الحدث-غزة-محمد مصطفى
أفرزت الأزمات الخانقة والمتعاقبة التي حلت بسكان قطاع غزة، ظواهر جديدة، لم تكن معروفة من قبل، أهمها لجوء الشبان، خاصة الجامعيين منهم إلى العالم الافتراضي والفضاء المفتوح، والمتمثل في مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة "فيس بوك"، و"تويتر"، للتعبير عما يجول بخاطرهم.
وقد أضحت تلك المواقع بمثابة أماكن للتنفيس و"فش الغل"، فيسارع النشطاء للبوح بكل ما يجول بخاطرهم فيها، وينشرون تعليقات يهاجمون من خلالها من يعتقدون أنهم سبب في الأزمات.
ظاهرة إيجابية ولكن!
ويقول الصحافي والناشط محمود فودة، ويعمل في صحيفة الرسالة الأسبوعية التي تصدر من غزة، إن تحول مواقع التواصل الاجتماعي إلى "فشة غل"، أمر جيد وايجابي، ويسهم في تخفيف الكبت والغيظ الذي يعاني منه جمهور الشباب، واللذين باتوا عاجزين عن التعبير عن آرائهم لأسباب عديدة، منها ما هو خوف على مستقبلهم، أو لثقتهم بأن الاحتلال هو من يتسبب في كل تلك المشاكل، بشكل مباشر أو غير مباشر.
ونوه فودة إلى أن تزايد تلك الظاهرة يتزايد طردياً مع حجم المشكلات التي يعاني منها الشباب، فكلما زادت تلك المشكلات زاد توجه الشباب لهذا العالم، الذي بتنا نرى فيه الكثير من الهجوم، وحتى السب والشتم أحيانا.
ولفت فودة إلى أن ثمة ظاهرة خطيرة في هذا التوجه، وتتمثل في إبعاد الشباب عن واقعهم، وتدريجياً حول بعضهم الفيس بوك أو تويتر إلى عالم أشبه بالحقيقي، يمارسون فيه طقوسهم، وينتقدون من خلاله ويهاجمون، وهذا يفصلهم تدريجياً عن العالم الواقعي والحقيقي، لذلك نصح الشباب بالموازنة بين الأمرين.
إما الناشطة تغريد سليمان، من مدينة رفح، فأكدت أن الجهات التنفيذية سواء في الضفة أو غزة، تراقب مواقع التواصل الاجتماعي، وهي سعيدة لوجود هذه الظاهرة، فهي تمثل متنفس للشباب الغاضبين والمكبوتين، وبالتالي تضمن أن يبقى الأمر مجرد كلمات، لا يصل لحد حراك شعبي يزعجهم.
وأشارت سليمان إلى أنها سألت في إحدى الأيام إحدى صديقاتها ممن يكثرن نشر منشورات غاضبة على فيس بوك، فأخبرتها أنها تشعر بالارتياح، فكلما غضبت أو شعرت بالضيق نتيجة أزمة الكهرباء، أو البطالة أو الحصار، تكتب ما يجول بخاطرها، وتهاجم المسؤولين، حينها تشعر بارتياح.
وأكدت أن المشكلة الحقيقية تكمن في أن المشاكل تزيد، والوضع يزداد صعوبة، وكتابات الشباب لا تجد من يسمعها، فكأنما يكتبون لعميان، أو يتحدثون لطرشان.
أما الناشطة آية جودة، فرأت أن هذه ظاهرة غير صحية بالمطلق، وهي تشبه إلى حد بعيد صنع دمية تحاكي شخص ما يكرهه البعض، وضرب الدمية كلما شعرنا بكره هذا الشخص، أو زدنا غضباً منه.
وأكدت جودة أن الشباب هم عماد الأمة، ومحركها، فإذا ما توجه هؤلاء إلى عالم افتراضي بعيد عن الواقع، فعلى الأمة السلام.
وأشارت إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي من الممكن أن تكون محفز ومحرك لقول كلمة فصل في أمر ما، لكن ميدان القول لا يجب أن يكون في هذا الواقع، فهي سئمت وملت من كثرة الشكوى والأنين، والهجوم عديم الجدوى.
ونصحت الشبان برفع أعينهم من أمام شاشات الحاسوب والهواتف الذكية، والنظر حولهم، فثمة ما يمكن فعله غير استمرار الضغط على لوحات المفاتيح.
ورغم ذلك رأت جودة أن هناك فوائد من هذه المواقع، ولكن المعظم لا يجيدون استخدامها على النحو السليم.
وكان أعلن سابقا أن عدد مستخدمي برنامج التواصل الاجتماعي الشهير "فيس بوك"، في الضفة الغربية وقطاع غزة، وصل إلى أكثر من مليون ونصف المليون فلسطيني، معظمهم من فئة الشباب، وهذا يشير بشكل واضح إلى مدى إقبال الشبان على هذا العالم الافتراضي.