صيدم: لن نقبل بترحيل ملف التعليم في الأونروا للسلطة الفلسطينية
الحدث- محمد غفري
بدأ العد التنازلي.. وأيام قليلة باتت تفصلنا عن انطلاق العام الدراسي في فلسطين كما دول العالم، لتتصاعد بذلك تصريحات المسؤولين الأمميين في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، المهددة بتأجيل السنة الدراسية لنصف مليون طالب لاجئ مسجلين في حوالي 700 مدرسة، إلى جانب ثمانية مراكز مهنية منتشرة في منطقة الشرق الأوسط.
الوكالة الدولية تقول إنه "ما لم يتم الحصول على تمويل بكامل قيمة العجز المالي الذي تعاني منه الوكالة والبالغ 101 مليون دولار بحلول منتصف الشهر الجاري، فإن الأزمة المالية قد تجبر الوكالة على تعليق الخدمات المتعلقة ببرنامجها التعليمي إلى أن يتم تأمين المبلغ بأسره".
لكن خبراء ومراقبون للشأن الفلسطيني إلى جانب الفصائل الوطنية، يرون في الأزمة الاقتصادية التي تتذرع بها الأونروا ليست إلا سياسية بحت، ولا تتعدى كونها أزمة مفتعلة تهدف إلى التمهيد لتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، حتى يصل الأمر بهم إلى القبول بأي طرح سياسي مستقبلي محتمل وتسوية لا تمت للعودة بصلة.
ولم تلق مناشدة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون للدول والمؤسسات المانحة للمساهمة على وجه السرعة، وتقديم 100 مليون دولار للأونروا، حتى اللحظة أي صدى.
ما دفع الرئيس محمود عباس خلال كلمته في اجتماع لجنة متابعة مبادرة السلام العربية، إلى الحديث عن الموضوع ودعوة كافة الدول بشكل رسمي لدعم موازنة الأونروا، لافتا إلى أن تأخير بدأ العام الدراسي، سيجعل 700 ألف طالب فلسطيني لاجئ في الشارع جاهزون لداعش، وعرضة لابتزاز المنظمات الإرهابية.
مشعشع: قرار تأجيل العام الدراسي لم يتخذ بعد والأونروا "ليست للبيع"
وتعقيبا حول آخر تطورات الأزمة، أشار الناطق الإعلامي باسم الأونروا سامي مشعشع، إلى أن المفوض العام للوكالة بيير كرينبول وطاقمه يعملون حتى اللحظة بشكل حثيث مع الدول المتبرعة، من أجل حشد الموارد المالية وتوفير 100 مليون دولار قيمة العجز، من أجل بدء السنة الدراسية في موعدها.
وأكد مشعشع في حوار خاص مع "الحدث"، أن قرار تأجيل السنة الدراسية من عدمه لم يتخذ حتى اللحظة، وما زالت هناك فرص في حال تم توفير التمويل اللازم والموارد المالية، وفي حال لم يتوفر سيؤخذ القرار قريباً في منتصف الشهر الجاري.
وحول المدة الزمنية المحتملة للتأجيل، أوضح أن هناك من يتحدث عن أيام أو أسابيع أو أشهر، ولكن في الحقيقية لا نستطيع الآن وضع سقف زمني لتلك الفترة ويصعب تحديدها، كما لا نتحدث عن إلغاء العام الدراسي.
وأضاف مشعشع، أن تأجيل العام الدراسي، يعني تعطيل كل من له صلة بالبرامج التعليمية، لذلك سوف يتم استصدار قرار يتعلق باعطاء العاملين إجازة بدون راتب.
وبحسب إحصاءات للأمم المتحدة، فإن 22 ألف معلم يعملون في مدارسها الموزعة على مناطقها الخمس (الضفة الغربية، قطاع غزة، الأردن، سورياـ ولبنان).
