الإثنين  25 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

"التَّفكيرُ بِطَرِيقةٍ مَرَضِيَّة"/ بقلم: رائد دحبور

2015-08-11 10:01:52 PM
صورة ارشيفية
 
هل سَمِعْتُم الى " وِلْيَمْ جِيمسْ " 1842م-  1910 م"  مُبدعُ " فكرة البرِغماتيَّة " ومؤلِّف كتاب " البرِغماتيَّة " وهو يقول:
إنَّ الإكتشاف الأعظم الذي شهده جيلي والذي يُقارن بالثورة الحديثة في الطِّب؛ كثورة البنسلين، هو: معرفة البشر أن بمقدوهم تغيير حياتهم عبر تغيير مواقفهم الذهنية ".
وإلى قولِهِ: " إنَّ أعْمَقَ مبدءٍ في الطبيعة الإنسانية هي التماس التقدير " ؟!.
يا لها من أفكارٍ جميلةٍ في ظاهرها !!. ولكن الى أين قادتْ طُرُقُ التفكير على أساسِها ؟!.
 
انتبهوا !! إنَّه يقول: " مواقفهم الذِّهنيَّة !! " بمعنى الأفكار الخاصَّة الَّتي يبنون على أساسِها مواقفهم تجاه الحياة وتجاه من حولهم وفق رؤيتهم الخاصَّة للحياة.
ولم يقل تصوُّراتهم الذّهنيَّة الأساسيَّة المُجرَّدة من الغايات !! وثمَّة فرقٌ كبير بين المفهومين.
ليسَتْ أفكار " وِليَمْ جيمسْ "  أفكاراً قد تمَّ إهمالها - بل قد أثَّرت بعمقٍ في حياة المجتمع الأمريكي تحديداً - ولا هو شخصيَّة وظاهرةً عابرة؛ فهو الفيلسوف الأمريكي المعروف؛ حتَّى أنَّهم وصفوه بفيلسوف الحريَّة !!. كما أنَّ له إسهامات ومؤلَّفات مهمَّة في علم النَّفس وعلم النَّفس الدِّيني؛ وله مؤلَّفات في التَّصَوُّف؛ لكنَّ أهم ما كتبَ في الفلسفة، هو الفلسفة البرغماتيَّة. لقد كتب مؤلَّفاتٍ عديدة منها " الإرادة " و " مباديء علم النَّفس " و " الإعتقاد " و " البَرِغْماتيَّة ".
لقدْ  قامت فلسفة " وليم جيمس " البرغماتيَّة؛ على أساسِ أهميَّةِ وقيمةِ الحصول على التَّقدير الشَّخصي على أساس الإنجاز المادي بعيداً عن معايير القيم والمباديء الإنسانيَّة العامَّة؛ والذَّوق الإنساني العام؛ فليس مهمِّاً أنْ يتحلَّى المرء بالأخلاق إذا كانَ مُعْوِزاً؛ ولا ينبغي للمجتمع أنْ يُقدِّر الأشخاص على أساسِ صلاحهم الأخلاقي؛ بل يجب تقييمهم على أساسِ مدى إسهامهم في حركة الإقتصاد والإنتاج وزيادة الثَّروة لسَدِّ حاجاتهم الخاصَّة وحاجاتِ من يَعولون؛ وبذا يحصل المجتمع على كفايته بشكلٍ تكاملي - تبدو هذه الفكرة الأخيرة جميلة، أليس كذلك ؟!. ولكنَّها في ذات الوقت فكرة خطيرة؛ إنَّها في جوهرها نقيض التعاطف الإنساني والتكافل على أساسٍ أخلاقي.
 بالإجمال – ودون استطراد طويل في شرح فلسفة " وليم جيمس " البرغماتيَّة – هذه الفلسفة الَّتي أدَّى الإيمانُ بها الى التكامل مع المِيكَافلَّيَّة – الَّتي مؤدَّاها أنَّ الغايةَ تبرِّرُ الواسطة أو الوسيلة - فالبرغماتيَّة لا تؤمن إلَّا بالأفكار العمليَّة ذات القيمة الماديَّة بغض النَّظر عن تجريداتها الأخلاقيَّة؛ والميكافلِّيَّة لا تؤمن بأنَّ الإنسان يمكن أنْ ينفَك عن طبيعته المفطورة على حب الذَّات والأنانيَّة والسير وفق مقتضيات ذلك في تحديد دوافعه ومن ثمَّ سلوكه العملي، ووسيلتها في ذلك هي منهج الغائِيَّة والذَّرائعيَّة !!. وهي تعطي أهمِّيةً للغاية بغضِّ النَّظر عن الوسيلة. فالبرغماتيَّة والميكافيليَّة تتكاملان في صياغة الأفكار المريضة؛ وهما تُمَثِّلانِ قاعدةً للتفكيرِ بطريقةٍ مَرَضِيَّة.
 
خُلاصةُ القوْل:
ليس معنى أنْ تكون كل الأفكار التي صدرت عن المفكِّرين والفلاسفة والمثقَّفين أفكاراً سليمة وصحيحة دائماً؛ فثمَّة من فكَّرَ منهم بطريقةٍ مرضيَّة، سواءَ على قاعدةِ عقدٍ نفسيَّة كانت تُطبِق على سماتهم الشَّخصيَّة، أو سواءَ على قاعِدَةِ استحكام عقدة الإستعلاء والشُّعور بالتفوُّق العرقي أو الدِّيني أو المذهبي لديهم؛ وثمَّة - منهم - من قاد جماهير غفيرة؛ وأحزاب، وحركاتٍ اجتماعيَّة وسياسيَّة، ودولٍ ، وأمم، بطريقةٍ مرَضِيَّة؛ وأشاعوا ثقافاتٍ أسهمت في شقاءِ الإنسانيَّة؛ من حيث أرادوا إسعاد بعض المجتمعات القويَّة الَّتي يَنْتَمونَ إلَيْها على حسابِ المجتمعات الأضعف.