الإثنين  25 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الاستيطان الإسرائيلي "يتمدد" وحل الدولتين "ينكمش"

الاستيطان المنتشر في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، يهدد فرص قيام دولة فلسطينية متواصلة جغرافياً

2015-08-05 03:12:51 PM
 الاستيطان الإسرائيلي
صورة ارشيفية


الحدث- القدس

لم تكن الضفة الغربية قد عرفت الاستيطان الإسرائيلي حتى السابع والعشرين من سبتمبر/ أيلول 1967، وهو اليوم الذي أُقيمت فيه مستوطنة "كفار عتصيون"، جنوبيها.

ومنذ ذلك الحين، بدأ الاستيطان بالانتشار في كل أنحاء الضفة الغربية بشكل عام، والقدس الشرقية على نحو الخصوص.

 

 وبحسب ليؤر أميحاي، المسؤول عن متابعة الاستيطان في حركة "السلام الآن" الإسرائيلية، فإن "كفار عتصيون" هي أول مستوطنة تقام مباشرة بعد حرب 1967.

 

ففي الرابع من حزيران 1967، احتلت إسرائيل، الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وهي ذات الحدود التي  يأمل الفلسطينيون بأن تقام دولتهم عليها.

لكن المستوطنات المتناثرة على طول الطرق الممتدة من جنوب الضفة إلى شمالها، تعطي الانطباع الآن أن هذا الحلم قد يكون صعب المنال.

 

وفي تصريح لـ"الأناضول"، يقول أميحاي إن "عدد المستوطنات لا يتغير بشكل كبير في الضفة الغربية، ما يتغير هو عدد السكان والزيادة في البناء فيها".

وفي هذا الصدد يشير أميحاي الذي يمضي الجزء الأكبر من وقته في رصد المستوطنات إلى وجود "145 مستوطنة في الضفة، بدون القدس الشرقية، وأكثر من 100 موقع استيطاني عشوائي".

أما عدد السكان في تلك المستوطنات، فيبلغ رسمياً 356 ألفاً في الضفة، و200 ألف في القدس، أي ما يزيد عن نصف مليون، وفق المسؤول الإسرائيلي نفسه. 

ويرى خليل التفكجي، مدير دائرة الخرائط في جمعية الدراسات العربية (غير حكومية) والخبير الفلسطيني البارز بشؤون الاستيطان، أن الاستيطان مرّ بـ 3 مراحل رئيسية، منذ العام 1967 وحتى اليوم. 

وفي حديث مع "الأناضول" يقول التفكجي: "في الفترة ما بين العام 1967 وحتى 1977 كان الاستيطان يتركز داخل مدينة القدس، ومنطقتين رئيسيتين، هما غور الأردن (شرقي الضفة الغربية) باعتبارها من وجهة نظر إسرائيلية مهمة من الناحية الأمنية، والثانية هي القدس الكبرى، وهي منطقة غوش عتصيون".

أما في ما بين العام 1977 وحتى 1990، عملت الحكومات الإسرائيلية على الاستيطان في كل مكان بالضفة الغربية، بما في ذلك حول المدن، وبالتالي بدأت تنتشر المستوطنات حول المدن الفلسطينية الكبيرة، يضيف التفكجي. 

وفي إشارة إلى المرحلة الثالثة المستمرة حتى اليوم، يتابع الخبير الفلسطيني حديثه: "في العام 1990 أصبح رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، أرئيل شارون، وزيراً للإسكان، وبدأ بتطبيق رؤية إنهاء الخط الأخضر (الخط الفاصل ما بين أراضي 1967 و1948) بشكل كامل، ومنذ ذلك الحين وحتى الآن، أقامت إسرائيل 145 مستوطنة في الضفة، بالإضافة إلى 116 بؤرة استيطانية عشوائية فوق التلال هناك".

وإضافة إلى المستوطنات في الضفة الغربية، يوجد 15 أخرى في القدس الشرقية، يسكنها اليوم أكثر من 200 ألف مستوطن، وذلك في إطار صراع يهدف إلى خلق أغلبية يهودية في القدس بشطريها الشرقي والغربي، وفق التفكجي.