وفي 29 يونيو/حزيران الماضي، أعلنت "الأونروا"، أن 85% من إجمالي عدد موظفيها الدوليين البالغ عددهم 137 موظفاً، والذين يعملون بعقود قصيرة الأجل، سينفصلون عن العمل، وفق عملية تتم على مراحل وتستمر حتى نهاية سبتمبر/أيلول المقبل.
وفي الشهر نفسه، أعلنت فتح باب التقاعد الطوعي، قبل بلوغ السن القانوني للتقاعد (60 سنة)، بهدف تقليص النفقات والتكاليف الداخلية لديها.
وفي تفاصيل الأزمة المالية، قال مشعشع، إن الدول المانحة عليها مسؤولية الإيفاء بالتزامتها، وهم يقدموا المبالغ المطلوبة منهم للوكالة، لكن هذه المبالغ تزداد سنويا بنسبة 6.5%، في حين أن الزيادة في الميزانية تبلغ 1% فقط، وهو ما يزيد نسبة العجز، بشكل لا يسمح للوكالة الوفاء بالتزامتها أمام ازدياد عدد اللاجئين والضغط على خدمات الوكالة.
وأضاف، أن العجز في الميزانية العادية بلغ 101 مليون دولار، وهناك عجوزات في الميزانية الطارئة في سوريا وغزة، مبيناً أنه "في غزة ميزانية الطوارئ 760 مليون دولار ولم نستلم منها إلا 250 مليون دولار، وفي سوريا لم نستلم إلا 30% من مبلغ 425 مليون دولار وهي قيمة الميزانية الطارئة".
وطالب الناطق الرسمي بلسان "الأونروا"، بتسليم المساعدات المالية بشكل منتظم من الدول المانحة وليس فقط لسد العجز للعام 2015 .
ورداً على من وصف أزمة الأونروا بالسياسية وتهدف لتصفية قضية اللاجئين، أكد مشعشع، أن "وكالة الغوث الدولية ليست للبيع، وأي شخص يشكك في ولاية الأونروا وبدورها ورمزيتها سنقف له بالمرصاد".
واستطرد، "الوكالة سواء كان هناك أزمة مالية أو لم يكن، لديها ولاية قانونية وسنستمر في تدقيم خدماتنا حتى تحل قضية اللاجئين الفلسطينيين بشقها السياسي، وبالتالي لا يوجد هناك قلق على مستقبل الوكالة، وستبقى طالما هناك قضية لاجئين، ونحن نتحدث عن أزمة مالية وليست سياسية".
اتحاد موظفي الأونروا يهدد.. وخبراء وفصائل يصفون الأزمة بالسياسية
من جهته، قال رئيس المؤتمر العام لاتحادات الموظفين في مناطق عمليات الوكالة الخمسة سهيل الهندي، إنه في حال تأجيل العام الدراسي سيكون هناك فعاليات قوية جدا غير مسبوقة، وإن "زيادة طالب واحد في الفصل الدراسي يعني وقف 200 فرصة توظيف في الوكالة".
وأضاف الهندي أن المبلغ المالي الذي سبب أزمة الوكالة ليس بالكبير، والمشكلة ليست مالية بل سياسية بامتياز،"وهناك توجه عالمي لإنهاء الوكالة".
وطالب بوقفة جادة من السلطة الفلسطينية والمجلس التشريعي والفصائل واللاجئين الفلسطينيين، لوقف تقليصات الوكالة، معتبرا أن أيّ أحد في العالم سيتخلى عن مسؤوليته تجاه اللاجئين سيحترق بنيران عمله.
ويتفق الخبير في شؤون اللاجئين رمزي رباح مع الهندي، في اعتبار المشكلة ليست بالمالية بل تأخذ طابعا سياسيا.
وأوضح رباح لـ"الحدث"، أن الدول الممولة للأونروا وتتحمل مسؤولية ذلك بتفويض من الأمم المتحدة، بدأت تتراجع في دفع نفقاتها، ومنها من توقفت، وهي تطالب جهارا بتصفية سياسية للأونروا على طريق تصفية قضية اللاجئين.
