الحدث- محمد مصطفى
مع انتصاف النهار، وبلوغ حرارة الشمس ذروتها، تتحول آلاف البيوت في المخيمات والمناطق الريفية النائية في قطاع غزة إلى ما يشبه الأفران الملتهبة، تحرق قاطنيها، وتزيد معاناتهم.
فالمنازل المتواضعة، المسقوفة بألواح الصفيح الاسبستون، تعتبر العدو اللدود لأشعة الشمس، فتسارع تلك الألواح لامتصاصها بسرعة عالية، وترفع درجة حرارة ما هو تحتها بشكل لا يمكن احتماله.
فرار قسري
وفي مخيم رفح جنوب قطاع غزة، كان يجلس عدد من الرجال والشبان، وسط ساحة صغيرة أمام منازلهم، بعد أن فروا جميعا منها، بحثاً عن الظل والهواء.
المواطن أحمد الشيخ عيد، أكد أنه شعر بموجات من الحرارة تتدفق عليه من الأعلى بينما كان نائماً داخل منزله المسقوف بألواح "الاسبستون"، ولم يستطع البقاء في المنزل ولا لحظة واحدة، خاصة أن الكهرباء كانت مقطوعة، وتعذر تشغيل الهوايات.
وأوضح الشيخ عيد أن حياة سكان المخيمات قاسية طوال العام، ففي الشتاء وعند هطول الأمطار تنفذ المياه إلى داخل المنازل، وتكون البيوت شديدة البرودة، أما في الصيف، فالحرارة في الداخل تكون أشد منها في الخارج.
ولفت إلى أنه وجيرانه اعتادوا على البقاء في الخارج حتى ساعة مبكرة من الفجر، فحتى خلال ساعات الليل، وبعد مغيب الشمس تواصل ألواح الاسبستون ضخ موجات من الحرارة تكون تشبعت منها خلال النهار.
أما رفيقه ناجي عطية، فأكد أن ثمة مجلسين في المخيم، واحد للنساء، يجتمعن فيه مساءا، وآخر للرجال، فكل ما يهم سكان المخيمات هو الفرار منها، وعدم البقاء فيها.
بيوت ملتهبة
ولم تستطع بنات المواطن محمود زعرب "62 عام"، والذي يقيم في بيت من الصفيح على شاطئ بحر خان يونس جنوب قطاع غزة، البقاء في المنزل عند ساعات الظهيرة، فغادرته وبحثن عن بقعة ظل في جنباته للجلوس فيها.
زعرب مواطن فقير دفعته ظروف قاهرة لإنشاء منزل من ألواح الصفيح على الشاطئ، سحقت موجة الحر الأخيرة أفراد عائلته، فتارة يفرون من داخل المنزل لخارجه، وتارة تأخذهم والدتهم وتفر بهم إلى إحدى بيوت الأقارب وسط المدينة.
وأشار زعرب إلى أن بيته في الصيف لا يطاق، والحر الشديد يكاد يفتك بأبنائه، وعلاماته ظاهرة بشكل جلي على وجوههم، التي اسمرت حتى بدت أشبه بالمحروقة.
مساكن ضيقة
أما المواطن إياد حمزة من سكان مخيم يبنا جنوب مدينة رفح، فأكد أن منازل المخيمات هي في المجمل مساكن لا تصلح للعيش الآدمي، فبالإضافة إلى أن أكبرها لا تتجاوز مساحته 70 متر مربع، فإن ألواح الاسبستون المسقوفة بها خطيرة، ومسطرنة، وتم حظر استخدامها عالمياً.
ونوه حمزة إلى أن هذه البيوت تقسو على ساكنيها في فصل الصيف، وتحول حياتهم إلى جحيم، فشروق شمس الصيف ساعتين فقط، كفيلة بأن تجعل المنزل كتلة ملتهبة.
وأشار حمزة إلى أنه حاول تخفيف وقع حر الصيف على أفراد أسرته، بوضع قطع من الكرتون، أو عوازل خشبية فوق السطح، لكن دون فائدة، فالحر لازال يفتك بهم.