وبحسب معهد القدس لدراسات إسرائيل (غير حكومي)، فإن عدد سكان القدس بشطريها الشرقي والغربي كان بحلول العام 2015، 829 ألفاً بينهم 522 ألف إسرائيلي، و307 آلاف عربي (يتركزون في القدس الشرقية)، ما يجعل نسبة العرب في المدينة بحسب المركز هو 39%.

 

كل الحكومات الإسرائيلية شجعت الاستيطان

ويقول الفلسطينيون إن جميع الحكومات الإسرائيلية سواء أكانت من اليمين، أو اليسار، أو الوسط، عملت على تشجيع الاستيطان في الأراضي الفلسطينية.

ويتفق ليؤر أميحاي، مع ذلك بقوله "كل الحكومات الإسرائيلية لها علاقة بالاستيطان، فهي دعمته، ولكن أعتقد أن اليمينية منها كانت أكثر دعماً، غير أنه في نهاية الأمر يمكن وقف هذا الدعم، فهو قرار سياسي".

ويرى أنه "إذا ما تمت ممارسة الضغط الكافي داخلياً أو خارجياً على رئيس الوزراء الإسرائيلي، أياً كانت خلفيته، فإنه يمكنه وقف الاستيطان فوراً، أماً حالياً فإن رئيس الوزراء، هو (بنيامين) نتنياهو، وهذا يبني بشكل كبير".

ويقول مفاوض فلسطيني كبير في حديث مع "الأناضول"، مفضلاً عدم ذكر اسمه، إن المسؤول الإسرائيلي الوحيد الذي تعامل مع الاستيطان بجدية، كان رئيس الوزراء الراحل، إسحق رابين بعد التوقيع على اتفاق أوسلو.

ويستذكر هذا المفاوض، اجتماع عقده الرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات مع رابين، عام 1994، قائلاً: " كان الرئيس عرفات غاضباً على استمرار الاستيطان، فاجتمع مع رابين وأبلغه بغضبه هذا، فرد رابين: حسناً لن نسمح بالبناء حتى مسافة 50 متراً من أخر بيت في كل مستوطنة".

"حينها أبدى عرفات ارتياحه من هذا القرار، باعتبار أنه يعني وقف أي بناء استيطاني جديد، ولكن بعد ذلك قتل متشدد يهودي يدعى ايغال عمير، رابين (في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 1995) وانفلت الاستيطان مجدداً في الضفة الغربية والقدس الشرقية"، يضيف المفاوض الفلسطيني.

منظمة التحرير الفلسطينية وحماس تتفقان على رفض الاستيطان

تتفق منظمة التحرير الفلسطينة، و"حماس"، على وجوب إنهاء الإستيطان من الأراضي الفلسطينية، رغم خلافهما في بعض الملفات الأخرى.

ويقول واصل أبو يوسف، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير: "في المنظمة نعتبر أن الاستيطان الاستعماري كله غير شرعي وغير قانوني ولابد من إزالته من الأراضي الفلسطينية، هناك قرارات عديدة صادرة عن مجلس الأمن الدولي، والجمعية العامة للأمم المتحدة، تؤكد على عدم شرعية الاستيطان وتطالب بتفكيكه وإزالته من الأراضي الفلسطينية بما فيها القدس الشرقية".

ويرى أبو يوسف في تصريح للأناضول أن "الاستيطان هو جريمة حرب مستمرة ضد الشعب الفلسطيني"، مشيراً إلى أن الشكوى التي تم تقديمها للمحكمة الجنائية الدولية ضد إسرائيل يوم 20 يونيو/حزيران الماضي، تضمنت 3 قضايا، هي "الاستيطان، والعدوان الإسرائيلي على غزة، وقضية الأسرى في السجون الإسرائيلية".

من جهته، يعتبر عزت الرشق، عضو المكتب السياسي لحركة "حماس"، أن "جميع المشاريع والمخططات الإستيطانية السابقة واللاحقة التي يقوم بها الاحتلال الصهيوني على الأراضي الفلسطينية، تعدّ غير شرعية وجريمة حرب".

