الحدث-رام الله
ثلاثة أجيال راقصة حلّقت ليلة الأربعاء فوق خشبة مهرجان فلسطين الدولي في أمسيته الثانية. 106 راقص وراقصة من البراعم والشباب والعمالقة من فرقة الفنون الشعبية، صعدوا إلى خشبة المسرح توالياً، كل جيل يحاول إثبات أنه الأكفأً، رغم أن الخطاب الرسمي للمركز والمهرجان حاول نفي ذلك، بحوار زجلي بين الراقصين سيرين حليلة وأنس أبو عون اتخذ موقعه في نصف العرض.
ست رقصات للبراعم، ومثلهن للشباب، وأربع أداها العمالقة من الجيل الأول للراقصين في فرقة الفنون الشعبية، كل رقصة امتدت لدقيقتين أو أكثر على أنغام موسيقى التراث الفلسطيني، ضمن عرض تمّ إنتاجه هذا العام احتفاءً بالذكرى السادسة والثلاثين لتحليق "الفنون".
ربيع كردي وبعد انقطاع عن الرقص لربع قرن، بسبب الاعتقال في سجون الاحتلال الإسرائيلي؛ عاد من جديد كراقص مع فرقة العمالقة، ليشارك الراقصين الشباب والفتية شغفهم، وليعيد ذكريات السنوات التي قضاها في الفنون منذ عام 1980.
وقال كردي عن أيام الجيل الأول "كانت الحيوية تغلب على أعضاء الفرقة، وكانت مشاركتنا تعبّر عن الانتماء والمقاومة كوننا كنا نمارس الدبكة في ظروف صعبة".
رهام برغوثي تغربت في الولايات المتحدة لمدة عشر سنوات، واليوم هي تلوّح في كواليس مسرح قصر رام الله الثقافي بيديها يميناً ويساراً في حركات إحمائية قبل صعودها للمسرح.
لم يمنع رهام اسم فرقتها "العمالقة" من استعادة حيويتها التي بلغت أوجها حين انضمت للفرقة عام 1995، وعلّقت على عودتها قائلة "الفنون كالعائلة بالنسبة لي، مهما ابتعدت سأعود لها وإلى الشباب بطاقتهم وأفكارهم المتجددة".
يجاور عبد العزيز أبو دية (15 عاماً) زميلته ندين معايعة (17 عاماً) من فرقة البراعم، في انتظار دورهما على المسرح، يتبادلان حديثاً غلب عليه حماس رغبتهم مشاركة العمالقة العرضَ نفسه، قبل أن يتسلموا إرثاً ثميناً لا ينقطع كما عبّر أبو دية.
صخب المسرح انعكس على من يقابله من الجمهور، الذين زاد عددهم عن 1700، ازدحمت بهم المدرجات والأروقة المؤدية إليها، الأغاني ألهبت مشاعرهم، الكبار قبل الصغار قفزوا من أماكنهم تحية للعرض والعارضين والذكريات.
وكانت فرقة الفنون الشعبية قدّمت عرض الليلة في آذار الماضي ذكرى انطلاقتها، وأثنى عليه حينها كتّاب وصحفيون، منهم زياد خداش الذي كتب "هذا فريق يدرك بذكاء مستقبلي كبير أن مضي 36 عاماً على تأسيس فرقة الفنون، وبقاءَها كل هذه السنوات سيدة من يغني ويرقص، بكل هذه الأناقة والثقافة، ومن يمنح فلسطين كثافة إيقاعها الوطني والعالمي الخاص".
ومنذ عام 1976 تستلهم فرقة الفنون الشعبية من التراث العربي الفلسطيني بشكل خاصّ، لبناء أعمالها الفنية الغنائية الراقصة "بأسلوب خاص يجمع بين الأصالة والحداثة، لتعبر عن مشاعر وأحاسيس مبدعيها وتساهم في إحداث التغير في الإنسان والمجتمع من خلال ممارسة فنية جمالية"، بحسب تعريف الفرقة، وكانت الفنون أنتجت 15 عملاً منذ تأسيسها، كما قدّمت أكثر من 1000 عرض محلياً وعربياً، وتتخذ من الفلكلور وسيلةً للتعبير وحفظ الهوية الثقافية الفلسطينية.
خالد قطامش الذي رافق العمالقة ويشرف على تدريب فرقة الفنون الشعبية، أكد أن الفرقة توأم لمهرجان فلسطين الدولي منذ تأسيسه عام 1993، لم يفترقا، إما بإحياء ليلة افتتاح المهرجان، أو بعروض فنية كاملة تجوب مدن فلسطين.
في نهاية الأمسية الثانية، اصطفّت الأجيال الثلاثة في لوحة "فنونيات" ولم تهزل هزّات أجسام العمالقة، ولم تتوقّف عن التمايل عند سماع صوت الشبّابة، مع الأغنيات التي نادت بالحب والوطن وتوارث كلّ منهما.