الهيئة المستقلة: نُحذر من التداعيات الخطيرة لأزمة الكهرباء على حياة المواطنين اقتصادياً واجتماعياً
غزة-محاسن أُصرف
أدى تجدد أزمة انقطاع التيار الكهربائي ولفترة طويلة، إلى حدوث معضلات لدى أصحاب المحال التجارية التي تعتمد على بيع المُجمدات، ولدى ربات البيوت، فلم يستطيعوا أن يظفروا بأغذية صحية، ما أثمر لديهم حالة فزع وقلق من التعرض لحالات تسمم غذائي نتيجة عدم حفظ الأغذية بطرق سليمة.
وشكا مواطنون من تتضاعف ظاهرة الأغذية الفاسدة نتيجة أزمة الكهرباء التي تزامنت مع موجة حر شديدة ضربت فلسطين، وقال هؤلاء في أحاديث منفصلة مع "الحدث": "إن كميات كبيرة من الأطعمة في البيوت والمحال التجارية تعرضت للتلف، خاصة الخضار واللحوم المجمدة بسبب فصل التيار الكهربائي لساعات تطول إلى 18 ساعة يومياً"، ويُشير أولئك إلى أنهم اضطروا لإفراغ ثلاجاتهم من المواد الغذائية والمجمدات إلى حين تحسن حالة الكهرباء، فيما أكد آخرون أن بعض أفراد أسرهم، خاصة الأطفال، تعرضوا للتسمم الغذائي نتيجة تناولهم أطعمة فاسدة.
"الحدث" في سياق التقرير التالي تكشف عن معاناة أصحاب محلات بيع اللحوم المجمدة والمطعام وربات البيوت من فساد الأغذية نتيجة أزمة الكهرباء وموجة الحر التي ضربت فلسطين الأسابيع الماضية وأسهمت بشكل كبير في تعرض الأغذية المحفوظة في الثلاجات للتعفن.
خسائر باهظة
ويعاني (700-800) محل تجاري خاص ببيع اللحوم والخضروات المجمدة من أزمة الكهرباء، وقال وليد عابدين، أحد أصحاب محال بيع المجمدات في سوق خان يونس المركزي: "الانقطاع الطويل للتيار الكهربائي يُساهم في سرعة فساد المُجمدات"، لافتاً إلى أن إعادة تجميدها بعد إذابتها من شأنه أن يؤثر على صحة من يتناولها بشكل سلبي.
ويُقدر عابدين خسائره اليومية في ظل انقطاع الكهرباء بـ (2000) شيكل تقريباً ما بين ثمن اللحوم وثمن الوقود اللازم لتشغيل المولد الكهربائي لإبقاء اللحوم على حالتها.
وتبدو الخسائر أكبر وأضخم لدى الشركات العاملة في استيراد اللحوم المُجمدة عبر إسرائيل، حيث يُشير أيمن عفانة، مدير عام المبيعات في شركة عفانة للحوم، إلى أن حجم خسائره نتيجة انقطاع التيار الكهربائي لساعات تفوق الـ 12 ساعة يومياً، بلغت قرابة 60 ألف شيكل شهرياً، مؤكداً أنه يتحمل نفقات تخزين بعض اللحوم التي اشتراها في مخازن تابعة لإسرائيل لا تُعاني من انقطاع الكهرباء، "ولكنها تُكبدني نفقات إضافية بت لا أطيقها"، حسبما قال.
ويُطالب أولئك التُجار حكومة الوفاق الوطني، بحل الأزمة وتجنيبهم مزيداً من الخسائر المالية سواء تكاليف تشغيل مولدات لحفظ المجمدات خاصتهم أو تكاليف فسادهها، وأكدوا لـ "الحدث" أنهم باتوا يدخلون كميات أقل من اللحوم بما يسد حاجة المواطنين في القطاع والذين عمدوا أيضاً إلى إفراغ ثلاجاتهم من اللحوم والفواكه والخضار وباتوا يعتمدون على جلب احتياجاتهم منها يومياً دون تخزينها.
200 ألف دولار
وحال صالح فدعوس، صاحب شركة للتسويق والتوزيع ببيت لاهيا شمال قطاع غزة، أكثر سوءاً، إذ قدر خسائر شركته بسبب عمليات الاتلاف الناتجة عن أزمة الكهرباء بـ 200 ألف دولار.
ويعمد فدعوس إلى تسويق وتوزيع مواد غذائية كالأجبان والحمص المعلب والمرتديلا وغيرها على السوبرماركت والمحال التجارية، يقول: "أزمة الكهرباء أفسدت العديد من منتجاتنا وواجهنا عمليات إرجاع كبيرة خلال الآونة الأخيرة بسبب فساد الأغذية"، مؤكداً أن ذلك اضطرهم إلى ترشيد كميات المواد الغذائية الموزعة على المحال التجارية والسوبرماركت نظراً لعدم قدرتهم على الاحتفاظ بكميات المجمدات لفترة طويلة في ظل الانقطاع المتكرر للكهرباء لساعات تتجاوز 12 ساعة يومياً.