وأضاف عضو اللجنة المركزية للجبهة الديموقراطية، أن الأونروا وفق التفويض الدولي رقم 302 مخولة بالاستمرار بتقديم خدماتها إلى حين حل قضية اللاجئين وفق القرار رقم 194، وبالتالي الحديث يجري الآن سياسيا لتقليص خدمات الأونروا وانسحابها تدريجيا من برامجها المعتادة في إغاثة وتشغيل اللاجئين، وإحالة ذلك إلى برامج خاصة للمؤسسات الدولية أو الدول المضيفة، وبالتالي هذا يعني تآكل قضية اللاجئين ومكانتهم الدولية من خلال هذا الإنسحاب التدريجي للأونروا.
واستعرض رباح، أثر تقليص خدمات الأونروا في الحقل الدراسي، مؤكداً أن الأمر سيؤدي إلى وقف توظيف المعلمين، والتسريح المبكر للمعلمين القدماء، تحت شعار التقاعد المبكر، وبالتالي استبدال المعلمين ذوي الخبرات والكفاءة العالية والتوقيع مع معلمين جدد بعقود وبأجور أقل وخبرات وكفاءة أقل.
وتابع، أن تقليص النفقات سيؤدي أيضاً إلى اكتظاظ الصفوف بحيث يصل الصف الدراسي الواحد إلى أكثر من 50 طالبا، بسبب عدم توفير المرافق التعليمية والمباني الجديدة التي تزداد الحاجة إليها، وبالتالي تدني في مستوى خدمات التعليم والتحصيل الدراسي للطلبة المحشورون في فصل دراسي واحد بأعداد كبيرة، وهذا كله بالمجمل يؤثر على العملية التربوية والتعليمية التي تشكل رأس مال بالنسبة للاجئ الفلسطيني.
بدوره، يعتقد المنسق الإقليمي لمركز العودة الفلسطيني علي هويدي، أن الوكالة تستغل الظرف الإقليمي العام لرفع وتيرة التقليص من خدماتها في سبيل الضغط على اللاجئ الفلسطيني للقبول بأي استحقاق سياسي يمكن أن يفرض عليه لاحقا.
وأوضح أن المفوض العام للوكالة كان قد أقر بأن أسبابا سياسية تقف وراء عدم التزام الدول المانحة بالتزاماتها المالية للوكالة، مشددا على أن مخاطر كبيرة تحدق باللاجئين الفلسطينيين في مختلف أماكن تواجدهم حال استمرت الوكالة في سياساتها تمهيدا لإلغاء المؤسسة.
وحذر المختص في شؤون اللاجئين، أن شطب حق العودة وإلغاء عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم هو الهدف السياسي الأكبر، مشددا على أن تهديدات اقتصادية واجتماعية وإنسانية تحدق بالفلسطينيين، علاوة على البعد الأمني الذي يعد الأخطر بعد غياب خدمات الوكالة.
واسبعد هويدي، أن يبدأ العام الدراسي الحالي في موعده الطبيعي (أيلول المقبل)، لأن الأمر يحتاج إلى معجزة، متوقعا أن يبدأ مع بداية عام 2016 على أقل تقدير.
وأشار في تصريحاته الصحفية، إلى عدم وفاء الدول العربية بالنسبة المقررة عليها من ميزانية "الأونروا"، والتي تبلغ قيمتها 8%.
وأضاف: "نتفهم تخلف الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو أي من الدول المانحة عن دفع استحقاقاتها، لكن من الصعب تفهم أن الدول العربية مجتمعة لا تدفع المطلوب منها"، مشيرا إلى أن دور جامعة الدول العربية شبه غائب ولم تصدر حتى اللحظة إلا بيانا طالبت فيه الوكالة بمواصلة مساعداتها للاجئين الفلسطينيين.
