الحدث -غزة-هاني الشاعر
لم تكن مشاهد فصل الطفل المعتصم بالله جهاد شعت، حديث الولادة، عن جثمان والدته الشابة سهام اللحام (25 عامًا)، بعد انتشالهما من تحت أنقاض منزل مدمر بفعل الغارات الإسرائيلية على مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، جزءاً من فيلم سينمائي.
طواقم الإنقاذ والدفاع المدني هرعت إلى مكان القصف، ونبشت بأيديها وبأدوات بسيطة، بين ركام المنزل المدمر في حي النجار جنوب غرب خانيونس، لساعات من أجل إنقاذ المفقودين من عائلة شعت.
ووقفت هذه الطواقم عاجزة أمام مشهد الطفل الرضيع ذو الـ"25" يومًا فقط وهو يبكي بشدة، ويُمسك بثدي والدته، في مشهد إنساني أبكى جميع الحاضرين، قبل أن يفصل عناصر الدفاع المدني الطفل الرضيع عن جسد والدته التي قتلت بفعل القصف الذي دمر المنزل على أجساد ساكنيه.
ويقول شاهد العيان سعيد النجار لوكالة الأناضول: "سمعنا صوت انفجار كبير في الحي، بعد لحظات تبين أن هذا الانفجار ناجم عن قصف استهدف منزل جارنا جهاد شعت، فهرعنا مباشرة إلى المكان، وبدأت طواقم الانقاذ عملها، حتى وجدنا الأم وطفلها تحت ركام المنزل المُدمر".
ويضيف النجار وبدت عليه ملامح التأثر: "شاهدت الأم تضع طفلها بين ذراعيها وتحتضنه، والطفل يبكي ويُمسك بثديها، وانتزع من على صدرها، ليكون ذلك آخر عناق بينهما، رغم أنه بدا عليه أنه لم يُكمل رضاعته".
ويشير إلى وضع أفراد طاقم الانقاذ قطعة قماش على جثمان الأم، لتغطية جسدها، بعد فصلها عن الطفل الذي أصيب بشظايا في وجهه ورأسه.
والدا الفلسطينية سهام اللحام، حضرا مسرعين لمكان القصف، وانهارت الأم باكية على ابنتها، فور سماعها نبأ مقتلها، لتذهب مسرعة برفقة زوجها وأبنائها الخمسة إلى مجمع ناصر الطبي لرؤية جثمانها.
ولم تتمالك الأم سماح اللحام نفسها فور رؤية ابنتها سهام ودمائها امتزجت بالكفن الأبيض، وحاول أبنائها الإمساك بها وتهدئتها، لكن محاولاتهم باءت بالفشل.
وقالت الأم لـ"الأناضول": "كانت في منزلنا صباحًا، وطلبت منها عدم مغادرة المنزل، إلا أنها وعدتني بالعودة بعد تجهيز الطعام لزوجها والمكوث قليلا في منزلها، لكنني شعرت في نظراتها الوداع".
وبكت الأم بحرقة ولم تستطع أن تُكمل الحديث عن ابنتها سهام، لتكتفي بالقول "حسبي الله ونعم الوكيل.. يا حبيبتي ياما"، ليُكمل زوجها الحديث بالقول: "رحمها الله، قدر الله وما شاء فعل".
ويضيف والدموع في عينيه: "كان لسهام معزة كبيرة، كيف لا وهي الوحيدة، وقد أنجبت أول حفيد لنا في 5 يوليو/ تموز الماضي، رحمها الله".
وفي مستشفى التحرير للأطفال المجاور لمجمع ناصر الطبي، كانت صرخات الرضيع المعتصم بالله تسمع من خارج أسوار "الحضانة" وكأنه ينادي أمه التي لم يهنأ في أحضانها، ولم يسد رمقه من لبنها.
ويقول طبيب الحضانة حسام الصليبي لـ"الأناضول": "إنّ حالة الطفل متوسطة، فقد أصيب بشظايا في الوجهة والرأس، ولم يُصب الصدر بأي شيء، ونحن سنقوم بما يلزم ونحاول أن نحافظ على حياته، ونتمنى أن تكون الشظايا سطحية".
*الاناضول