ويقول الرشق للأناضول: "نحن في حركة حماس لا نعترف بالاحتلال الصهيوني الذي اغتصب الأرض، وهجّر الشعب، وعمل على تغيير وطمس معالمها بالتهويد والاستيطان، وبالتالي كل ما يقوم به من جرائم في الأراضي الفلسطينية هو انتهاك صارخ للحقوق والثوابت الوطنية".

ويضيف الرشق: "طريقنا في استرداد أرضنا والمحافظة عليها واضح، وهو التمسك بنهج الوحدة الوطنية، والمقاومة سبيلاً لردع الاحتلال الذي يستغل نهج المفاوضات العبثية لرفع وتيرة الاستيطان والاستيلاء على المزيد من الأراضي الفلسطينية".

لكن الاستيطان ليس مرفوضاً بالإجماع في إسرائيل، إذ تقتصر معارضته على حزب "ميرتس" اليساري المعارض، الذي تنحدر منه حركة "السلام الآن"، وبعض مؤيدي السلام مع الفلسطينيين، وفيما عدا ذلك، فإن الأحزاب الإسرائيلية تطرح صيغاً مختلفة للتعامل مع الاستيطان ليس من بينها ما يدعو لإزالته بشكل كامل.

وفي هذا السياق، يقول ليؤر أميحاي "نحن لا نميز بين المستوطنات، وبالنسبة لنا فإن جميعها تمثل عقبة في طريق السلام، وانتهاك لحقوق الإنسان".

ويتفق المجتمع الدولي، بما فيه الدول العربية والغربية، على رفض الاستيطان، باعتباره عقبة في طريق تنفيذ حل الدولتين، القاضي بإقامة دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل.

 

ما هو مصير حل الدولتين؟

ويدفع الاستيطان، العديد من الأوساط الفلسطينية، إلى الاعتقاد بأن حل الدولتين لم يعد ممكناً، ومن هؤلاء التفكجي نفسه.

ويرى التفكجي أنه "حتى العام 2001، كان بالإمكان تطبيق حل الدولتين، أما الآن فإن هناك في الضفة الغربية دولة المستوطنين، ودولة التجمعات السكانية الفلسطينية، ولا يوجد تواصل بين المناطق السكنية الفلسطينية، إذ أنه بين الموقع والآخر هناك تقاطع مستوطنات، وعندما تسافر من شمال الضفة الغربية إلى وسطها يتعين عليك المرور عبر حواجز ومستوطنات يقطنها الآن أكثر من نصف مليون، لهم شوارعهم الخاصة، وسيطرتهم على الأرض".

وعن سؤاله عما إذا كان يعتقد أن حل الدولتين ما زال ممكناً؟، يقول ليؤر أميحاي: "أنا دائماً أطرح سؤال ما هو البديل؟ فإذا ما كان البديل هو دولة فصل عنصري، فإن إسرائيل ستصل إلى الاستنتاج بأن هذا الحل سيئ لها، وستفضل حل الدولتين، وحالما يتم الوصول إلى هذا الاستنتاج فإن إسرائيل ستمضي قدماً فيه".

لكنه يستدرك بقوله: "لا أعتقد أننا وصلنا إلى نقطة اللاعودة بعد، فدائماً هناك خيار بديل، ودائماً على الحكومة اتخاذ القرار". 

"لا بديل لحل الدولتين، ونرى أن من حق إسرائيل الوجود، فنحن نحب إسرائيل، ولهذا السبب تحديداً نعتقد أن من حق فلسطين أيضاً الوجود، وأن ينال الفلسطينيون حريتهم، وأن يتمكنوا من العيش بدون احتلال"، يختم ليؤر حديثه.

أما التفكجي فختم قائلاً: "باعتقادي فإن الأمور تسير نحو الدولة الواحدة ثنائية القومية، ولكن إسرائيل تخشى هذا الحل لأنه بموجبه ستكون هناك أغلبية فلسطينية ما بين البحر والنهر".