الحدث- هاني الشاعر
تُمسك الفلسطينية، كريمة زعرب، بيديها "صينية" تحتوي أطباقًا من الحناء (الحنة)، أُحيطت بأوراق ورد، وقطعًا صغيرة من الحلوى والشموع.
بفرح ظاهر للعيان، تتجه زعرب (45 عاماً) صوب ابنها المنشغل برفقة عشرات الفتية والشبان بالتمايل والرقص على أنغام إحدى أغنيات الزفاف الشعبية والتراثية في ساحة مجاورة لمنزلهم في مدينة رفح، جنوبي قطاع غزة.
يتقدم العريس محمد (23 عاماً) نحو والدته التي وضعت في يده اليمنى "الحنة"، ثم أغلقتها بإحكام، كي تتلون كفه بلون الحناء المائل إلى الحمرة، في مشهد لا تزال العائلات الفلسطينية، تحافظ على تقاليده.
أسرة زعرب، واحدة من عائلات لا تزال تحيي ليلة "الحنة"، التي تسبق الزفاف بيوم أو يومين.
وتشهد هذه الليلة احتفالاً، للشباب وللفتيات بشكل منفصل، إذ يقوم العريس برفقة أصدقائه وأقاربه الشباب، بالرقص والغناء، على أنغام الفنون التراثية القديمة، وترديد أغاني الزفاف التقليدية.
وما إن تقترب الحفلة من نهايتها مع ساعات الليل، حتى تقوم والدة العريس، ترافقها جدته، وخالاته وعماته ونسوة الحي، بالإمساك بأطباق الحناء، التي تزينها الشموع، والورود والحلوى، ووضعها في يد العريس اليمني، وأيادي أقاربه، وأصحابه أو الراغبين في ذلك، كما يقول العريس زعرب للأناضول.
ويضيف بسعادة "قبل الفرح، نقيم ليلة سمر (سهرة شباب)، وفي ختام الحفلة، تأتي والدتي وجدتي، ويتم وضع الحناء في يدي اليمني فقط، وتقوم بتوزيع بقيتها على الحاضرين".
ويكتفي العريس، والشباب بوضع الحنة في اليد اليمني، فيما تتجه والدة العريس صوب سهرة الفتيات، وتحديداً، نحو العروس لنقش يديها بالحنة.
وتتزاحم أيادي الفتيات، لتسبق العروس في الحصول على يد رُسمت عليها وردة، أو فرع شجرة، أو تحولت على أيادي النساء الماهرات في النقش إلى لوحة فنية.
تقول والدة العريس للأناضول "هذه عاداتنا ورثناها منذ القدم، ولا نزال نحافظ عليها، نصفق ونغني، نضع الحناء في يد العريس، أما العروس فننقش عليها أشكالاً جميلة".
ورغم أن ليلة الحناء اشتهرت في فلسطين، لدى العائلات التي هاجرت من مدنها وقراها عام 1948 عقب "النكبة"، إلا أن هذه العادة بدأت تجد طريقها إلى أغلب العائلات في قطاع غزة، وإن اختلفت في التسمية، وطريقة الاحتفال.
فلا يكاد عرس في قطاع غزة، إلا وتسبقه بيوم أو يومين حفلة خاصة بالعريس يحييها الشباب، وأخرى للعروس بمشاركة الفتيات والنسوة.
وتجد الكثير من العرائس في "الحنة"، وسيلة تميز ليلة عمرهن، خاصة في ظل انتشار الأشكال المختلفة للنقش والرسم على اليدين.
وتشتهر شجرة "الحنّاء" في فلسطين، ولها ثمر رائحته مميزة تعرف بـ"تمر الحنة"، أما أوراقها فتستخدم كصبغة للشعر، لإخفاء الشعر الأبيض (الشيب)، إضافة إلى استخدامها في رسم النقوش الجميلة على أيادي النساء.
وحالياً يباع مسحوق الحنة في أسواق العطارة جاهزاً، وقد يتم إعداده في البيت، عن طريق سحق الأوراق وعجنها بالماء، وإضافة أنواع من النباتات البرية مثل "الكركديه" لجعل لونها أحمرا أو بنيّا.
وتقوم إحدى المسنات بنقش الحناء على أنامل وأكف الفتيات والعروس، وهي تردد الأغاني التراثية الخاصة بها مثل "ايويها (زغرودة)، ريتو (ليته) هالفرح مبارك، ايويها .. سبعة ثمان بركات، ايويها.. كما بارك محمد، ايويها..على جبل عرفات، ايويها..يا قاعدة (جالسة) على المراتب (على الشيء المرتفع) قعدة البنا (من يقوم بالبناء ويقصد بها الجلسة الجميلة)، أيويها.. والكحل بعيونك زقفتلوا غنا (صفقت له)، ايويها..حط القدم على القدم ما اسمعتلو رنا ( لا يوجد صوت )، ايويها..ويجعل البطن يلي حملك (إشارة إلى والدتها) مسكنو الجنة..".
وتقوم نسوة من أقرباء العروس بتزيينها يديها وقدميها بالحنّاء، ونقشها بشكلٍ جميل، وكتابة أول حرف من اسمها واسم عريسها على يديها، قبل زفافها بيوم، في ساعات الليل.
ومن أغاني الحنة: "ازبط (رتب) نقش الحنة يا محني (من سيقوم بالنقش والرسم)، ازبط نقش الحنة يا لالا (زغرودة)، انشا الله بتتهنى (تفرح) يا عريس، انشا الله بتتهنى يا لالا، سبل (أغمَضَ) عيونه ومد ايده يحنونه، خصره رقيق (نحيف) وبالمنديل يلفونه، ناديت ع أم العريس جاية تهنيها، سبل عيونه ومد ايده يحنونه، والحنة لك يا هالغالي ريتك تتهنى..".
المصدر: وكالة الأناضول