طعام مسموم
ولا يختلف حال النساء في البيوت كثيراً عن سابقيهن، فالمعاناة واحدة، فساد غذائي وطعام مسموم بسبب الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي لساعات طويلة، ناهيك عن حرارة الجو التي تُفسد كل شيء لم يُحفظ في مكان بارد.
وشكت ربات بيوت لـ "الحدث" من إصابة أبنائهن بحالة من التسمم، وفق تشخيص الأطباء، نتيجة تناول أطعمة فاسدة، وقالت ميرفت المزين (42) عاماً من منطقة معن جنوب قطاع غزة: "كنت قد خزنت كميات من الخضار وصدور الدجاج في ثلاجة المنزل لكن انقطاع التيار الكهربائي ليوم كامل في ظل حر الصيف الشديد أفسدها جميعها"، وتُضيف أنها حاولت طهو الخضار في اليوم التالي لكن النتيجة كانت وعكة صحية ألمت بأطفالها الصغار بعد تناولهم الخضار، تؤكد السيدة أن الأطباء شخصوا حالة أبنائها بـ "تلوث معوي" نتيجة تناول أغذية فاسدة، تقول: "بسبب الكهرباء خسرت الأطعمة وتكبدت آلام أطفالي"، داعية إلى ضرورة حل الأزمة والتخفيف من معاناة المواطنين، خاصة في ظل حالة الفقر التي يُعاني منها معظم سكان القطاع.
من جانبها أكدت أم عدنان بريص، أنها تكبدت خلال الأسبوع الماضي خسائر مالية ونفقات إضافية كثيرة نتيجة انقطاع التيار الكهربائي وفساد كل ما في ثلاجتها من مواد غذائية وخضراوات ولحوم وأسماك وفواكه وطعام، وأضافت أن ما زاد معاناتها من فساد الأطعمة هو عطل ثلاجتها وعدم قيامها بعملية التبريد بالشكل المطلوب الذي يُحافظ على سلامة الأغذية تقول: "أخبرني فني التبريد أن ضعف التبريد ناتج عن ضعف التيار الكهربائي وتقليص ساعات وصل الكهرباء مقارنة مع قطعها والذي يتجاوز 18 ساعة أحياناً".
متابعة وتفتيش
من جانبه أكد رائد أبو زرقة، مدير مباحث التموين بشرطة خان يونس أن دائرته بالتعاون مع بلدية خان يونس ودائرة الطب الوقائي التابعة لوزارة الصحة تمكنوا في الآونة الأخيرة من إعدام كميات من اللحوم الفاسدة والتي كانت مُعدة للبيع، وأوضح في بيان تلقت "الحدث" نسخة منه أن كمية اللحوم المُعدمة كانت بحوزة أحد المطاعم في المدينة، وقُدرت بـ 250 كيلو من لحم الحبش و800 كيلو من لحم الدجاج، وجميعها كانت مُعدة في أسياخ شاورما من أجل تسويقها للمواطنين، وأضاف البيان أن صاحب المطعم لاحظ علامات فساد على اللحوم المُعدة للشاورما، ما دعاه إلى استدعاء الجهات الرسمية لإعدامها، وبينما تساءلت "الحدث" عن السبب وراء فساد اللحوم، كانت الإجابة من قبل صاحب المطعم ودائرة الصحة بالبلدية: "انقطاع الكهرباء لساعات تجاوزت 18 ساعة في اليوم الواحد"، وبيّن صاحب المطعم أن موجة الحر الشديد التي ضربت فلسطين ساهمت في فساد الأغذية.
تحذير
فيما حذرت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، من تفاقم الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة نتيجة استمرار انقطاع التيار الكهربائي لمدة تتجاوز 12 ساعة، وقالت الهيئة على لسان بهجت الحلو منسق العلاقات العامة والإعلام: "تجدد أزمة الكهرباء انتهاك لمجمل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لمواطني قطاع غزة"، وعبّر خلال المؤتمر الذي عقدته الهيئة الأسبوع الماضي وتابعته "الحدث" عن قلقه من التداعيات الخطيرة لاستمرار انقطاع الكهرباء يومياً لما يزيد عن 12 ساعة على حياة المواطنين، خاصة في ظل ذروة الصيف وارتفاع درجات الحرارة لـ 40 درجة مئوية، ونوه الحلو إلى أن الأزمة الأخيرة أكملت حلقات المعاناة التي يتكبدها الفلسطينيون على مدار 9 سنوات ماضية، من إغلاق وتشديد للحصار وممارسة العقوبات الجماعية وتقييد حركة السكان ونقص السلع والخدمات والاحتياجات الأساسية من الغذاء والإمدادات الطبية، داعياً المسؤولين في حكومة الوفاق الوطني إلى الوقوف عند مسؤولياتهم والتخفيف من معاناة السكان التي وصلت إلى حد لا يُطاق، وفق تعبيره.
وحسب بيانات سلطة الطاقة وشركة توزيع الكهرباء في قطاع غزة، فإن نسبة العجز من احتياجات السكان للتيار الكهربائي تتراوح بين (40% -60%) وفقاً لحالة التوقف المتكرر لمحطة التوليد نتيجة شُح الوقود وعدم دخوله إلى القطاع، على إثر الخلافات الضريبية المفروضة عليه.