مقال بقلم- مها عمر
كنت قد عاهدت نفسي ألا أتحدث في أي موضوع على الهامش منذلك النوع الذي يثير الجدل العقيم ، و تكون فيه المناقشات من النوع الصفري الذي يفرض أن ينتصر طرف لفريقه و فكرته على حساب الطرف الآخر مهما كان .
لكن السؤال الذي أود طرحه ببساطة على الناس وعلى نفسي هو : لماذا يجب أن نصنف كل شيء؟
و السؤال المترتب عليه :لماذا تستعبدنا التصنيفات ؟
قلة قليلة من الناس الذين قابلتهم في حياتي يستطيعون فصل سلوك الشخص عن الشخص نفسه . ليس صعبا عليك أن تحترم إنسانا وألا تضع أيديولوجيته أمامك طوال الوقت و أنت تسلم عليه و تتكلم معه .
في المجتمعات المتأخرة و بعض المتقدمة المدعية ، التي تقل فيها نسبة التسامح و التعامل السلس ، ترتفع نسبة التمييز على أساس العرق و الدين و اللغة . هناك مجتمعات لم تستطع أن تتخطى بعد كونها قامت على أسس طائفية أومذهبية أو على أساس الشكل كما عندنا في مصر .
التصنيف يشمل كل شيء في الانسان بدءًا من كونه رجل أو امرأة ، الدين، و بعد الدين تأتي الطائفة ، و بعد الطائفة تأتي الطبقة الاجتماعية ، ثم يأتي الانتماء السياسي ، ثم الشكل ثم هل هو من سكان الريف أو المدينة سلسلة طويلة من التصنيفات يمر بها الإنسان في مجتمعاتنا لا علاقة لها بالكفاءة و لا بحسن الخلق ولا بالقدرة على التفوق .
في المجمتعات الأشد فقرا وتخلفا تساند الحكومة بكل أنشطتها بل و تساهم في دعم الاختلاف ،ليس دعما للتنوع بل دعما للتقسيمالطبقي ، و العنصرية و سيادة قانون الغاب ،و تقسيم الناس بين عبيد يعملون في مختلف مجالات الحياة ،و سادة يدخلون القضاء و الشرطة و الجيش و يتمتعون بتسهيلات وامتيازات لا يتمتع بها أحد لا ينتمي لذات المؤسسات مثلهم و لا يتساوى معهم أحد إلا إذا كان أهله من ذات الطبقة و المكانة . لماذا ؟ لأسباب سياسية أوهنها : خلق طائفة من الناس انتماؤهم الأول للدولة مهما كان فسادها و عفنها ، وهم بدورهممن يصوغون القوانين ومن يمررونها للناس على أساس أنهم حراس الدولة القومية من الشرور الخارجية ألخ الخ الخ !
" ولد جميع الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وهبوا عقلاً وضميراً وعليهم أن يعامل بعضهم بعضاً بروح الإخاء"المادة 1 من ميثاق الإعلان العالمي لحقوق الانسان .
في مصر أنت مصنف حتى ينتفي عنك التصنيف بتغيير دينك أو محافظتك التي تعيش فيها ، بلبس الحجاب أو خلعه ، بالدخول في كلية ذات طبيعة دراسية معينة ، بالتفوقالدراسي من عدمه ، بانتمائك لطائفة معينة ، بلون بشرتك أحيانا . أنت مصنف بطبيعة الحال .وأكثر الأماكن التي يتم تصنيفك فيها ، عملك ، المصلحة الحكومية التي تقضي فيها معاملتك ، كمين الشرطة ، جامعتك ، في المواصلات العامة . أنت مصنف و لا مفر !
و على التصنيف تترتب أمور كثيرة ، أحقيتك في عمل معين ، أو في دراسة معينة أو في العمل لجهة معينة ، أحقيتك في الحياة أحيانا .
و ينسحب التصنيف البغيض على المرأة في مجتمعاتنا ، و هي الكائن الذي يتحمل في معظم المجتمعات من وجهة نظري آفات التصنيف ، لأنها ببساطة مرآة المجتمع ، و هي ليست فقط تحت ضرس المجتمع طوال الوقت ، يحاكمها ، و يدخلها سجنه ، و يهينها و يصنفها ، بل أيضا يلقي عليها بكل أمراضه و تعقيداته .
فهي مصنفة حسب حالتها الاجتماعية ، وحسب قدرتها على الإنجاب ، و حسب دينها ، وحسب مظهرها و ملبسها ، ناهيك عن وضعها أحيانا في المرتبة الثانية اجتماعيا كونها أنثى .
تتلبس المرأة عادة بأمراض المجتمع الذي تعيش فيه ، و في أحايين كثيرة ، تتحول إلى الحارسة الحامية لتقاليد مجتمعية كرست تصنيفها ، و استباحت جسدها بدعوى العفة .
الموضوع أكبر من جدل الحجاب و النقاب ، والمنع و القبول ، الموضوع هو أننا و بعد كل ما مر به الانسان من حروب و قهر و قتل على أساس الهوية لازلنا نرى أنه من حق إنسان يدخل مكانا أو يخرج منه على أساس شكله و توجهاته !
"كانت من أكبر النكات التي عشتها كمصرية في تلك الفترة الزمنية التي مضت و التي تمنيت فيها العمل كمذيعة و لم يتسن لي لأنني محجبة في بلد لا يبيح عمل المحجبات في التليفزيون لأسباب تتعلق بكونها غير لائقة مظهريا في بلد يعتبر الاسلام دين الدولة "
إننا لازلنا ، حتى بيننا و بين بعضنا ، نتعاطف مع المحجبة دون غيرها ، ونرى المنتقبة مذنبة بطبيعة الحال، ونضعهما في منازل تنزيه أو عصمة لا قبل لهم بها ، و نتعامل مع غير المحجبة كونها بلا أخلاق ، و نصنف المسيحي على أنه كائن من الدرجة الثانية ، و المسلم غير المتدين المنحل أنه لا يستحق معاملة ترعى حقوقه و ترعى تخييره اصلا بين الدين من عدمه ،نحن نصنف الناس على أساس انتمائاتهم السياسيةكونهم يستحقون التعاطف أو لا على ما يتعرضون له من قهر و قتل و تصفية و اضطهاد لا يرضى به الله الذي خلقنا جميعا سواسية !
أين ذهب بنا التصنيف ؟ حروب طائفية ونزاعات قبلية و تراجع في التسامح المجتمعي ، وغياب القانونو سيادة قوانين تعتمد أمزجة الشارع و الضابط ، و صاحب اليد العليا في النزاع !
قتل التصنيف زينب المهدي ، و قتل الكثير من شبابنا المعتقلين ، التصنيف ليس وحده القاتل ، لكنه مشارك في الجريمة .
لو كان الله يصنفنا ، لوجدت أغلب أهل الجنة من سادة قريش !