كم هي واسعة الفجوة بين الحلم الفلسطيني الأول والمشروع الوطني الأول وما كانت عليه كرامة وعزة ونخوة الشعب الفلسطيني ، وواقع حال الفلسطينيين اليوم . كم هي واسعة الهوة ما بين زمن كان فيه الفدائيون الفلسطينيون يستميتون حتى يتسللوا من خلال البحر أو الطائرات الشراعية أو من حدود دول الطوق – الأردن ولبنان وسوريا – إلى داخل فلسطيننا المُحتلة ليقوموا بعملية فدائية يقتلون بها جنديا أو يدمرون منشاة عسكرية ، وبين واقعنا اليوم حيث يقوم مستوطنون جبناء مجلوبون من كل بقاع الأرض بالاعتداء على بيوت الفلسطينيين ومقدساتهم ويحرقون ويقتلون أبنائهم بينما حَمَلة المشروع الوطني وورثة الفدائيين الفلسطينيين يقفون متفرجين على المشهد ،بل أحيانا يقمعون الشعب إن انتفض دفاعا عن كرامته وأرضه !!! . هذا الانتقال والتحول يفسر لنا لماذا يتجرأ مستوطنون أنذال وجبناء على الاعتداء على بيوت الفلسطينيين وإحراق الطفل الدوابشة .
فبعد كل جريمة يرتكبها جيش الاحتلال ومستوطنوه سواء في الضفة والقدس أو في قطاع غزة تثور الحِمية والكرامة الوطنية للقيادة وللنخب السياسية ، فترعد وتزبد وتهدد وتتوعد وتُصلي إسرائيل بقذائف من التهديدات والتنديدات والتوَّعد بإجراءات ستتخذها ستُلقن إسرائيل درسا وتزلزل الارض من تحت قدميها !!! ، وبعد أيام وبعد أن يلملم الشعب جراحه ويدفن شهدائه ،تعود الأمور إلى ما كانت عليه ، في انتظار عدوان جديد على غزة أو شهيد جديد في الضفة أو استيطان جديد لأرض أو تدنيس جديد للأقصى الخ ، بالرغم من أن الاحتلال بحد ذاته وبدون هذه الاعمال جريمة وانتهاك للحق والكرامة الفلسطينية .
يُفترض بالعقل والمنطق وبالحسابات الوطنية وبحكم التجربة ، أن تكون ردة الفعل الفلسطيني على جريمة إحراق الطفل الدوابشه في قرية دوما في نابلس صباح اليوم الجمعة 13 يوليو مختلفة عن ردود افعالنا السابقة في جرائم مماثلة ، ويُفترض أن يتوقف الجميع عند مسؤولياتهم وعدم الاكتفاء بالوعد والوعيد لإسرائيل ، أو انتقاد التخاذل العربي والدولي ، ولا برمي كل طرف فلسطيني المسؤولية على الطرف الآخر .
مطلوب اليوم الاعتراف بأن ما شجع المستوطنين وإسرائيل على تصعيد إرهابهم والتجرؤ على حرق الفلسطينيين أحياء هو جُبن وتخاذُل القيادة والشعب عن ردع المستوطنين منذ جريمتهم الأولى ، لا نريد أن نقول منذ توقيع اتفاقية اوسلو أو منذ اقتحام الضفة ومحاصرة أبو عمار واغتياله ، فعلى الاقل منذ حرق محمد أبو خضير ومنذ اغتيال زياد أبو عين ، ومنذ أن شكل المستوطنون جماعات (تدفيع الثمن) تحت حماية جيش الاحتلال بينما السلطة تواصل تكبيل المواطنين عن أي فعل لحماية أرضهم وكرامتهم الخ .
القيادة والنخب السياسية تتحمل المسؤولية عما يجري ، فإذا كان المثل يقول : (مَن أمِن العقاب أساء الأدب)، فقد ساعدت سلبية الفلسطينيين وخصوصا النخب السياسية في تشجيع الإسرائيليين على مواصلة ممارساتهم الاستيطانية والعدوانية وتشجيع المستوطنين على التجرؤ أكثر على الارض الفلسطينية والدم الفلسطيني . ففي الوقت الذي تتعاظم فيه اعتداءات المستوطنين وعمليات الاستيطان ، تُصر السلطة الفلسطينية على التمسك بالتنسيق الأمني بالرغم من صدور قرار من المجلس المركزي بوقفه أو إعادة النظر به , وفي نفس الوقت يتواصل التزام الفصائل الفلسطينية المقاوِمة باتفاق وقف اطلاق النار الذي تم توقيعه بالقاهرة وتتواصل المفاوضات غير المباشرة بين حماس وإسرائيل حول هدنة طويلة المدى .
عشرون عاما من الاستيطان والتهويد في الضفة والقدس ، والمفاوضون الفلسطينيون مستمرون في الجلوس على طاولة المفاوضات المباشرة أو السرية دون خجل ، او يراهنون على قرار دولي من هنا أو هناك. عشرون عاما والمستوطنون يتوغلون داخل مناطق السلطة الفلسطينية وداخل أراضي الفلسطينيين ويعيثون خرابا ودمارا وقتلا وحرقا للأحياء ، وإذا ما تم القبض على واحد من افراد الجيش أو المستوطنين تقوم أجهزة الأمن الفلسطينية بتسليمه معززا مكرما للجيش الإسرائيلي ، أما إذا ما اعتقل الجيش الإسرائيلي مواطنا فلسطينيا لأنه القى حجرا على جندي أو على مستوطن يدنس ارضه ، فإما يتم إطلاق الرصاص عليه أو سجنه لسنوات !!! .
فلماذا لا تستمر دولة إسرائيل في عمليات الاستيطان والتهويد ؟ ولا يستمر قطعان المستوطنين في قتل وإحراق الفلسطينيين ؟ . هل يحتاج الأمر لتذكير الجميع بأن ( ما حك جلدك مثل ظفرك) وأن الوحدة الوطنية هي الطريق الوحيد لردع المستوطنين ووقف حالة التراجع والتردي التي نمر بها ، ومدخل الوحدة الوطنية ليس فقط حكومة وحدة وطنية ولا اتفاقات مصالحة جديدة ،بل أن ينتزع الشعب زمام المبادرة ويصنع وحدة وطنية تجسدها مقاومة شعبية شاملة في كل الأراضي الفلسطينية وفي الشتات حسب ظروف ومعطيات كل منطقة .