور المفترض لأي تشكيل حزبي قيض له التاريخ قيادة شعب وثورة ومؤسسات.
لهذا كان بديهيا ومنطقيا أن يلحق المجلس الاستشاري كإطار جديد بزملائه من باقي الاطارات القديمة وأن يتطبع بطبعها وألا يخرج عن اسقفها.
إن فتح بحاجة إلى إعادة نظر أكثر استنارة وواقعية لبنائها وإطاراتها وبرامجها، وهذا ما يمكن أن يُبدأ به ليقر ويتكرس في مؤتمر عام جديد لا يستنسخ الماضي، ويضع أقدام الحركة الكبرى على الطريق المفضي إلى الأهداف التي قامت من أجلها.