الحث- نابلس
لم تكد تمر جمعة على الفلسطيني سعد دوابشة، حتى لحق بطفله "علي" الذي ارتقى إلى العلا حرقاً على يد مستوطنين، وكأنه أراد أن لا يتركه وحيداً، كيف لا وهو الرضيع المدلل.
وتوفي سعد دوابشة (30 عاما)، أمس السبت، في أحد المستشفيات الإسرائيلية، متأثراً بحروق خطيرة، بعد أسبوع على هجوم شنه مستوطنون بالزجاجات الحارقة على منزله الكائن في بلدة دوما، قرب مدينة نابلس، شمالي الضفة الغربية، في حادثة أودت بحياة نجله الرضيع علي (18 شهراً)، وأبقت زوجته ريهام، وابنه البكر أحمد (4 سنوات) بين الحياة والموت.
وبعد تشييع جثمان سعد إلى مثواه الأخير في مقبرة البلدة، في اليوم نفسه من الوفاة، زارت الأناضول بيت العزاء الذي أقامته العائلة في إحدى المدارس القريبة هناك.
وبينما كان يستقبل المعزين بدا والده محمد دوابشة صابراً محتسباً رغم جرحه العميق على فراق نجله وحفيده، يوصي الموجودين من الأبناء والأقارب والأصدقاء :"يا بني أوصيكم أن لا تبكوا، هؤلاء القتلة يريدون أن يشاهدوكم اليوم عبر القنوات الفضائية منكسرين، لا تجعلوهم ينالون منكم، بل كونوا أقوياء".
يكمل الأب وهو يوزع نظراته على الحاضرين: "حسبنا الله ونعم الوكيل، سعد فلذة كبدي، لكن نصبر ونحتسب، هؤلاء (المستوطنون) يسعون إلى تهجيرنا من أرضنا، لكننا هنا صامدون، يوما ماً سينقلب السحر على الساحر، سيفشلون".
ويمضي بقوله: "لن يكسرنا الاحتلال ومستوطنوه، عوضي على الله، لأنه هو الخالق وهو الذي أعطى وأخذ ( ) الزمن يتغير لا يبقى القوي قوياً والضعيف ضعيفاً، الأيام يتم تداولها بين الناس، سيأتيهم يوماً".
لكن دوابشة الأب لـ7 (3 أولاد و4 بنات)، كله أمل أن "يراجع العالم العربي والإسلامي حساباته، وأن يتمسك بالثوابت لتحرير الأرض الفلسطينية من دنس الاحتلال".
أما والدته "سارة" التي وإن بدت متماسكة لم تذرف عيناها الدمع، إلا أن في قلبها لهيب ألم على فقدان فلذة كبدها، بقولها "حرقوا سعد وعائلته.. مات سعد وذاق مرارة حرق أبنائه".
تتذكره أمه وتقول: "كان سعد خلوقاً، صائماً، مصلياً، دائما يقدم المساعدة للناس"، داعية له "الله يرضى عليك يمّة ( يا أمي)، الله يحرق إلي (الذي) حرقه".
شقيقه نصر، هو الآخر لم يجد سوى أن يحتسب أخاه "شهيداً كما رضيعه علي"، ويقول: "قبل الفاجعة، كان سعد يحلم ببناء منزل متواضع يعيش فيه مع عائلته بسعادة، لكن الاحتلال قتل الحلم، وترك لنا جرحاً عميقاً".
ويضيف في حديثه مع الأناضول: "هذا قدرنا نحن الشعب الفلسطيني، أن نقدم الشهداء، من أجل الحرية، نحتسب أخي شهيداً، كما رضيعه".
ويتابع: "لا ننتظر من القضاء الإسرائيلي أي شيء، ثقتنا بالله، وبشعبنا، وبالقيادة الفلسطينية، أن تواصل النضال من أجل محاسبة الاحتلال، وتقديم القتلة للمحاكم الدولية ( )، الجيش الإسرائيلي كان بإمكانه منع الجريمة، لكنه لم يحرك ساكناً، وحتى بعد الجريمة لم يمسك القتلة".
وفيما يصبر نصر ويحتسب، يرى أن الفاجعة التي حلت بهم كبيرة بجللها وذكراها، فهي أودت بحياة اثنين من العائلة (سعد ورضيعه)، وأبقت اثنين آخرين يصارعان الموت (الزوجة والابن)، وحرقت ماضياً وأحلاماً لسعد بحياة كريمة ملؤها الحب والسلام، وأثقلت على الوالدين العجوزين.
البيت الذي لطالما حلم به سعد، وبدأ للتو في بناء أساساته، ستبقيه العائلة من بعده، مزاراً وعنواناً لمن وصفتهم بـ"النازية الجدد"، واستراحة لمن أراد زيارة البلدة ومشاهدة "الجريمة" عن قرب، بحسب نصر.
وأثارت حادثة حرق الرضيع علي دوابشة، من قبل مستوطنين، فجر يوم 31 يوليو/تموز الماضي، ردود فعل فلسطينية وعربية ودولية غاضبة، ووصفت الحادثة من قبل الكثيرين بأنها "جريمة بشعة"
رحل سعد ونجله علي، لكن الحكاية لم تنته بعد، فجدران البيت بقيت تروي قصة رضيع ترك لعبته ومهده، وذهب لأصغر لحد، وأب كان يتمنى أن يكون بمقدوره إنقاذ عائلته من النيران التي أمسكت بهم، لكن جسده المحترق آنذاك لم يسعفه، وزوجة قد لا تكون تعرف بموت زوجها وهي الراقدة تصارع الموت على سرير المستشفى، كما ابنها البكر أحمد.
المصدر: الأناضول