من جانبه، قال رئيس دائرة شؤون اللاجئين في حماس عصام عدوان، إن مساس "الأونروا" بالتعليم يعني المساس بكل ما يتعلق باللاجئين الفلسطينيين.
واعتبر أن القضية ليست مالية إطلاقًا، "والأونروا وإسرائيل" تريدنا أن نتفهم سبب التقليصات، وهم يريدون التنصل من خدمات الوكالة وكسر كل الخطوط الحمراء.
وأضاف أن اللوبي "الإسرائيلي" تحرك في كل دول العالم للضغط على الأونروا لوقف خدماتها، بهدف "التوطين الدائم" للاجئين الفلسطينيين، متسائلا: أين ذهبت أموال الاغاثات التي كانت تصرف على اللاجئين في سوريا؟.
صيدم: نرفض إعدام الملفات في "الأونروا" وترحيلها إلى السلطة الفلسطينية
وقال وزير التربية والتعليم العالي صبري صيدم، إن الحكومة الفلسطينية تتابع الأمور عن كثب، وتحاول قدر الإمكان حل هذه القضية ضمن الأطر المتاحة، وبالتالي بدء العام الدراسي في موعده دون أي تأجيل.
واعتبر صيدم في حوار خاص مع "الحدث"، أن هذه الأزمة قضية سياسية، تحمل منحى خدمي مرتبط بتبعات موقف الوكالة وخدماتها في فلسطين، وبالتالي هي مصدر قلق للشارع الفلسطيني.
وأشار صيدم إلى أن التعليم هو حق إلزامي ومكفول بحسب القانون الأساسي، لكامل أبناء الشعب الفلسطيني وهو من أبسط حقوق الإنسان.
وحول إمكانية تسلم وزارة التربية والتعليم لمدارس الأونروا في حال إغلاقها، أكد أنه لا يوجد على الاطلاق أي نية لأخذ مسؤولية هذه المدارس على عاتق الوزارة، وليس من حقها.
وأوضح أن هذه الآلية مرفوضة وهي ترحيل لإحالة ملف التعليم للسلطة، ونحن ولا بأي شكل من الأشكال يمكن أن نتسلم إدارة المدارس، ولا نمتلك لا القرار السياسي ولا القرار التربوي ولا الإمكانيات لا المالية ولا الإدارية لتنفيذ هكذا عملية، مؤكداً "نحن نرفض إعدام الملفات في وكالة الغوث وترحيلها إلى السلطة الفلسطينية".
وقال صيدم، "مسؤولية الهجرة واللجوء هي مسؤولية أممية لذلك يجب على هذه المؤسسة الدولية ألا تعفى من مسؤولياتها تجاه اللاجئين الذين شردوا من أرضهم وبينت عليها المستوطنات.
من جهته، قال وزير التربية والتعليم الأردني محمد ذنيبات، إن وزارته "لن تقبل أي طالب من مدارس الأونروا في المدارس الحكومية".
وأضاف ذنيبات "لم تصلنا حتى الآن أي قرارات للأونروا بتأجيل الموسم الدراسي للطلبة الفلسطينيين في مدارسها، وعددهم 120 ألف طالب، لكننا بالتأكيد لا نستطيع قبول أي طالب في مدارسنا الحكومية، في ظل الأعباء الكبيرة عليها، خاصة مع وجود 130 ألف طالب سوري لاجئ".
يشار إلى أن الأونروا تأسست بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1949، وتم تفويضها بتقديم المساعدة والحماية لحوالي خمسة ملايين لاجئ فلسطيني، مسجلين لديها في مناطق عملياتها الخمس (الأردن، وسوريا، ولبنان، والضفة الغربية، وقطاع غزة)، إلى أن يتم التوصل إلى حل عادل لمحنتهم، وتشتمل خدمات الوكالة التعليم، والرعاية الصحية، والإغاثة، وتحسين المخيمات، والإقراض الصغير.